عنوان الفتوى : جواب شبهة حول الإقامة في دار الكفر وهل يشرع الجمع بسبب الدراسة
أنا طالب جامعي أعتمد على موقعكم وأثق به وأستفيد من علمه الشرعي ووالله هناك كثير من الفتاوى جميلها ما عرضتم فيه آراء العلماء المختلفة إن كان هنالك خلاف قائم بينهم ما استفدت منه، كشاب والله أحيانا تصل بالإنسان تمني الموت في هذا الزمن من كثرة الظلم وما يجري في الأمة فلا قوة ولا سند ولا ملجأ في الدنيا ولا نصير إلا الله وأنا بالذات كشاب أعيش في فلسطين المحتلة عرب 48 ضاقت بي الدنيا في الكيان الصهيوني فقررت الهجرة للدراسة إلى الغرب إرضاء للوالدين ولأن ظروفنا صعبة وقد يسأل سائل لماذا لم تذهب إلى بلد عربي؟ أقول والله نعامل نحن الفلسطينيون وخاصة عرب 48 بعنصرية حتى في السعودية كما أخبرنا أحبابنا وأقاربنا، ومن هذا التمييز أيضا أن ندفع ضعف ما يدفع غيرنا ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم فوجئت بفتاويكم بتحريض الشباب المسلم ضد السفر للغرب والتعلم بحجة الاختلاط كأنه يخفى على حضراتكم بأن نفس الوضع موجود في البلدان العربية من تعليم جامعي مختلط واضطهاد للمسلم الملتزم أنا أقولها والله بألم لما يضيق على شبابنا في زمن يكاد أحدنا يختبئ ويتوارى عن الناس ليحفظ دينه وأنتم كبراؤنا ومراجعنا نتوقع منكم فقه التيسير لكن حسبنا الله ونعم الوكيل، أردت أن أسأل عن إشكال في فتوى بالنسبة لجمع الصلاة على حديث ابن عباس، فتارة قلتم بأنه جمع صوري وتارة ضعف هذا القول النووي كما أرفقتم لنا على موقعكم فهلا نشرتم فتوى نهائية بالنسبة للطلاب وجمع الصلاة بسبب التعليم، وهذه الفتوى: 53881، في النهاية يا مشايخنا أنا آسف على هذا الانفعال، لكن والله قلت ذلك بألم مع أنني لست من أهل العلم ولست صاحب كفاءة حتى أتكلم فيكم، أو أناقشكم، لكن نحن نعيش هذا الواقع وددت لو أسمعتكم صوتا من أصوات أبنائكم فلا يمكن أن يبقى الشباب المسلم الملتزم فقط يتعلم تعليما بسيطا ويبحر في العلم الشرعي في حين أن الأمة تستورد الملابس وضعيفة في كل المجالات، لذلك أرجو من الله أن يوفقكم في تخصيص موضوع شامل يدرس هذه الغربة في الوطن وخارج الوطن بتفصيل فقهها وأحكامها كما قام بذلك من المجتهدين أمثال الشيخ القرضاوي وأقول جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكر الله لك حرصك على الخير، واعلم أنه لا يخفى علينا أن كثيرا من بلاد المسلمين يوجد فيها جنس ما يوجد في بلاد الغرب من الاختلاط في التعليم ونحوه من المنكرات، ولكن مع هذا فلا يمكن أن تقاس تلك البلاد مهما بلغت درجة الفساد فيها ببلاد الغرب وهذا لا يماري فيه إلا مكابر، ومن ثم فالحريص على دينه يختار ما فيه المصلحة لدينه وإن ترتب على ذلك بعض المتاعب والأضرار ما دام ذلك محتملا، وانظر الفتوى رقم: 149695، لبيان الحال التي تجب الهجرة فيها من بلاد الكفار والتي تستحب فيها.
وأما الاهتمام بالعلوم الدنيوية التي بالمسلمين إليها حاجة: فنحن نحث عليه وندعو إليه ونقول إنه لا بد للمسلمين من النهوض في مختلف مجالات العلم وأن يأخذوا بأسباب النهوض ليسلكوا أنفسهم في سلك الأمم المتقدمة في هذه الميادين ويطرحوا عن أنفسهم معرة التخلف عن ركب الحضارة، وإن كان تحصيل هذا العلم لا يتأتى إلا بالإقامة في بلاد الكفار فلا حرج حينئذ في الإقامة فيها إذا توفرت الشروط المعتبرة لذلك، وانظر الفتوى رقم: 144781.
وأما المسألة التي سألت عنها وهي جمع الصلوات بسبب التعليم، فالأصل عدم جواز الجمع إلا لعذر يبيحه وسواء قلنا إن الجمع الوارد في حديث ابن عباس المشار إليه كان جمعا صوريا كما رجحه الشوكاني وجماعة، أو قلنا إنه كان جمعا حقيقيا فلا إشكال، لأن القائل بأنه جمع حقيقي يحمله على أنه كان جمعا لحاجة، وأما من قال من العلماء إنه جمع لغير حاجة وإن هذا يدل على جواز الجمع لغير حاجة ما لم يتخذه عادة فنحن لا نرى رجحان هذا القول، لأنه خلاف قول الجماهير ولأن الأصل هو وجوب فعل كل صلاة في وقتها، لقوله تعالى إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء: 103}.
ولما روي عن بعض السلف من أن الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر، وانظر الفتوى رقم: 117872، وما أحيل عليه فيها.
فإذا علمت هذا وعلمت أن الجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا لعذر يبيحه أيا كان الوجه الذي يحمل عليه حديث ابن عباس المشار إليه، فإن مجرد الدراسة ليس عذرا يبيح الجمع، وقد بينا الحالات المبيحة للجمع بين الصلاتين في الفتوى رقم: 6846، فلتنظر.
نعم إن احتاج الطالب للجمع بين الصلاتين ولم يتمكن من فعل الصلاة في وقتها فقد تكون له رخصة في الجمع عند من يبيح الجمع لمطلق الحاجة، وانظر الفتوى رقم: 142323.
والخلاصة أن الأصل هو وجوب فعل كل صلاة في وقتها الذي وقته الله تعالى لها، فإن تعذر التفريق بين الصلاتين وكانت فيه مشقة جاز عند بعض العلماء الجمع في هذه الحال رفعا للحرج.
والله أعلم.