الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالجنب لا يرتفع حدثه إلا إذا نوى بالغسل رفع الحدث، أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات.

متفق عليه.

واختلف العلماء فيما إذا اغتسل الجنب لما يسن له الغسل هل يرتفع حدثه أو لا؟ والمذهب عند الشافعية أنه لا يرتفع، قال النووي في شرح المهذب: ولو نوى تجديد الوضوء، أو نوى الجنب غسلا مسنونا ففي ارتفاع حدثه طريقان:

أحدهما: أنه على الوجهين فيما يستحب له الطهارة، وبهذا قطع الماوردي، وتقدم في كلام النووي قبل هذا أن أصح الوجهين عدم الإجزاء.

والثاني ـ وهو المذهب: القطع بأنه لا يرتفع حدثه وجنابته، لأن هذه الطهارة ليس استحبابها بسبب الحدث، فلا يتضمن رفعه بخلاف الطهارة لقراءة القرآن وشبهها، ولو نوى الجنب الغسل لقراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو المرور في المسجد ففي ارتفاع جنابته الوجهان اللذان في المحدث، ومر أن أصحهما عدم الإجزاء.

انتهى. 

وأما الحنابلة: فقد ذهبوا إلى أن من اغتسل غسلا مسنونا ـ كغسل الجمعة ـ أجزأه ذلك عن الغسل الواجب إن كان ناسيا له، قال في الروض: وإن نوى من عليه جنابة غسلا مسنونا ـ كغسل جمعة ـ قال في الوجيز ناسيا أجزأ عن واجب، كما مر في من نوى التجديد، وكذا عكسه، أي إن نوى واجبا أجزأ عن المسنون.

انتهى.

وإذا علمت الخلاف فإن تعليل القول الأول قوي، فضلا عن كونه أحوط وأبرأ للذمة، ومن ثم، فالذي نراه هو أن تعيد الصلوات التي صليتها قبل أن تغتسل بنية رفع الحدث، وبذلك تخرج من الخلاف وتبرأ ذمتك بيقين، وأما ما قرأته من القرآن فأنت مثاب عليه بقصدك ونيتك، وإن لم يحصل لك ثواب القراءة عند القائلين بتحريم القراءة على الجنب، إن حكمنا بأن حدثك لم يرتفع، قال الرملي في نهاية المحتاج: والجنب لا ثواب له على قراءته، بل على قصده في صورة النسيان، كمن صلى بنجاسة ناسيا لا يثاب على أفعال الصلاة المتوقفة على الطهارة، بل على ما لا يتوقف عليها ـ كالقراءة والذكر والخشوع ـ وقصده فعل العبادة مع عذره، فيحمل إطلاق إثابة الجنب الناسي على إثابته على القصد فقط.

انتهى.

والأمر في القراءة سهل، فإن بعض أهل العلم يرون عدم تحريم القراءة على الجنب، ولو أعدت قراءة ما قرأته ـ والحال هذه ـ كان ذلك حسنا.

والله أعلم.