عنوان الفتوى : الابن الذي يعيش وأسرته مع والديه هل يضحي بنفسه أم يشترك معهما
أنا متزوج وأب لعائلة وأسكن في منزل واحد ذي طابقين مع والداي، فهل لي أن أضحي معهما على أن يدفعا هما ثمنها, علما أن والدتي تكره أن أشتري أنا أضحية خاصة بي وتريد أن أشاركهما فيها؟ وجزاكم الله خيراً.. وثبَت أجركم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأضحية سنة مؤكدة عند الجمهور في حق كل قادر، فقد حض عليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وروى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفساً. قال الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح صحيح.
ولا يجوز الاشتراك في ثمن الأضحية إذا كانت شاة، ويجوز أن يشترك السبعة -فما دونهم- في البقرة أو البدنة الواحدة إذا كان نصيب المضحي لا يقل عن سبع البقرة أو البدنة، وهذا مذهب الجمهور، خلافاً للمالكية ومذهب الجمهور راجح، ومما استدلوا به حديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. وهذا في الهدي والأضحية تقاس عليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4125، والفتوى رقم: 55309 وما أحيل عليه فيهما.
ويصح أن يشرك المضحي غيره في ثوابها إذا كان من أولاده الذين يسكنون معه وينفق عليهم ولو تبرعاً كما هو مذهب المالكية، ولم يشترط الحنابلة والشافعية المساكنة والإنفاق.. وبناء عليه فإذا كان والدك يستطيع الأضحية وكنت تسكن معه فله أن يشركك أنت والوالدة معه في أجرها، كما قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته. رواه الترمذي وصححه النووي والألباني.
وقال المواق في التاج والإكليل: قال مالك وإن اشترى رجل أضحية بمال نفسه وذبحها عن نفسه وعن أهل بيته فجائز، قال ابن يونس لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولأن ذلك ليس بشركة في ملك اللحم وإنما هي شركة في الثواب والبركة. انتهى.
وفي المنتقى للباجي وهو مالكي: يجوز للإنسان أن يضحي عن نفسه وعن أهل بيته بالشاة الواحدة يعني بأهل بيته أهل نفقته قليلاً كانوا أو كثيراً، والأصل في ذلك حديث أبي أيوب: كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته زاد ابن المواز عن مالك وولديه الفقيرين، قال ابن حبيب: وله أن يدخل في أضحيته من بلغ من ولده وإن كان غنياً إذا كان في نفقته وبيته، وكذلك من ضم إلى نفقته من أخ أو ابن أخ قريب فأباح ذلك بثلاثة أسباب: أحدها: الإنفاق عليه، والثاني المساكنة له، والثالث القرابة. انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف: وتجزئ الشاة عن الواحد بلا نزاع، وتجزئ عن أهل بيته وعياله على الصحيح من المذهب نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم، وقيل لا تجزئ وقدمه في الرعاية الكبرى وقيل في الثواب لا في الإجزاء. انتهى.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد.. قال: واستدل بهذا من جوز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب وهو مذهبنا ومذهب الجمهور. انتهى.
وفي المغني لابن قدامة: ولا بأس أن يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة أو بقرة أو بدنة نص عليه أحمد وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق، وروى ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة قال صالح قلت لأبي يضحي بالشاة عن أهل البيت؟ قال: نعم لا بأس قد ذبح النبي صلى الله عليه وسلم كبشين فقرب أحدهم، فقال: بسم الله اللهم هذا عن محمد وأهل بيته، وقرب الآخر فقال: بسم الله اللهم هذا منك ولك عمن وحدك من أمتي... انتهى.
فالحاصل أنه إذا كان أبوك ينفق عليك فله أن يشركك معه في الثواب، وإذا كنت مستقلاً بنفقتك فالأولى أن تضحي عن نفسك وأهلك، وكذا إذا كنت أنت ووالدك مشتركين في المؤونة والنفقة ولا ينفق أحد منكما على الآخر فعلى كل واحد منكما أضحية في قول المالكية، وفي قول الشافعية والحنابلة أنه تجزئ واحدة عنكما... قال النفراوي في الفواكه الدواني: كثيراً ما يقع السؤال عن جماعة مشتركين في المؤونة، والحكم فيهم أن يضحي كل واحد عن نفسه ولا تجزئ واحدة عن الجميع لاشتراكهم في ذاتها ولا يشرك واحد منهم غيره فيها، وإن كانت من خالص ماله، لعدم إنفاقه عليه نعم لكل واحد إن استقل بضحيته أن يشرك صغار أولاده وزوجاته في أجر أضحيته، وينبغي إن شح الجميع في تضحية كل واحد شاة عن نفسه أن يقلد الشافعي وتجزئ واحدة عنهم... انتهى.
وأما كره الوالدة استقلالك بشراء أضحية خاصة فينبغي علاجه بإقناعها بالحكم الشرعي بتودد ولطف، فإن لم تقبله فلا تجب عليك طاعتها فإن الأضحية من السنن المؤكدة وقيل بوجوبها على القادر، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي والليث، وإحدى الروايتين عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.. ومجرد نهي الوالدة شفقة عليك من التكاليف لا تطاع فيه، كما قال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها. رواه البخاري.
وقال ابن حجر الهيتمي: وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه أخذاً مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له، أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة فلا يلتفت له الولد في ذلك. انتهى.
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: وذكر أبو البركات أن الوالد لا يجوز له منع ولده من السنن الراتبة.. وكذا المكري والزوج والسيد... ومقتضى كلام صاحب المحرر هذا أن كل ما تأكد شرعاً لا يجوز له منع ولده فلا يطيعه فيه، وكذا ذكر صاحب النظم لا يطيعهما في ترك نفل مؤكد كطلب علم لا يضرهما به وتطليق زوجة برأي مجرد. انتهى.
والله أعلم.