عنوان الفتوى : ما يلزم من رمى الجمار قبل الزوال
في الحج رميت الجمار قبل الزوال بربع ساعة تقريبا ناسية، فما الحكم في ذلك؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يظهر من سؤالك أنك تقلدين الجمهور القائلين بعدم صحة الرمي قبل الزوال وهو الراجح عندنا، فإن كنت رميت قبل الزوال فالواجب عليك دم على هذا القول، فإن عجزت عنه فعليك صيام عشرة أيام، ولا يؤثر في هذا كونك رميت قبل الزوال نسيانا، لأنك لم تأتي بالواجب المأمور به شرعا، وأما من يرى صحة الرمي قبل الزوال أو يقلد من يفتي بذلك فلا يلزمه شيء، وزيادة للبيان نقول إن العلماء مختلفون في أول وقت الرمي في أيام التشريق، فمنهم من يقول إنه لا يجوز قبل زوال الشمس وهذا مذهب الجمهور، ومنهم من يقول بجوازه من أول النهار في جميع الأيام وهو قول ابن الجوزي من الحنابلة، وروي عن أبي حنيفة، ومنهم من يفرق بين يوم النفر وغيره فيجيزه في يوم النفر قبل الزوال للمصلحة ولا يجيزه في غيره قبل الزوال وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد، فمن رمى قبل الزوال ولو ناسيا لا يكون رميه مجزئا، لأنه قبل الوقت عند الجمهور، قال ابن قدامة: ولا يرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال أعاد، نص عليه، وروي ذلك عن ابن عمر وبه قال مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وروي عن الحسن وعطاء إلا أن إسحاق وأصحاب الرأي رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال ولا ينفر إلا بعد الزوال وعن أحمد مثله ،ورخص عكرمة في ذلك أيضا وقال طاوس: يرمي قبل الزوال وينفر قبله. انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف: قوله - أي ابن قدامة في المقنع - ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال، هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ونص عليه، قال ابن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب: إذا رمى في اليومين الأولين من أيام منى قبل الزوال لم يجزه رواية واحدة فأما في اليوم الأخير فيجوز في إحدى الروايتين. انتهى.
قال في الفروع: وجوز ابن الجوزي الرمي قبل الزوال.
وقال في الواضح: ويجوز الرمي بطلوع الشمس إلا ثالث يوم وأطلق في منسكه ـ أيضا ـ أن له الرمي من أول يوم وأنه يرمي في اليوم الثالث كاليومين قبله ثم ينفر، وعنه يجوز رمي متعجل قبل الزوال وينفر بعده. انتهى.
وحاصل مذاهب العلماء: أن الجمهور يرون عدم جواز الرمي قبل الزوال مطلقا، ومن العلماء من رخص في الرمي ثالث أيام التشريق قبل الزوال وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد، ومنهم من رخص في الرمي يوم النفر الأول كذلك قبل الزوال لمن قصد التعجل وهو رواية عن أبي حنيفة، ومنهم من رخص في الرمي قبل الزوال مطلقا كما مر، والراجح ـ إن شاء الله ـ هو قول الجمهور، وقد بين الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ دليل رجحانه، فقال في الشرح الممتع: والدليل على أنه لا يجزئ قبل الزوال ما يلي:
أولاً: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: رمى بعد الزوال ـ وقال: لتأخذوا عني مناسككم.
ثانياً: ولأنه لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، لما فيه من فعل العبادة في أول وقتها من وجه، ولما فيه من التيسير على العباد من وجه آخر، لأن الرمي في الصباح قبل الزوال أيسر على الأمة من الرمي بعد الزوال، لأنه بعد الزوال يشتد الحر ويشق على الناس أن يأتوا من مخيمهم إلى الجمرات ومع شدة الحر يكون الغم مع الضيق والزحام، فلا يمكن أن يختار النبي صلّى الله عليه وسلّم الأشد ويدع الأخف، فإنه ما خيِّر بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فنعلم من هذا أنه لو رمى قبل الزوال صار ذلك إثماً، ولذلك تجنبه النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولعل هناك فائدة وهي ابتلاء العباد هل يرمون مع المشقة أو يتقدمون خوف المشقة؟ وليس هذا ببعيد أن يبتلي الله عباده بمثل هذا، ولما فيه من تطويل الوقت من وجه ثالث، فلما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يتعمد أن يؤخر حتى تزول الشمس مع أنه أشق على الناس، دل هذا على أنه قبل الزوال لا يجزئ.
ثالثاً: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يبادر بالرمي حين تزول الشمس فيرمي قبل أن يصلي الظهر وكأنه يترقب زوال الشمس ليرمي ثم ليصلي الظهر، ولو جاز قبل الزوال لفعله صلّى الله عليه وسلّم، ولو مرة بياناً للجواز، أو فعله بعض الصحابة وأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا هو القول الراجح، أعني القول بمنع الرمي قبل الزوال. انتهى.
وإذا علمت ما مر من رجحان قول الجمهور وهو الذي تأخذين به فيما يظهر من سؤالك فالواجب عليك كما قدمنا دم يذبح في مكة ويوزع على مساكين الحرم، فإن عجزت فعليك صيام عشرة أيام.
والله أعلم.