عنوان الفتوى : موقف المسلم من صديقه إذا أعلن تخليه عن الإسلام
عندي صديق حميم أحبه كثيرا. درس كثيرا وتطلع على كثير من العلوم ويمكنني القول أنه ذكي جدا ومثقف وقد سافر إلى كثير من الدول ويكتسب أصدقاء من شتى بقاع العالم. صديقي هذا من عائلة مسلمة سنية وهو على خلق.لكنني اكتشفت مؤخرا من خلال نقاشنا أنه لا يؤمن بالديانات كلها ويتهمها بنشر التفرقة والكراهية بين الناس والشعوب وأنها مليئة بالخرافات والتناقضات والقصص التي لا تدخل العقل. ولكنه أصر على أنه لا يزال يؤمن بالله، وأن إيمانه بالله هو الذي دفعه إلى نبذ الإسلام.حاولت أن اقنعه أن الإسلام هو دين الحق ولكنه سألني عددا من الأسئلة لم أستطع الإجابة عنها فاقترحت أن آخذه إلى داعية إسلامي مشهور بعلمه في مدينتنا.سأل صديقي الداعية نفس الأسئلة وبين له تناقضات في الحديث والقرءان ولكن الداعية لم يستطع أن يجيب عن معظمها بطريقة مقنعة وفي بعض الأحيان اكتفى بالقول أن "حكمة الله اقتضت ذلك وأنه لا يجوز الخوض في مثل هذه الأمور. فشمت صديقي من الداعية وقال له إن هذا نوع من الارهاب الفكري" فغضب الداعية واتهمه بالزندقة. سؤالي لكم يا شيخنا هو ما حكم علاقتي مع هذا الصديق علما أنه لا زال يؤمن بالله ولازال يلتزم بالأخلاق الإسلامية حتى أنه يقول لي إنه يعتبر نفسه "مسلما ثقافيا". أنا حقيقة أحبه كثيرا لأني أشهد له بفعل الخير وحب الناس ومساعدتهم بالإضافة إلى أنه انسان مرح وأستمتع برفقته والنقاش معه. فقد عرفته منذ طفولتي وسافرت معه كثيرا ولم أر منه إلا الخير هل أنا مذنب لأني لازلت أحبه بعد ما تبين لي أنه تخلى عن الإسلام؟ وهل صحيح أن الشرع يعتبر صديقي هذا مرتدا يستحق الإعدام؟؟ وإن مات على هذا الأمر، هل هو في النار؟ من فضلكم أفيدونا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر السائل ـ وفقه الله ـ عن صاحبه هذا أنه تخلى عن الإسلام، وأنه حاول أن يقنعه بالإسلام فلم يفلح، وهذه ردة والعياذ بالله، ومن كانت هذه صفته، واستفرغ الإنسان وسعه في نصيحته فلم يقبل، فإنه يجب هجره وبغضه في الله تعالى، ولا تجوز محبته ولا مصادقته؛ فإن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله.
روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب، قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي عرى الإسلام أوسط؟ قالوا: الصلاة. قال: حسنة وما هي بها، قالوا: الزكاة، قال: حسنة وما هي بها. قالوا: صيام رمضان. قال: حسن وما هو به. قالوا: الحج، قال: حسن وما هو به. قالوا: الجهاد. قال: حسن وما هو به، قال: إن أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله. وحسنه الألباني بطرقه. وهذه هي عقيدة الولاء والبراء، التي سبق لنا بيان المقصود بها في الفتوى رقم: 32852 .
وليعلم الأخ السائل أن مصاحبة أمثال هذا الرجل المعجب برأيه، الذي خلع ربقة الإسلام من عنقه، لا تفيده بل لا تزيده إلا خبالا.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة" متفق عليه.
وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان مدنياً بطبعه، يميل لمخالطة الناس ومجالستهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فالطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
ثم إننا ننبه السائل على التناقض الظاهر بين دعوى الإيمان بالله وبين رفض الإسلام، فإن الإسلام إنما هو دين الله وشريعته التي أمر بها عباده وأخبر أنه لا يقبل سواها، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19}وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85}
ومن العجيب أن يدعي المرء أنه يؤمن بالله، مع كونه لا يؤمن بالديانات كلها، ويتهمها بنشر التفرقة والكراهية بين الناس والشعوب، وأنها مليئة بالخرافات والتناقضات، والأنكى من ذلك دعواه أن إيمانه بالله هو الذي دفعه إلى نبذ الإسلام وبعض هذا كاف للحكم بردة صاحبه، ناهيك عن اجتماعه، والعياذ بالله.
وأما ما ذكره السائل من حسن خلق صاحبه هذا وفعله للخيرات، فإن هذا إنما ينتفع به المسلم، وأما من رفض الإسلام وتمرد على دين الله، فهذا لا ينفعه عند الله في أخراه شيء من عمله، كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:23}
وقال عز وجل: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا* ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا {الكهف:103-106}
وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. وراجع في ذلك الفتويين: 56735 ، 114257.
وقد سبق أن ذكرنا بعض مخاطر مصادقة الملحد، في الفتوى رقم: 20995. وماذا يفعل من بلي بالإلحاد، في الفتوى رقم: 74352. والحد الشرعي للردة، وبعض أحكام التعامل مع المرتد، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 33562 ، 17338 ، 15238 .
والله أعلم.