عنوان الفتوى : كنايات الطلاق في مذاهب العلماء
طردني زوجي من البيت منذ سنتين وقال لا أريدك، وقالها أمام أعمامي. رفعت دعوى طلاق، وعندما سأله القاضي هل تريدها؟ قال: لا أريدها، ومنذ خمسة أشهر وهو ويتهرب عن حضور جلسات المحكمة خوفا من دفع حقوقي، قالوا لي إن هذا اللفظ وبوجود القاضي والشهود قد اعتبر طلاقا وهي مجرد إجراءات روتينية وحتى والدي سأل القاضي فقال له الأمر منتهي. وقد قرأت: النوع الثاني وهي ألفاظ الكناية ومنه لا أريدك زوجة، فلا يقع الطلاق بها عند الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلا مع وجود نية الطلاق، أو وجود قرينة كحال الغضب والخصومة، أو سؤال الزوجة للطلاق ، فيقع الطلاق حينئذ ولو لم ينوه . ما فهمته أنه قد حدث الطلاق وأنه يتوجب علي العدة لأن سؤال القاضي كان واضحا وجواب الزوج واضحا.قصتي معقدة لكنني تعبت وأريد حلا هل وقع الطلاق وأنا مطلقة أم لا؟ أنا إنسانة ولي مشاعري واحتياجاتي وأخاف أن أقع في الحرام، وقد تقدم شاب لأبي منذ أيام يطلبني للزواج ولكن أبي تردد في القبول خوفا من أن يغير القاضي كلامه.سؤالي بوضوح أنا مطلقة أم لا؟ هو لا يريدني وقالها بوضوح عندما سأله القاضي، ومنذ خمسة شهور لم يحضر الجلستين المقررتين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كربك وأن يجعل لك من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا.
وإن كان الأمر كما قلت فقد أثم زوجك بطردك من بيته وإبقائك معلقة بحيث لم يطلقك ولم يؤد حقوقك الواجبة عليه. وبخصوص قوله: لا أريدك. فهي كناية طلاق تدل على الفرقة فيقع بها الطلاق مع النية. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 78889.
وإذا كان زوجك قد تلفظ بهذه العبارة مرتين في حالين مختلفين كما ذكرت، فإن لم يكن نوى طلاقا فلا شيء عليه. وإن كان نواه في الحالتين وقعت طلقتان، وإن كان نواه في حالة واحدة فقط لزمته طلقة واحدة، وإن كان نطق بتلك العبارة بعد سؤال الطلاق أو غضب أو خصومة وقع الطلاق ولو لم ينوه عند الحنابلة خلافا لغيرهم . ففي الروض المربع ممزوجا بزاد المستقنع الحنبلي: ولا يقع بكناية -ولو كانت- ظاهرة طلاق إلا بنية مقارنة للفظ- لأنه موضوع لما يشابهه ويجانسه فيتعين ذلك لإرادته له، فإن لم ينو لم يقع إلا حال خصومة أو حال غضب أو حال جواب سؤالها فيقع الطلاق في هذه الأحوال بالكناية ولو لم ينوه للقرينة فلو لم يرده في هذه الأحوال أو أراد غيره في هذه الأحوال لم يقبل منه حكما لأنه خلاف الظاهر من دلالة الحال ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. انتهى.
وفى أسنى المطالب ممزوجا بروض الطالب وهو شافعي: ( لا يلحق الكناية بالصريح سؤال المرأة ) الطلاق ( ولا قرينة ) من غضب ونحوه لأنه قد يقصد خلاف ما تشعر به القرينة واللفظ في نفسه محتمل. انتهى.
أما الحنفية فلا يقع عندهم الطلاق بعبارة لا أريدك وما في معناها ولو مع نية الطلاق.
ففي البحر الرائق شرح كنز الدقائق وهو حنفي: وقيد المصنف بهذه الألفاظ للاحتراز عما إذا قال: لا حاجة لي فيك، أو لا أريد، أو لا أحبك، أو لا أشتهيك، أو لا رغبة لي فيك. فإنه لا يقع , وإن نوى في قول أبي حنيفة. وقال ابن أبي ليلى: يقع في قوله لا حاجة لي فيك إذا نوى. انتهى.
فتبين مما سبق أن المسألة مختلف فيها بين أهل العلم، وإذا كانت المحكمة التي تم الترافع إليها شرعية فقد وصل الأمر إليها ـ كما ذكرت ـ فالصواب ألا تحركي شيئا قبل نطق القاضي بالحكم، فإن حكم القاضي يرفع الخلاف ويصير المختلف فيه كالمتفق عليه.
وإذا كانت تلك المحكمة غير شرعية فلا يجوز التحاكم إليها أصلا وحكمها باطل لا تأثير له شرعا. وبالتالي فحكم المسألة مختلف فيه كما بينا ـ وعلى تقدير أن اللفظ كناية فإن الطلاق لا يقع إلا مع النية، والنية لا يمكن معرفتها إلا من صاحبها فهو الذي يمكن أن يحدد ما نواه بتلك الكلمة.
ولكنك إن كنت متضررة بالحالة التي وضعك الزوج فيها فلك الحق في رفع الضرر عنك، بأن يمسكك أو يسرحك، وفي هذه الحالة فلك رفع الأمر إلى بعض المراكز الإسلامية ـ إن وجدت ـ في البلد الذي تقيمين فيه.
والله أعلم.