عنوان الفتوى : اختيار جنس الجنين: بين العلم والفقه

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما هو حكم اختيار الجنين عن طريق تحديد الجينات

مدة قراءة الإجابة : 13 دقائق

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

التحكم في نوع الجنين لا يتعارض مع العقيدة السليمة، لأن المسلم يؤمن أن أي شيء في الكون لن يحدث إلاّ بإرادة الله تعالى، والاكتشافات العلمية الحديثة تحقق للإنسان بعض رغباته، ولكن يجب الالتزام بالضوابط الشرعية في الموضوع. فقد يرخص الدين في عملية اختيار الجنس، ولكن يجب أن تكون رخصة للضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة، وإن كان الأسلم والأولى تركها لمشيئة الله وحكمته .

يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة الإسلامية بالكويت:
هذا سؤال أجابت عنه ندوة “الإنجاب في ضوء الإسلام” التي عقدت في الكويت، 11 شعبان 1403هـ الموافق 24 مايو 1983م، ونبدأ ببيان الجانب العلمي ليمكن تصور الموضوع، ثم بناء الحكم الشرعي عليه.
هناك إنجازان علميان في الموضوع:
الأول: معرفة جنس الجنين ذكراً أو أنثى بواسطة شفط بعض السائل المحيط به من الرحم، وفيه بعض خلايا الجنين من سطح جسمه، وتُفحص هذه الخلايا ومنها يعرف جنس الجنين.
الثاني: اكتشاف الاختلاف بين المنوي المفضي للذكورة والمنوي المفضي للأنوثة في طائفة من الصفات كالكتلة والسرعة والقدرة على اختراق المخاط اللزج في قناة عنق الرحم، وغير ذلك.
وقد تم هذا في النطاق الحيواني، ويطبق في صناعة تربية الحيوان، وذلك بتحضير كمية كبيرة من السائل المنوي تجمع من عدد كبير من الفحول أمكن فصلها قسمين: أحدهما ترجح فيه المنويات المفضية إلى الأنوثة، والآخر ترجح فيه المنويات المفضية إلى الذكورة، وباستعمال أحد القسمين في التلقيح الصناعي للإناث أمكن أن يميل ميزان الفردية من النسبة الطبيعية، وهي نحو 50% لكل جنس إلى نسبة 70% في اتجاه الجنس المطلوب.

وأما من الناحية الفقهية فإن الموضوع لا يدخل في باب العقيدة مطلقاً، بل يجب أن نعتقد أن كل ما يتوصل إليه الإنسان، إنما هو بإرادة الله وعلمه، فلو فرضنا أن طبيباً أو مجموعة من الأطباء غير المسلمين توصلوا إلى قضية التحكم في نوع الجنين، فهل معنى هذا أن إرادتهم وعلمهم غلب إرادة الله وعلمه؟!

لا يحق لمسلم أن يعتقد هذا وإلا خرج من الملة والدين والعياذ بالله، فإرادة الله هي الغالبة لا ريب، والنتيجة النهائية التي تحصل هي إرادة الله، والله عز وجل هو الذي أقدرنا على ذلك، فالمسألة ليست عقائدية قطعاً وإنما هي: هل حلال أن نفعل ذلك أم حرام؟ ومن ناحية أخرى، فإن هذا الموضوع ليس فيه تغيير لخلق الله، فالحيوان المنوي هو الحيوان المنوي، والبويضة هي البويضة، وإنما هناك تدخل من الإنسان في أن تلقح هذه البويضة بنوع من الحيوان المنوي، فهنا لا تغيير لخلق الله تبارك وتعالى، والله له الخلق والأمر، والحيوان المنوي خلقه والبويضة خلقه، والموضوع يدخل في قضية الأحكام.

والتحكم إذا خلا من المقاصد الفاسدة والشريرة، فهو من باب أخذ الأسباب والمعالجات التي تكون قبل الحمل، كتحديد موعد التقاء الزوجين أو أخذ أدوية معينة، وقد أباح الإسلام العزل، وهو نوع من التحكم، ومن ناحية أخرى أجاز الإسلام أن يدعو المسلم ربه أن يرزقه ذكراً أو أنثى، وقد سأل نبي الله زكريا عليه السلام أن يرزقه الله ذكراً فقال: “فهب لي من لدنك وليا (5) يرثني” (مريم)، فلا مانع من الحرص على ذلك والدعاء به، وإن من المقرر: أن ما يحرم فعله يحرم طلبه، وأن من شروط الدعاء ألا يسأل أمراً محرماً. ومن جانب آخر، يثبت ألا منافاة لفعل التحكم مع إرادة الله، إن مراد الله لا يُعرف للإنسان إلا بعد وقوعه، وإرادته تمضي طبقاً لما يشاء سبحانه ولا راد لأمره، وهذا مقتضى العقيدة الإيمانية الصحيحة في مسألة القضاء والقدر، فالعلم بالمقدور علماً سابقاً لوقوعه هو ما اختص الله به، ولا يتخلف عنه القضاء الواقع، وإن الذي يقع فعلاً هو المقدور المغيب، وما قواعد الوراثة، إلا نظم وأسباب كونية أودعها الله في مخلوقاته ويرفعها متى تعلقت بذلك إرادته.

وقد يتوهم البعض أن التحكم في جنس الجنين مصادم لقوله تعالى: “يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور 49 أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما” (الشورى)، وطبقاً لما سبق من بيان أن المسلم يعتقد أن إرادة الله ومشيئته هي النافذة، فلا تصادم مع الآية، ولذلك جاز أن تذهب المرأة أو الرجل إلى الطبيب لعلاج العقم أخذاً بالأسباب.</<B>

ومن جانب آخر، فإن عمل ذلك على نطاق فردي لا شيء فيه، مثل العزل أو تنظيم النسل، ولكن يصبح قضية خطيرة إذا كان على نطاق عام يشمل المجتمع كتقنين معين، فالعزل أو تنظيم النسل جائز في الحالات الفردية، لكنه لا يجوز تعميمه باعتباره قانوناً عاماً، وقد جاء في توصيات ندوة “الإنجاب في ضوء الإسلام” في موضوع التحكم ما يلي: “اتفقت وجهة النظر الشرعية على عدم جواز التحكم في جنس الجنين إذا كان ذلك على مستوى الأمة، أما على المستوى الفردي فإن محاولة تحقيق رغبة الزوجين المشروعة في أن يكون الجنين ذكراً أو أنثى بالوسائل الطبية المتاحة: فلا مانع منها شرعاً عند بعض الفقهاء المشاركين في الندوة، في حين رأى غيرهم عدم جوازه، خشية أن يؤدي إلى طغيان جنس على جنس”. والذي يظهر لنا والله أعلم أن عملية التحكم أو الاصطفاء لجنس معين هو في ذاته عمل طبي لا تلحقه الحرمة إلا إذا أفضى إلى محرم، لأنه يصبح حينئذ وسيلة وطريقاً للحرام فيأخذ حكمه.

وهو إذا طبق على نطاق عام كان ذريعة إلى فساد فيما قد يحدثه الناس من فوضى واختلال في توازن الذكورة والأنوثة. وأما إذا طبق على نطاق فردي وكان قبل الحمل فلا مانع منه… والله أعلم.

وأما ما ورد في السؤال، عما إذا كان هناك مصادمة وتعارض لعلم الطب اليوم لنوع الجنين ذكراً أو أنثى مع قوله تعالى: “ويعلم ما في الأرحام” (لقمان:34)، فيجاب بأنه لا تعارض إطلاقاً بين علم الطب لنوع الجنين وعلم الله عز وجل، ومثل هذه الآية قوله تعالى: “الله يعلم ما تحمل كل أنثى” وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار (8) عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال (9)”(الرعد). فعلم الله عز وجل ليس محصورا في معرفة ما في الأرحام من الذكورة أو الأنوثة، وإنما يشمل كل ما يتعلق بما في الرحم، هل سيعيش هذا الجنين أم سيموت؟! هل سيكون سعيدا أم شقيا؟!… إلى آخر ذلك، وأما علم الإنسان فمحصور في معرفة أنه ذكر أو أنثى، وهذا العلم بإرادة الله ومشيئته عز وجل، فهو الذي مكن الإنسان أن يصل بعلمه إلى ذلك: “وما تشاءون إلا أن يشاء الله “(الإنسان:30). أهـ

ويقول فضيلة الشيخ القرضاوي:

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: لا ريب أن هذه القضايا قضايا خطيرة تستحق الاهتمام من المشتغلين بفقه الشريعة وبيان أحكامها، وخصوصًا إذا كانت في حيز الإمكان القريب، كما يؤكد الأطباء وإن كان من فقهاء السلف رضي الله عنهم من جعل نهجه رفض الإجابة عما لم يقع بالفعل من الحوادث المسئول عنها، حتى لا يجري الناس وراء الافتراضات المتخيلة، مما لا يقع مثله إلا شاذًا، بدل أن يعيشوا في الواقع، ويبحثوا عن علاج لأدوائه.

فعن ابن عمر قال: لا تسألوا عما لم يكن: فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن.
وكان بعضهم يقول للسائل عن أمر: أوقد وقع ؟ فإن وقع أجابه . وإلا قال له: إذا وقع فاسأل.
وكانوا يسمون من سأل عما لم يقع: ” أرأيتيًّا ” نسبة إلى قوله: ” أرأيت لو كان كذا وحدث كذا ” الخ . . ..
قال الشعبي إمام الكوفة في عصر التابعين: والله لقد بغّض هؤلاء القوم إليّ المسجد . قلت: من هم يا أبا عمر ؟ قال: الأرأيتيون.

وقال: ما كلمة أبغض إليّ من ” أرأيت ” ؟ !
ويمكننا أن نقتدي بهؤلاء الأئمة، ونقول للسائل: دع الأمر حتى يقع بالفعل، فإذا حدث أجبنا عنه، ولا نتعجل البلاء قبل وقوعه.
وما يدرينا ؟ لعل عقبات لم يحسب العلماء حسابها، أو قدروا في أنفسهم التغلب عليها . تقف في طريقهم، فلا يستطيعون تنفيذ ما جربوه في بعض الحيوان على نوع الإنسان.

ولكنا – مع هذا – نحاول الجواب لأمرين:
الأول: إن موجه السؤال يعتقد أن الأمر وشيك الوقوع، وليس من قبيل الفروض المتخيلة التي كان يسأل عن مثلها ” الأرأيتيون ” فلابد أن نتهيأ لبيان حكم الشرع فيما يترتب عليها من آثار لم يسبق لها نظير في الحياة الإسلامية، بل الإنسانية.

الثاني: إن السؤال فيما أرى أيضًا فيما يتضمن بحث مشروعية هذه الأعمال المطروحة للاستفتاء: أتدخل في باب الجائز أم المحظور

قضية اختيار الجنس: 
أما قضية اختيار جنس الجنين، من ذكورة وأنوثة، فهي تصدم الحس الديني لأول وهلة وذلك لأمرين:
الأول: أن علم ما في الأرحام للخالق سبحانه، لا للخلق . قال تعالى: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) وهو من الخمسة التي هي مفاتيح الغيب المذكورة في آخر سورة لقمان (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام).
فكيف يدعي بشر أنه يعلم جنس الجنين ويتحكم فيه ؟

الثاني: أن ادعاء التحكم في جنس الجنين تطاول على مشيئة الله تعالى، التي وزعت الجنسين بحكمة ومقدار، وحفظت التوازن بينهما على تطاول الدهور، واعتبر ذلك دليلاً من أدلة وجود الله تعالى وعنايته بخلقه وحسن تدبيره لملكه.
يقول تعالى: (لله ملك السموات والأرض، يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيما، إنه عليم قدير).

ولكن لماذا لا يفسر علم ما في الأرحام بالعلم التفصيلي لكل ما يتعلق بها ؟ فالله يعلم عن الجنين: أيعيش أم يموت ؟ وإذا نزل حيا: أيكون ذكيًا أم غبيًا ضعيفًا أم قويًا، سعيدًا أم شقيًا ؟ أما البشر فأقصى ما يعلمون: أنه ذكر أو أنثى.
وكذلك يفسر عمل الإنسان في اختيار الجنس: أنه لا يخرج عن المشيئة الإلهية، بل هو تنفيذ لها . فالإنسان يفعل بقدرة الله، ويشاء بمشيئة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله).

وفي ضوء هذا التفسير، قد يرخص الدين في عملية اختيار الجنس، ولكنها يجب أن تكون رخصة للضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة، وإن كان الأسلم والأولى تركها لمشيئة الله وحكمته (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة
والله أعلم

ويمكنكم مطالعة الفتاوى التالية:

الغيب والشهادة في معرفة نوع الجنين