عنوان الفتوى : من شك في أن انصرافه من مزدلفة كان قبل منتصف الليل
من فضلك لا تحول هذه الأسئلة لفتاوى أخرى، يرجى الرد على كل منها بمفرده: رجل كان مع فوج يتبع شركة سياحة في الحج، وكانت التنقلات بين عرفة ومزدلفة ومنى باستخدام الأتوبيسات. مشرف الفوج أخبر بأن الانصراف سيكون من مزدلفة بعد الساعة الثانية عشرة مساء. أي 12 مساء يوم 9 ذي الحجة. بعد أن رجع الرجل من الحج يشك أنه انصرف قبل الساعة 12 مساء.اتصل بمشرف الفوج فأخبره أن الفوج انصرف بعد 12 مساء. يوجد أربعة أسئلة:1-هل قول المشرف يرفع الشك بأنه ليس عليه أي شيء لأن 12 مساء يكون بعد منتصف الليل؟ أم ماذا يجب عليه الآن؟2-هل يعذر بأنه جلس في مزدلفة حتى نصف الليل فقط حتى يركب الأتوبيس مع الفوج وحتى يوصلوه لمكانه في منى؟ أو ماذا عليه الأن؟3-حسب ما أخبر مشرف الفوج أن ترك مزدلفة كان بعد منتصف الليل لكن في محاضرات الشيخ محمد العثيمين الموجودة على موقعكم أن ترك مزدلفة له صلة بضوء القمر أي هل يجب أن لا يترك مزدلفة إلا بعد انقضاء ثلثي الليل مثلا؟ ماذا على الرجل الآن لأنه لم يجلس إلى ثلثي الليل؟4-الآية: (واذكروا الله عند المشعر الحرام ). الرجل صلى المغرب والعشاء في مزدلفة وجمع الحصوات ولا يتذكر أنه ذكر الله غير ذلك. مضى حوالي ثمانية أشهر ولا يتذكر هل لبى في مزدلفة أولا أو ذكر الله غير صلاتي المغرب والعشاء. ماذا عليه الآن؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحج هذا الرجل صحيح إن شاء الله بكل حال، فإنه إن كان قد انصرف من مزدلفة بعد انتصاف الليل ولو بساعة لطيفة فلا شيء عليه عند الجمهور وهو المفتى به عندنا، ثم إن هذا الرجل إنما شك في وقت الانصراف من مزدلفة بعد فراغه من العبادة، وهذا الشك لا أثر له، فإن الشك في العبادة بعد الفراغ منها لا يبطلها، وانظر الفتوى رقم: 120064، ثم هو إن ترك المبيت رأسا فحجه صحيح كذلك وإنما يلزمه دم، فإن العلماء اختلفوا في حكم المبيت بمزدلفة؛ هل هو ركن يبطل الحج بتركه أو واجب يجب بتركه دم أو سنة لا يجب بتركه شيء؟ والراجح- إن شاء الله- أنه واجب لا ركن، وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه قال: الحج عرفة. فدل على أن من أدرك عرفة لم يفته الحج.
قال النووي رحمه الله: وهذا المبيت نسك بالإجماع لكن هو واجب أو سنة؟ فيه قولان مشهوران أصحهما واجب والثاني سنة. انتهى. وقال أيضا: المشهور من مذهبنا أنه ليس بركن ، فلو تركه صح حجه .
قال القاضي أبو الطيب وأصحابنا : وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف. انتهى
وقال الموفق في المغني: والمبيت بمزدلفة واجب من تركه فعليه دم. هذا قول عطاء والزهري وقتادة والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي لقول النبي صلى اله عليه وسلم : الحج عرفة. فمن جاء قبل ليلة جمع فقد تم حجه ] يعني من جاء عرفة. انتهى بتصرف.
وإذا علمت هذا، فإن القدر المجزئ من المبيت عند أكثر القائلين بالوجوب يحصل بالمكث بمزدلفة ولو ساعة لطيفة بعد نصف الليل، فإذا جاء قبل نصف الليل انتظر إلى ما بعد نصف الليل، والمعتبر هو انتصاف الليل سواء كان الليل ينتصف قبل الساعة الثانية عشرة أو بعدها، ويعرف منتصف الليل بحساب ما بين وقت المغرب وطلوع الفجر فإذا انقضى نصف هذا الوقت فقد انتصف الليل.
قال النووي في المجموع: الصحيح المنصوص في الأم أن هذا المبيت يحصل بالحضور في مزدلفة في ساعة من النصف الثاني من الليل، وبهذا قطع جمهور العراقيين وأكثر الخراسانيين. انتهى.
وقال ابن قدامة: ومن بات بمزدلفة لم يجز له الدفع قبل نصف الليل فإن دفع بعده فلا شيء عليه. وبهذا قال الشافعي وقال مالك : إن مر بها ولم ينزل فعليه دم فإن نزل فلا دم عليه متى ما دفع. انتهى.
وأما العلامة العثيمين رحمه الله فإنه يرى أن الواجب أن يبيت بمزدلفة معظم الليل، وهو قول لبعض الشافعية، قال الشيخ رحمه الله: قوله: «وله الدفع بعد نصف الليل» «له» الضمير يعود على الحاج مطلقاً، قوياً كان أو ضعيفاً، رجلاً كان أو امرأة له الدفع بعد نصف الليل، والمراد نصف الليل الشرعي وهو نصف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر.
والدليل: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أذن للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة ليلاً ، قالوا: فإذا انتصف الليل فقد أمضى أكثر الليل في مزدلفة والمعظم ملحق بالكل في كثير من مسائل العلم، وإذا أمضى أكثر الليل أجزأه، ولكن في هذا الحكم نظر؛ لأنه لا يطابق الدليل.
فالدليل هو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعث الضعفة من أهله بليل، وفي بعض الروايات: سحراً ، وكلمة «ليل» تصدق على النصف الأول، وعلى النصف الثاني والسحر، وتعيينها بما بعد النصف يحتاج إلى دليل. ثم إذا قلنا: الواجب المبيت معظم الليل، فإن نصف الليل ليس هو معظم الليل؛ لأن الناس دفعوا من عرفة بعد غروب الشمس، والمسير من عرفة إلى مزدلفة يحتاج إلى ساعة ونصف أو ساعتين، ومن ثم كان من فقه أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أنها كانت تنتظر حتى إذا غاب القمر دفعت وغروب القمر يكون في الليلة العاشرة بعد مضي ثلثي الليل تقريباً وقد يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً، وكأنها ـ رضي الله عنها ـ اعتبرت نصف الليل، لكن اعتبرت النصف من نزول الناس في مزدلفة، ونزول الناس في مزدلفة إذا اعتبرنا النصف، فإنه يزيد على النصف الحقيقي الذي هو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، بنحو هذا المقدار الذي اعتبرته أسماء وهو غروب القمر، وهذا هو الصحيح أن المعتبر غروب القمر، وإن شئت فقل: إن المعتبر البقاء في مزدلفة أكثر الليل، ولكن يؤخذ من الليل المسافة ما بين الدفع من عرفة إلى وصول مزدلفة، فيكون ما ذهبت إليه أسماء ـ رضي الله عنها ـ هو المطابق لمعظم الليل. انتهى كلامه رحمه الله.
وهو متجه وله قوة ولكن قول الجمهور من العلماء هو ما مر بك وهو المفتى به عندنا.
وأما ذكر الله عند المشعر الحرام فإنه سنة بالاتفاق، فمن تركه رأسا فلا شيء عليه، وصلاة المغرب والعشاء هي من ذكر الله بلا شك.
قال ابن قدامة في المغني: وما احتجوا به-أي القائلون بركنية المبيت- من الآية والخبر فالمنطوق فيهما ليس بركن في الحج إجماعا فإنه لو بات بجمع ولم يذكر الله تعالى ولم يشهد الصلاة فيها صح حجه. انتهى.
والله أعلم.