عنوان الفتوى : حكم ترك المبيت بمزدلفة ومنى لمن يعمل في نقل الحجيج
أنا من مصر وعندي فرصة للحج لكن عن طريق العمل في مترو المشاعر المقدسة، ولا أدري الإجابة عن بعض الأسئلة التالية: 1-حكم الحج والعمل في نفس الوقت؟ 2-حكم عدم البيات في منى يوم التروية؟ 3-حكم عدم البيات في مزدلفة بعد عرفة ؟ هل يوجد رخصة إن لم يتسير الوقت للذهاب هناك حيث من الممكن أن يكون وقت العمل لا يسمح؟ 4-حكم لبس المخيط أثناء العمل؟ 5-حكم عدم المبيت في منى إن تعذر؟ 6- كم عدد الدماء التي علي في حالة عدم البيات في مزدلفة بعد عرفة ولبس المخيط أثناء العمل وعدم البيات في منى يوم التروية وعدم المبيت في منى إن تعذر؟ 7-ما هو متوسط تكلفة الشاة حيث إني لم أذهب إلى الحج من قبل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما العمل والتكسب في الحج فلا حرج فيه؛ لقوله تعالى: َليْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ؟ {البقرة:198}. وهذا مبين في الفتوى رقم: 138159.
وأما المبيت بمنى ليلة التاسع فهو سنة بالإجماع فلا حرج في تركه ولا يلزم من تركه شيء.
قال الموفق رحمه الله في المغني: المستحب أن يخرج محرما من مكة يوم التروية فيصلي الظهر بمنى ثم يقيم حتى يصلي بها الصلوات الخمس ويبيت بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كما جاء في حديث جابر وهذا قول سفيان ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وليس ذلك واجبا في قولهم جميعا. قال ابن المنذر : ولا أحفظ عن غيره خلافهم، وتخلفت عائشة ليلة التروية حتى ذهب ثلثا الليل، وصلى ابن الزبير بمكة. انتهى.
وأما المبيت بمنى ليالي أيام التشريق فهو واجب، لكن يرخص في تركه لمن كان مشتغلا بمصالح الحجيج، فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة وأهل السقاية في ترك المبيت بمنى.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقاية الحاج، وهذا عمل عام، وكذلك رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى، لأنهم يرعون رواحل الحجيج، ويشبه هؤلاء من يترك المبيت لرعاية مصالح الناس كالأطباء وجنود الإطفاء، وما أشبه ذلك، فهؤلاء ليس عليهم مبيت، لأن الناس في حاجة إليهم. انتهى.
وما تقوم به من عمل في نقل الحجيج هو في معنى ما ذكر، وقد سئل فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: هل سائق الحافلة يعذر من البيت بمنى ليالي التشريق؟
فأجاب فضيلته بقوله: ينظر هل السائق يستعمل سيارته في مصلحة الحجاج أو لا؟ فإن كان في مصلحة الحجاج فلا بأس، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاة في ترك البيت في منى، وإن كان لمصلحة لنفسه فلا بد أن يبيت في منى. انتهى.
وبه تعلم أنه ليس عليك شيء إن شاء الله في ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق.
وأما المبيت بمزدلفة فإنه واجب يجبر تركه بدم، ويحصل المبيت بمزدلفة بأن توجد بها ولو ساعة لطيفة بعد نصف الليل عند كثير من العلماء، ولا نظن أن مثل هذا مما يعسر، ولكن إن تركت المبيت بمزدلفة للغرض المذكور فإن بعض الفقهاء قد رخص للرعاة والسقاة وفي معناهم من ذكرنا من المشتغلين بمصالح الحجيج في ترك المبيت بمزدلفة كما يرخص لهم في ترك المبيت بمنى.
قال ابن قدامة: المبيت بمزدلفة واجب يجب بتركه دم سواء تركه عمدا أو خطأ عالما أو جاهلا لأنه ترك نسكا، إلا أنه رخص لأهل السقاية ورعاة الإبل في ترك البيتوتة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في ترك البيتوتة في حديث عدي، وأرخص للعباس في المبيت لأجل سقايته، ولأن عليهم مشقة في المبيت لحاجتهم إلى حفظ مواشيهم وسقي الحاج فكان لهم ترك المبيت فيها كليالي منى، ولأنها ليلة يرمى في غدها فكان لهم ترك المبيت فيها كليالي منى. انتهى.
وعلى هذا القول فلا يكون عليك شيء لترك المبيت بمزدلفة، والقول الثاني أن المبيت بمزدلفة لا يلحق بالمبيت بمنى فلا يرخص في تركه لكونه آكد ولكون مدته أقل.
وهذا ترجيح الشيخ العثيمين رحمه الله يقول الشيخ: ولكن قد يقول قائل: ما رأيكم في جنود المرور، وجنود الإطفاء، والأطباء، والممرضين، هل ترخصون لهم؟
الجواب نقول: لا نرخص لهم؛ لأن المبيت في المزدلفة أوكد من المبيت في منى بكثير، فإن منى لم يقل أحد من العلماء إن المبيت بها ركن من أركان الحج، والمزدلفة قال به بعض العلماء، وهو قول قوي كما سبق، إلا أن الأقوى منه أنه واجب وليس بركن، وعلى هذا فلا بد من المبيت في المزدلفة، ثم يفرق أيضاً بينه وبين ليالي منى أنه ليلة واحدة، أو بعض ليلة للإنسان الذي يريد أن يدفع مبكراً في آخر الليل، أي: لا يقضي ليله كله، فلا يصح قياسه على ليالي منى. انتهى.
وعليه؛ فالأحوط إن تركت المبيت بمزدلفة أن تذبح دما في مكة يوزع على فقراء الحرم، وأما إن لبست المخيط حال الإحرام فإن كان ذلك لعذر فلا إثم عليك وعليك الفدية وهي على التخيير بين صيام ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وذبح شاة، وإن كان لغير عذر فقد أثمت بذلك وعليك الفدية المذكورة مع التوبة.
والله أعلم.