عنوان الفتوى : هل يثاب الكفار إذا عملوا أعمالا صالحة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كنت أود لو أخبرتموني عن أهل الكتاب وغيرهم من المشركين الذين يعملون الصالحات في الدنيا من إطعام للمسكين ورفق بالناس وعدم الإفساد في الأرض كما يفعل غيرهم من بني دينهم وهل فعلهم هذا يجزون به فقط في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم فقد يكون منهم من ظلم من قبل البشر وحتى سفك دمه أو أبيح عرضه وهدمت ديارهم فوق رؤوسهم؟ فأرجوكم يا إخواني اخبروني إن كان عندكم علم كيف يقضي الله بين العباد في مثل تيكم الحالات؟ ولا أسأل إلا لمجرد دفع الوساوس ومحاولة الوصول إلى الإعتقاد الصحيح.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد دل الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم على أن ما عمله الكافرون من خير لا يثابون عليه في الآخرة ما داموا قد ماتوا على الكفر، قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الزمر:65}، وقال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:217}، وقال تعالى: وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {المائدة:5}.

والآيات في هذا المعنى كثيرة وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.

فالإسلام شرط لقبول العمل الصالح والإثابة عليه في الدار الآخرة، قال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ {التوبة:54}، كما أن الإسلام شرط لدخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة. متفق عليه عن أبي هريرة.

فأعمال الخير التي يقوم بها الكفار يجازون بها في الدنيا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته. رواه مسلم عن أنس.

أما كون بعض الكافرين معذباً في الدنيا ومشرداً، فقد يكون لشدة كفرهم وضلالهم فينتقم الله منهم مع ما يدخره لهم في الآخرة من عذابه، كما فعل بقوم نوح وقوم فرعون، وقد يكون رحمة من الله لعلهم يتوبون ويعودون، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {الأنعام:42-43}.

وقد يكون لحكمة يعلمها الله فهو سبحانه يفعل ما يشاء، لا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل، ولا يظلم ربك أحداً، أما يوم القيامة فيحشرون إلى جهنم ظالمهم ومظلومهم، كما روى البخاري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .... إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: تتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أو غبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: من تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله، فقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فما تبغون، فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا، فيشار ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنهم سراب يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم.... فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأول. رواه البخاري ومسلم.

أما كون الله يقتص للكافرين ممن ظلمهم فلم نجد من العلماء من نص عليه مع كثرة البحث عن ذلك، وننبه الأخ السائل إلى الحذر من الخوض في القدر، فإنه ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، فهو سر من أسرار الله تعالى، ولمزيد فائدة راجع الفتاوى التالية: 53952، 53111، 54045، 53994.

والله أعلم.