عنوان الفتوى : مسحت على جوربين مخرقين ثم صلت فهل تعيد صلاتها؟
يا شيخ: لقد سألت مفتيا مرة من المرات هل يجوز لي أن أتوضأ ولا أنزع الجوارب، بل أكتفي بالمسح عليها وذلك لصعوبة التوضؤ في الأماكن العامة، فأجابني بسؤال هو: ما نوعية الجوارب؟ فقلت عبارة عن قطعة خفيفة مخرمة أي فيها ثقوب صغيرة، فقال لا يجوز، وعليك إعادة كل الصلوات التي صليتيها بذلك الوضوء. لكن يا شيخ كيف لي أن أقدر عدد الصلوات فهي كثيرة ولا أعرف أيضاً كيف أقضيها وأي وقت، فماذا علي فعله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمسح على الجوربين مشروع على الراجح من قولي أهل العلم، بشرط أن يكونا ثخينين غير واصفين للون البشرة، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 101492. والراجح أن الخف والجورب يجوز المسح عليهما -وإن كانا مخرقين- ما دام يصدق عليهما اسم الخف أو الجورب، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وأطال الشنقيطي في تقريره والانتصار له، وانظر الفتوى رقم: 56456.
وأجاز بعض أهل العلم المسح على الجورب الرقيق وإن كان يصف لون البشرة، واختار الشيخ العثيمين هذا القول فقال رحمه الله: القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي تُرى من ورائه البشرة، لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساتراً، فإن الرِّجل ليست عورة يجب سترها، وإنما المقصود الرخصة على المُكلَّف والتسهيل عليه، بحيث لا نُلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء، بل نقول: يكفيك أن تمسح عليه، هذه هي العلة التي من أجلها شُرع المسح على الخفين وهذه العلة -كما ترى- يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل. انتهى.
فإذا كان هذا الجورب مما يجوز المسح عليه وكنت قد لبسته على طهارة، فإن مسحك عليه صحيح وصلاتك التي صليتها بهذا الوضوء صحيحة لا تلزمك إعادتها، ولا يضر كون الخف مخرقا -على الراجح- وكذا كونه خفيفا إذا كان لا يصف لون البشرة، وكذا كونه خفيفا يصف لون البشرة على ما رجحه الشيخ العثيمين، ولا بأس من الأخذ بما رجحه الشيخ العثيمين في هذه المسألة وإن كان خلاف ما نرجحه كما في الفتوى المحال عليها فإن الأخذ بالقول المرجوح إذا كان مبنيا على اجتهاد أمر سوغه كثير من أهل العلم إذا كان بعد وقوع الفعل من جاهل بالحكم، كما بينا ذلك موضحا في الفتوى رقم: 125010.
ولعل هذا الشيخ لا يرى جواز المسح على الجوربين -أصلا- ومن ثم أفتى بما أفتى به، والذي نراه أنه لا يلزمك قضاء شيء من هذه الصلوات، لما بيناه لك، لكن عليك -فيما يستقبل- أن لا تمسحي على الجورب إلا أن يكون ثخينا خروجا من خلاف من منع المسح على الجورب الرقيق.
وننبه ههنا إلى أن العلماء اختلفوا فيمن ترك شرطا أو ركنا من شروط الصلاة وأركانها جاهلا بالحكم هل تلزمه الإعادة أو لا؟ على قولين، وانظر تفصيل المسألة في الفتوى رقم: 125226.
ثم إذا أردت الاحتياط وقضاء ما فاتك من صلوات على فرض كون الجوربين الممسوح عليهما مما لا يصح المسح عليه، فإنك تتحرى فتقضي من الصلوات ما يحصل لك به اليقين أو غلبة الظن ببراءة ذمتك، لأن هذا هو ما تقدر عليه، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وإنما يلزمك القضاء بما لا يضر ببدنك أو معاشك، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. {التغابن:16}.
والله أعلم.