عنوان الفتوى : حكم فسخ الخطبة استجابة لرغبة الأهل
هذا سؤال من أخي وقد خطب فتاه بموافقة الأهل وعلمهم حيث إنه مقيم بالخارج وكذلك الفتاة، وبعد شهور رجعت الفتاة لزيارة ذويها وأقاربها وذهبت أسرتي إليها لرؤيتها، مع أنهم تعرفوا عليها من خلال الصور وكان موقفهم إيجابيا ولكن بعد الزيارة لم تعجبهم الفتاة ولا الأسرة بحجة أن الفتاة غير جميلة وأسرتها ليست من مستوى أسرتنا، وبدأت الضغوط على أخي وبعد محاولات عديدة استجاب لطلبهم وفسخ الخطبة، مع العلم أنه كان منسجما مع الفتاة وأهلها وقد صلى صلاة الاستخارة قبل وأثناء الخطبة، وحاول في البداية الدفاع عنها وعن أهلها وأنه مرتاح معها ولكن استجاب لهم لاحقاً، ومرت الشهور الآن على فسخ الخطبة. وسؤال أخي الآن: هل عليه شيء لهذه الفتاة وأهلها؟ حيث إنه يخشى ويخاف أن يكون ظلمها وظلم أهله وبذات الوقت مازال في نفسه شئ اتجاه هذه الفتاة، وأنا أرى أن بنفسه ميولا لهذه الفتاة وحنينا. فماذا على أخي فعله وماذا علي أنا فعله لأخي وللفتاة أرشدونا يرحمكم الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس لهذه الفتاة حق على أخيك ما دام الأمر لم يتعد الخطبة التي هي مجرد وعد بالزواج, فقد نص أهل العلم على أن للرجل أن يفسخ خطبته للمرأة ولو بلا سبب مع الكراهة.
جاء في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك: قال الخرشي: ويكره للرجل ترك من ركنت إليه بعد خطبته لأنه من إخلاف الوعد. انتهى.
فإن كان هناك سبب فلا كراهة, ولا شك أن ترك أخيك لها كان بسبب معتبر وهو الاستجابة للأسرة وهذا مندوب إليه بل قد يكون واجبا إذا كان في الأسرة أحد الوالدين وأولى كلاهما مع إصرار هذين الوالدين أو أحدهما على منعه من الزواج بها.
مع التنبيه على أنه لا يجوز للوالدين - وأولى لغيرهما- أن يحولا بين ابنهما وبين الزواج بمن يريد إن لم يكن هنالك سبب شرعي داع إلى ذلك. لأن هذا حق للابن، قال سبحانه: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ. {النساء:3} فدلت هذه الآية على أن الرجل هو الذي يختار من تناسبه وتطيب له من النساء, ولا عبرة في مثل هذا بجمال المرأة أو عدمه، ولا عبرة أيضا بحال أسرتها من الناحية الاجتماعية. فكل هذه الأمور لا يقيم لها الشرع وزنا وإنما يتفاضل الناس عند ربهم بالتقوى والعمل الصالح. كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}. ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم . ويقول: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه . رواه مسلم .
أما دورك أنت في هذا الأمر فعليك أن تعلم الأسرة بأن ما فعلوه مع هذا الأخ لا يجوز، وأن الشرع قد كفل له حق اختيار زوجته، فلا يجوز لأحد أن يحجر عليه في هذا الحق ولا أن يشاركه فيه ما دامت الفتاة صاحبة دين وخلق، فإن استجابوا لك في ذلك وخلوا بينه وبين خطبتها فبها ونعمت، وإن أصروا على موقفهم فحينئذ ينظر: فإن كان هذا الاعتراض من غير الوالدين فلا يجب عليه طاعتهم وله أن يتزوجها ولو بغير رضاهم، وإن كان الاعتراض من الوالدين أو أحدهما فعلى أخيك أن ينصرف عن الزواج منها لأن طاعة الوالدين واجبة, إلا إذا خاف على نفسه أن يقع في معصية لله بسبب ميله لهذه الفتاة فيجوز له حينئذ أن يتزوجها ولو لم يوافق الوالدان، وعليه بعد ذلك أن يسترضيهما بكل سبيل, وراجع في ذلك الفتويين التاليتين: 105484, 114921 .
والله أعلم.