عنوان الفتوى : أحوال الانتفاع بالمال الحرام
بعد وفاة والدي تقاسم الأهل التركة وأخذ كل واحد نصيبه وتركوا لي ولإخوتي نصيبنا من التركة تحت إشراف أمي، ونظرا لأن أمي سيدة وحيدة ضعيفة ليس لديها أي خبرة في التجارة تربص بعض الناس بهذه الأموال لذلك تم إبلاغ المجلس الحسبى (جهة حكومية تحتفظ للقصر بنصيبهم من التركة حتى يبلغوا سن الرشد) وقام المجلس الحسبي بوضع أموالنا فى البنك الذي يتعامل معه على هيئة نوعين من الشهادات: النوع الأول شهادات استثمار بفوائد شهرية لتكون بمثابة دخل شهري للأسرة، والنوع الثاني شهادات استثمار آجلة بمعنى أنك تضع 10 آلاف وتأخذهم 50 بعد مرور 5 سنين مثلا وذلك بشرط ألا تسحب المبلغ فى أثناء الفترة المحددة ولا تستطيع أمي ولا نستطيع أنا وإخوتى أن نأخذ أي مبلغ من النقود إلا بعد ما نبلغ سن الرشد. وبعد أن بلغت سن الرشد وبدأت ألتزم وأتعلم وعلمت عن خطورة الربا ذهبت للبنك وأوقفت كل الشهادات التي عندي وخسرت طبعا خسارة كبيرة لأني أوقفت الشهادات قبل الموعد المحدد ووضعت الأموال في حساب جاري وكانت تتضمن أصل المال بالإضافة إلى الفائدة حتى تاريخ السحب.والآن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الشرع الحنيف يفرق بين المختار وبين المكره أو المجبر، فقد قال الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ. {النحل: 106}.
وقال سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ. {الأنعام: 119}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وكذلك يفرق بين الجاهل بالحرمة والعالم بها، ولذلك لا يكاد يختلف أهل العلم في العذر بالجهل في مسائل الفروع. وراجع في ذلك الفتويين: 98203 ، 19084.
وإذا كان الأمر كذلك فلا حرج عليكم في ما أكلتم من هذه الفوائد الربوية جهلا أو اضطرارا، وإنما الحرج على من فعل ذلك وهو يعلم أنه من الربا المحرم، وكان له من المال ما يوفّي به ضروريات حياته.
قال الشيخ ابن ابن باز: إذا كان عن جهالة فله ما سلف وأمره إلى الله، قال الله جل وعلا: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ}. فإذا كان جاهلا فله ما سلف، أما إذا كان عالما ويتساهل فليتصدق بالكسب الحرام، إذا كان نصف أمواله أو ثلثها أو ربعها كسبا حراما يتصدق به على الفقراء والمساكين، أما إذا كان جاهلا لا يعلم ثم علم وتاب إلى الله فله ما سلف. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: إذا كان قد أخذه فإن كان جهلاً منه ولا يدري أنه حرام فإن توبته تجب ما قبلها وهو له, لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ. {البقرة:275}.
وأما إذا أخذه وهو يعلم أنه حرام لكنه كان ضعيفاً في الدين قليل البصيرة, فهنا يتصدق به, إن شاء في بناء المساجد، وإن شاء في قضاء الديون عمن عجز عن قضائها, وإن شاء في أقاربه المحتاجين؛ لأن كل هذا خير. اهـ.
وعلى هذا، فإن كان السائل الكريم قد أوقف التعامل بالربا بمجرد أن علم بحرمته، فلا شيء عليه، وأما إن كان هناك فوائد ربوية دخلت في حسابه بعد علمه بالحرمة فلابد من حسابها ولو بالاجتهاد، ثم التخلص منه دفعة واحدة إن أمكن ذلك، وإلا فليخرجه على دفعات بحسب استطاعته. ولا بأس إن شاء الله أن يكون ذلك في عمارة مسجد أو بناء مركز لتعليم القرآن أو إعانة المحتاجين، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 62361 ، 68761 ، 95007 ، 13325 ، 15282
أما بالنسبة لمسألة الزكاة، فإن أموال اليتامى والقصر كغيرها من الأموال يجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول. فإن لم يخرجها المجلس الحسبي ولا الوصي عليهم، وجب إخراج زكاتها لما مضى من السنين عند استلامها، فإنها ثابتة في الذمة ولا تسقط بالتقادم، علماً بأنها تجب في أصل المال دون ما ترتب عليه من فوائد ربوية، وراجع في ذلك الفتويين: 56046 ، 38200.
ثم ننبه السائل على أن إبقاء المال في هذا البنك الربوي ولو في حساب جار، لا يجوز؛ لما في ذلك من إعانة لهذه المؤسسة الربوية، إلا إن كنت مضطرا لذلك ولم يوجد بنك إسلامي، وراجع الفتوى رقم: 95007.
والله أعلم.