عنوان الفتوى : حكم أكل الكابوريا

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

يوجد في الأسواق كائن حي يسمى كابوريا، وهو من صيد البحر إلا أنه كما أعرف عنه يصاد في البر، والذي يبدو أن أغلب عيشه في البر، فما حكم أكل مثل هذه الحيوانات؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

يختلف حكم أكل هذا الكائن الحي ـ الكابوريا ـ بناء على نوعه، فما كان منه بحريا خالصا فهو حلال، وما كان منه بريا بحريا ولم يكن له دم سائل يُنهر بالذبح فهو مثل البحري الخالص في الحل. وما كان ساما فهو حرام، وإن كان له دم يُنهر بالذبح فيلحق بالبري، فلا يحل إلا بعد ذبحه.
يقول الدكتور سعد بن مطر العتيبي ـ عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء:
الأصل في الحيوانات البحرية الإباحة ؛ ومما يدل لذلك :
1) قول الله _عز وجل_ : ” أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ” (المائدة96) قال أهل العلم: صيد البحر أي مَصيده الذي صِيد منه حياً طرياً، وطعامه ما لفظه البحر وقذفه ميتاً ، من الحيتان ونحوها، قال ابن جرير: طعامه : ما مات فيه . والآية عامَّة في صيد البحر كلِّه ، وطعامه كلِّه.
2) قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ في البحر : ” هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته ” رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن عبد البرّ -رحمهم الله – وغيرهم . وهو عام في كل ميتة من الحيوانات البحرية.
ولكن نصّ جمع من الفقهاء _رحمهم الله_ على استثناء بعض الحيوانات البحرية، من أصل الإباحة؛ واستندوا في ذلك إلى أدلة شرعية أخرى تدلََّ على الاستثناء، على خلاف في تفاصيل ذلك ؛ فاستثنوا الضفدع ؛ لورود النص في النهي عن قتله، وأنَّ القاعدة في ذلك أنَّ ما نهي عن قتله لا يجوز أكله، واستثنوا التمساح؛ لأنّه ذو ناب يفترس به ، وقد ورد النص في تحريم كل ذي ناب من السباع .
ومما استثناه العلماء :كلَّ ما فيه ضرر ؛ استناداً إلى قاعدة الشريعة في منع الضرر وحرمة الإلقاء بالنفس إلى التهلكة؛ فأكل الحيوانات الضارة التي ثبت ضررها ، حرام ولو لم يرد نص في تحريمها ؛ لعموم الأدلة الواردة في منع الضرر، من مثل قول الله _عز وجل_ : ” وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ “(البقرة195)؛ و قول النبي _صلى الله عليه و سلم_ : ” لا ضرر و لا ضرار ” رواه أحمد وابن ماجه والدار قطني وغيرهم، وهو حديث ثابت محتج به .
واختلف في الحيوان الذي يعيش في البرّ والبحر ( البرمائي )، فمن العلماء من أجازه، ومنهم من منعه قياساً على الضفدع الذي ورد النهي عن قتله.

والصواب – والله تعالى أعلم – القول بجواز أكْل كُلِّ حيوان نافع، لا ضرر منه، ولم يرد في منعه دليل شرعي، و كان أكله لا يتعارض مع قاعدة شرعية، وإن عافه بعض الناّس؛ لأنَّ الأصل في المنافع الإباحة ؛ لعموم الأدلة الواردة في تأصيل هذه القاعدة، من مثل قول الله _عز وجل_ : “قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “(الأنعام145) ، وقوله _سبحانه_ :”هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً “(البقرة29) ، وذلك في معرض الامتنان، ولا يمتن إلا بالمباح، وقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : “إنَّ أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيءٍ لم يحرم على المسلمين فحُرِّم عليهم من أجل مسألته” متفق عليه، فدلَّ على أن الأصل هو الحل، وقوله _صلى الله عليه وسلم_ : ” ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته، فإنَّ الله لم يكن لينسى شيئاً” وتلا : ” وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً” (مريم64) رواه البزار والحاكم والدار قطني و البيهقي وغيرهم، وصححه إسناده غير واحد من أهل العلم.

ولكن اختلف الفقهاء في الحيوان الذي يتردد بين البرِّ والبحر ويعيش فيهما، ولا يوجد ما يدل على تحريمه: هل له حكم حيوان البحر، فيباح أكله دون ذكاة ؟ أو أنه يأخذ حكم الحيوان البري فيباح ولكن بعد ذبحه ؟
فمن الفقهاء من قال: إن كان أكثر عيشه في البحر فهو من صيد البحر، وإن كان أكثر عيشه في البر فهو من صيد البرّ .
ومنهم من قال: إن كان يبيض، ويفرِّخ في الماء ويتوالد فيه فهو صيد بحر، وميتته حلال، وإن كان توالده في البرّ فهو صيد برّ ميتته حرام، فلا يجوز أكله إلا بعد ذبحه ؛ لأنَّ التوالد أصل، والكينونة أمر عارض ؛ فيكون من حيوان البحر وصيده، لأنَّ أصل خلقته وتكاثره في البحر.

وقال ابن قدامة – رحمه الله – :

” كل ما يعيش في البرّ من دوابِّ البحر ، لا يحلّ بغير ذكاة ، كطير الماء ، والسلحفاة ، وكلب الماء ، إلا ما لا دم فيه ، كالسَّرطان ، فإنَّه يباح بغير ذكاة. قال أحمد : السَّرطان لا بأس به، قيل له: يُذبح ؟ قال : لا . وذلك لأنَّ مقصود الذَّبح إنَّما هو إخراج الدّم منه، وتطييب اللحم بإزالته عنه، فما لا دم فيه، لا حاجة إلى ذبحه. وأمَّا سائر ما ذكرنا ، فلا يحِلّ إلا أن يُذبح . قال أحمد : كلب الماء يذبحه، ولا أرى بأساً بالسلحفاة إذا ذُبح.

وقال قوم: يحلّ من غير ذكاة؛ لقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : “هو الطهور ماؤه الحِلّ ميتته”، ولأنَّه من حيوان البحر، فأبيح بغير ذكاة … ولنا أنَّه حيوان يعيش في البرّ ، له نفس سائلة، فلم يُبح بغير ذبح، كالطير، ولا خلاف في الطير فيما عَلِمنِاه؛ والأخبار محمولة على ما لا يعيش إلا في البحر، كالسمك وشبه؛ لأنَّه لا يُتَمكَّن من تذكيته؛ لأنَّه لا يُذبح إلا بعد إخراجه من الماء، وإذا خرج مات “.

والكابوريا ، هو ما يطلق عليه النّاس ( القبقب ) و أظن بعضهم يطلق عليه ( أبو مقص )، وله أنواع عديدة تعد بالمئات، ومعظم أنواعه بحري المعيشة؛ ومن أنواعه ما يعيش في المياه العذبة بالأنهار والمستنقعات؛ وقليل منها يعيش في البر على اليابسة قريبا من المياه، و يتسلق الأشجار ويهاجر في جماعات إلى مصادر المياه القريبة أثناء موسم التزاوج.

وعلى هذا فيختلف حكمه باختلاف نوعه: فما كان من أنواعه بحريا خالصاً، فهو من صيد البحر، وميتته حلال؛ وما كان بحرياً برياً، ولم يكن له دم سائل يُنهر بالذبح، فحكمه حكم صيد البحر، ميتته حلال، وهذا غالب حاله والله تعالى أعلم؛ ولذلك يصنف في الحيوانات القشرية.

و إن وجد من أنواعه ما له دم يُنهر بالذبح فيلحق بالبري، فلا يحل إلا بعد ذبحه؛ تغليباً لجانب المنع والحرمة.

وأمَّا ما كان ضارّاً – كبعض أنواعه السامَّة – فهو محرم؛ لضرره، كما تحرم أنواع الأسماك السامّة الضارّة.


[نقلا عن موقع المسلم]