عنوان الفتوى : توكيل النصراني بذبح الأضحية... رؤية شرعية
لدي سؤال يتعلق بأضحية العيد في بلجيكا. فقد مُنِعنا من ذبح الأضحية بدعوى الرفق بالحيوان، فلذبحها يجب الذهاب إلى أماكن الذبح الخاصة بالنصارى، وتخدير الذبيحة قبل ذبحها. سؤالي: هل يجوز أن أذبح الأضحية خفية؟ مع العلم أنه في حالة انكشاف أمري أتعرض لغرامة مالية كبيرة من قِبَل السلطات، أم أرسل النقود لوالدي في المغرب وهو يذبح عني؟ جزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوكيل في شراء الأضحية وذبحها جائز لا حرج فيه، ولو في غير بلد المضحي. وانظر الفتوى رقم: 189793.
ومن ثم، فالذي نرى هو أن ترسل بثمن الأضحية لوالدك في بلدك الأصلي، وهو يذبح الأضحية نيابة عنك، وذلك تلافيا للضرر، ودفعا لما قد يوقعك فيه ذبحها خفية من الحرج ويلحقك من المشقة، على أننا ننبه إلى أن توكيل النصراني في ذبح الأضحية قد وقع فيه خلاف بين العلماء، فلم يجوزه جماعة منهم، وجوزه آخرون مع الكراهة.
جاء في شرح الخرشي على مختصر خليل: ويشترط في النائب أن يكون مسلما فلا تصح استنابة كافر على ذبح أضحيته، ولو كتابيا على المشهور؛ لأن الأضحية قربة، والكافر ليس من أهل القرب، ولا بأس أن يلي الكافر السلخ وتقطيع اللحم، والمراد بعدم صحة استنابة الكافر الكتابي في الأضحية عدم صحة كونها ضحية لا أنها لا تؤكل ومثلها في ذلك الهدي والفدية. انتهى.
وممن جوز استنابة النصراني في ذبحها فقهاء الشافعية، قال في المجموع: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ ذَكَرًا مُسْلِمًا، فَإِنْ اسْتَنَابَ امْرَأَةً أَوْ كِتَابِيًّا جَازَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ. انتهى.
وقد فصل ابن حزم الخلاف في المسألة ذاكرا مذاهب السلف فيها، وهذا كلامه بطوله، قال رحمه الله: وَإِنَّمَا عَنَى عَزَّ وَجَلَّ بِيَقِينٍ مَا يُذَكُّونَهُ لَا مَا يَأْكُلُونَهُ، لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، وَالْخِنْزِيرَ، وَمَا عُمِلَ بِالْخَمْرِ وَظَهَرَتْ فِيهِ؛ فَإِذْ ذَبَائِحُهُمْ وَنَحَائِرُهُمْ حَلَالٌ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ: صَبِيٌّ لَهُ ظِئْرٌ يَهُودِيٌّ أَيَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ قَالَا جَمِيعًا: يَذْبَحُ نُسُكَك الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ إنْ شِئْت، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْمَرْأَةُ إنْ شِئْت. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَذْبَحُهَا إلَّا مُسْلِمٌ، فَإِنْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَضْمَنُهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَذْبَحُ أَضَاحِيَّكُمْ الْيَهُودُ، وَلَا النَّصَارَى، لَا يَذْبَحُهَا إلَّا مُسْلِمٌ - وَعَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَك إلَّا مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ: لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَيْضًا: لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ. انتهى.
وإذا علمت هذا فالاحتياط عدم توكيل النصارى في ذبح الأضحية، وأن توكل في ذلك أحد المسلمين ببلدك، ولا ننصحك أن تباشر ذلك بنفسك لما قد يترتب عليك من الضرر مع إمكان تحصيل السنة بدونه.
والله أعلم.