مدة قراءة الإجابة :
4 دقائق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نهى الشرع عن الصلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان أخرجه مسلم، وعلة ذلك ما يحصل للمصلي من الاشتغال عن أداء الصلاة على وجهها، ومن ثم ألحق العلماء بهذا كل مشغل وجدت فيه نفس العلة، كتوقان النفس إلى الجماع، وجعلوه عذرا في ترك الجماعة وحكموا بكراهة الصلاة مع وجود ذلك العذر ما دام يمكنه أن يصلي في الوقت، جاء في حاشية الروض المربع لابن قاسم النجدي ـ رحمه الله: وكذا إذا كان تائقا إلى شراب أو جماع، فيبدأ بما تاق إليه ولو فاتته الجماعة.
وفي صحيح البخاري وغيره: إذا قدم العشاء فابدءوا بالعشاء قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم.
ولهما: إذا وضع العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا به، فيكره ابتداؤها وهو تائق إلى طعام اتفاقا، قال ابن القيم: عشر يؤذي انحباسها ومدافعتها: الدم إذا هاج، والمني إذا اجتمع، والبول والغائط والريح والقيء والعطاس والنوم والجوع والعطش، وكل واحد يوجب حبسه داء من الأدواء بحسبه. انتهى.
ولكن هل مدافعة الأخبثين ونحوهما والتوقان إلى الطعام ونحوه يعد عذرا في إخراج الصلاة عن وقتها؟ في هذا خلاف بين العلماء، وأكثرهم على المنع وأنه يلزمه مجاهدة نفسه وأداء الصلاة في وقتها، وذهب بعضهم إلى جواز ذلك مراعاة لتحصيل الخشوع الذي هو مقصود الصلاة الأعظم، قال النووي ـ رحمه الله: قال أصحابنا فينبغي أن يزيل هذا العارض ثم يشرع في الصلاة، فلو خاف فوت الوقت فوجهان: الصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب أنه يصلى مع العارض محافظة علي حرمة الوقت، والثاني حكاه المتولي أنه يزيل العارض فيتوضأ ويأكل وإن خرج الوقت ثم يقضيها، لظاهر هذا الحديث ولأن المراد من الصلاة الخشوع فينبغي أن يحافظ عليه انتهى.
وممّن نصر القول بأنه يزيل العارض ولو خرج وقت الصلاة العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ فقد قال في الشرح الممتع: فللعلماء في هذه المسألة قولان: القول الأول: أنه يُصلِّي ولو مع مُدافعة الأخبثين حفاظاً على الوقت وهذا رأي الجُمهور.
القول الثاني: يقضي حاجته ويُصلِّي ولو خرج الوقت، وهذا القول أقرب إلى قواعد الشريعة، لأن هذا بلا شَكٍّ من اليُسر، والإنسان إذا كان يُدافع الأخبثين يَخشى على نفسِه الضَّرر مع انشغاله عن الصَّلاة. انتهى.
وبما تقدم تعلم أن هذا الرجل وتلك المرأة إن كانا قد غلبتهما الشهوة بحيث لا يستطيعان تحصيل الخشوع في الصلاة، فقد أجاز لهما بعض العلماء إخراج الصلاة عن وقتها لهذا العذر، وإن كان الجمهور على خلاف ذلك.
والذي نراه لهما هو الحرص على ترك ذلك فيما يستقبل خروجا من خلاف العلماء وأن يؤديا الصلوات في أوقاتها حفاظا على حرمة الوقت، وأما إن كانا متلاعبين فقد تعديا حدود الله والواجب عليهما التوبة النصوح إلى الله ـ عز وجل ـ وعليهما قضاء تلك الصلوات على كل حال.
والله أعلم.