عنوان الفتوى : لحم الخنزير

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لماذا حُرِّمَ لحم الخنزير؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

إنَّ لحم الخنزير حُرِّم في الإسلام بنصِّ القرآن، وهو قول الله تعالى في (سورة البقرة: 173) (إنما حَرَّمَ عليكمُ الميْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الخِنزيرِ). ولا يُباح بحال من الأحوال لمسلم أن يَتناوَل منه شيئًا بأيِّ شكل كان، مطبوخًا أو غير مطبوخ، إلا في حالة الضرورات التي يَتوقَّف فيها صِيانة حياة الشخص على تَناوُله، كما لو كان في مَفازة، ولا يَجِد طعامًا سواه؛ وَفقًا لقاعدة أنَّ “الضرورات تُبيحُ المحظورات” ، وهي القاعدة التي جاءت فيها الشريعة الإسلامية بفتح باب الحلول الاسثتنائية المؤقتة لظروف استثنائية عارضة، نظرًا لأن الشريعة الإسلامية شريعة واقعية، تُقرِّر لكل حالة في الحياة ما تَستلزِمه وتَستدعِيه من حلول وتدابير.
فإلى جانب المبادئ الثابتة والأحكام الأصليَّة العامة في الحياة العادية فَتَحَت الشريعة باب الحلول والتدابير الاستثنائية الموقوتة للحالات غير العادية، وهي الظروف الاستثنائية المعبَّر عنها بقاعدة (الضرورات) ،وهي المقرَّر في القرآن العظيم بقوله في الآية السابقة التي جاءت بتحريم المَيْتة والخِنزير: (فَمَن اضْطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه) (سورة البقرة: 173).
ويقول الله سبحانه في موطن آخر بعد ذلك تلك المحرمات: (إلا ما اضْطُرِرْتم) (الأنعام: 119).
ولم يَرِد في النصوص الشرعية تعليل خاص لتحريم لحم الخنزير ـ كما ورد في تحريم الخمر والميسر مثلاً ـ ولكنَّ التعليل العام الذي وَرد في تحريم المحرَّمات من المآكِل والمشارِب ونحوهما يُرْشد ِإلى حكمة التحريم في الخنزير، وذلك التعليل العام هو قول الله تعالى: (ويُحِلُّ لهمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عليهمُ الخبائثَ) (الأعراف: 157) فهذا يَشمل بعمومه تعليل تحريم لحم الخنزير، ويُفيد أنه معدود في نظر الشريعة الإسلامية من جملة الخبائث.
والخبائث في هذا المقام يُراد بها ما فيه فساد لحياة الإنسان في صحته أو في ماله أو في أخلاقه، فكل ما تكون مَغََّبته وعواقبه وَخِيمة من أحد النواحي الهامة في حياة الإنسان، دَخل في عموم الخبائث.
وقد أَثْبَتَت الاكتشافات الطبيَّة في هذا العصر الحديث الذي اكْتُشِفتْ فيه عوامل الأمراض وخفايا الجراثيم الضارة أن الخنزير يَتَوَلَّد من لحمه في جسم الإنسان الذي يَأكله دودة خطرة، تُوجد بذرتها في لحم الخنزير، وتَنشُب لا في أمعاء الإنسان بصورة قابلة للطرح بالعلاجات الطاردة لديدان الأمعاء، بل تنشب تلك الدودة الخِنزيريَّة ضمن عضلات الإنسان بصورة عَجَز الطب إلى اليوم عن تخليص الإنسان منها بعد إصابته، وهي خطرة على حياته، وتسمى “تريشين” (trichine)، ومن هنا ظهرت حكمة تحريم لحم الخنزير في الإسلام.
وقد جاء في موسوعة لاروس الفرنسية: إن هذه الدودة الخبيثة (التريشين) تَنتقل إلى الإنسان، وتَتجه إلى القلب، ثم تتَوضَّع في العضلات، وخاصة في الصدر والجنب والحنجرة والعين، والحجاب الحاجز، وتَبقَى أَجنَّتها محتفظة بحيويتها في الجسم سنين عديدة.
ولا يُمكِن الوقوف عند هذا الاكتشاف في التعليل، بل يُمكِن للعلم الذي اكْتَشف في الخنزير هذه الآفة أن يَكتشِف فيه في المستقبل آفات أخرى، لم تُعرف بعد.
ومن ثَمَّ لا يُقبَل في نظر الإسلام من يَزعُم أن تربية الخنزير الأهلية في العصر الحاضر بالطرق الفنية المراقبة في مرعاه، وفي مبيته، ومأواه، كفيلة بالقضاء على جُرثومة هذه الآفة فيه، لما بيَّنّا أن نصَّ الشريعة في التحريم مُطلقَ وغير مُعَلَّل، ومن الممكن أن تكون هناك مضارُّ أخرى للحم الخنزير لم تُعرف بعد، كما كانت آفة التريشين نفسها مجهولة قبل اكتشافها في العصر الحديث.
على أنه يَجب أن يلُحَظ أنه إذا أَمكَنت العناية في تربية الخنزير بصورة فنية مُزيلة لهذه الآفة فيه في وقت أو مكان، أو أمكنة كثيرة من مراكز الحضارة وعواصمها في العالم، فإن ذلك غير ممكن في جميع آفاق الأرض، في جميع الأزمنة، ولا تَتيسَّر وسائله لكل البشر، كما أن هذه العناية الصحية بتربيته في المراكز الحضارية ليست كفيلة مائة في المائة للقضاء على هذه الآفَة، ولا يَتقيَّد الناس بها مائة في المائة، فما يمُكِن من العناية في عاصمة غنية بالوسائل الفنية كنيويورك وباريس مثلاً، لا يُمكِن بَذْله في الضواحي والقرى ولا سيما النائية بين الفلاحين ونحوهم.
وحكم الشريعة يَجِب أن يكون صالحًا واقيًا لجميع الناس في جميع الأماكن، ولذلك وَجَب أن يكون التحريم عامًّا شاملاً.
على أن الشخص المسلم المؤمن لا يجوز له رفض حكم الشريعة إذا لم تَظهر له حكمته؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يَتخذ كل إنسان من عقله وعلمه القاصَرَين مقياسًا متفاوتًا عن مقياس غيره في قَبول أحكام الشريعة ورفْضها.
بل عليه قَبول الحكم الشرعي في التحليل والتحريم متى ثَبت وجود النص فيه، سواء أفَهِمَ الحِكمة في ذلك أو لم يَفهمها؛ لأن كثيرًا من حكمة الأحكام ظلت من أول عهد الشريعة إلى هذا العصر مجهولة حتى اكتَشَفَتْها الوسائل العلمية الحديثة، وذلك نظير المكلَّف تجاه القوانين الوضعية النافذة عليه، فإن على كل شخص طاعة القانون، سواء أكان مقتنعًا بحكمته أو غير مقتنع بعد أن يَصدُر القانون عن مصدره التشريعيِّ؛ لأن المفروض أنَّ السلطات التشريعية التي تصدر القانون قد درست ما يُحِيط بالموضوع من كل النواحي المتعلقة بالفرد، والجماعة، والحاضر، والمستقبل، والنواحي المالية والخلقية والاجتماعية دراسة ببصيرة، ووسائل أوسع من بصيرة الفرد المكلَّف الذي يَقِيس الأمور عادة بمقياس مصلحته، وأهوائه، ورغائبه فقط.