عنوان الفتوى : عاجزة عن أداء ما اختلسته، وعاجزة عن استحلال أصحاب الحقوق

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا امرأة سرقت من عملي وأخذت أغراضا منه، ومالا أيضا أكثر مرة، آلاف ومبالغ كبيرة جدا لا أستطيع ردها ولا رد جزء بسيط منها، وسرقت من أكثر من مكان كنت أعمل به. أما الآن فقد تبت توبة نصوحا ورجعت إلى الله، وليس كلاما للتبرير، فأعرف أني أخطأت، وأنها كبيرة، ولا بد من التكفير عنها، ولكن هل يمكن أن يسامحني الله في حالة أني لم أستطع رد المال، ولا الاعتراف بالسرقة لأصحابها، فأنا متزوجة من رجل صالح يتقى الله، ولكنه يعرف من أخذت منهم المال، وإذا عرف أني سرقت سوف يطلقي، وأرجع أعمل مرة ثانية، ولقد أكرمني الله بهذا الرجل الصالح الذي انتشلني من العمل الذي أغواني إلى السرقة، مع العلم أن المال الذي سرقته صرفته في الحياة اليومية والباقي أحضرت به أغراض عرسي وهي موجودة الآن في بيت أهلي، ولكن لا استطيع بيعها فلا يحتكم زوجي ولا أنا على أي مال للتعويض، وأنا الآن لا أعمل كي أرد هذا المال، فقد ستر الله على سرقاتي، ماذا أفعل؟ وأيضا أصحاب المال في بلاد أخرى بيني وبينهم أيام حتى أذهب إليهم، وليس عندي رقم تليفون، ولا أستطيع السفر بدون علم زوجي. أرجو الرد هل تقفل التوبة في وجهي لأني لا أستطيع رد المال ولا المصارحة لحماية بيتي، أم ربي ممكن يغفر لي أرجو الرد على سؤالي. جزاك الله كل الخير وتقبل منكم صالح الأعمال.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فباب التوبة مفتوح بفضل الله تعالى لكل إنسان مهما بلغت ذنوبه، ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو يعاين الموت ويتيقنه. ولا يمكن أن يحول بين التائب وبين التوبة حائل مقبول شرعا ولا عقلا، فإن الله يغفر الذنوب جميعا، ولا يكلف نفسا إلا وسعها، فمَن حقَّق شروط التوبة في ما بينه وبين الله من حقوق، من الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فرط منه، والعزم على عدم العودة، وحقق ما يستطيعه من شرط التوبة من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآدميين، وهو أداؤها أو الاستحلال منها، قبلت توبته، وبرئت ذمته، بفضل الله تعالى. فإن مات قبل أدائها وكان صادقا في نية ردها لأصحابها ـ أدى الله عنه كالمدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه. رواه البخاري.

ومعلوم أن حال السارق أهون بكثير من حال القاتل، فليس إتلاف الأموال كإزهاق النفوس، وإن كان كلاهما من حقوق الآدميين، ولكن قد قال صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس بالدماء. متفق عليه. فإن كانت التوبة من القتل مقبولة فتوبة السارق أولى بالقبول. وقد وعد الله تعالى من يقترف أكبر الكبائر كالشرك والقتل والزنا، بأن يبدل سيئاتهم حسنات، إن هم تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 68-71} وكذلك الحال في السرقة، فقد قال الله تعالى بعد ذكر السرقة وبيان حدها: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39} قال ابن كثير: أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله، فإن الله يتوب عليه فيما بينه وبينه، فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور. اهـ.

والتوبة من السرقة وإن كان لا بد فيها من رد الحقوق لأصحابها، لكن ليس معنى ذلك أن العاجز عن الأداء ليس له توبة، بل يبقى ذلك في حكم الدَّين في ذمته يؤديه بقدر طاقته أو يستحل أصحابه منه، وطالما أن السائلة عاجرة عن الأداء الآن، وعاجرة أيضا عن استحلال أصحاب الحقوق، فلم يبق عليها بعد الصدق في توبتها إلا أن تعزم عزما أكيدا إن يسر الله لها سبيلا في المستقبل لترد على أصحاب الحقوق حقوقهم فإنها لن تقصر في ذلك، مع كثرة الدعاء والاستغفار لنفسها ولذوي الحقوق عليها.

ونوصي الأخت السائلة أن تحسن الظن بالله، وتصدق في التوكل عليه، فلعل الله تعالى أن يرضي عنها خصومها بصدقها في توبتها، فأتبعي السيئات بالحسنات لتمحوها، واجتهدي في طاعة الله تعالى، وأري الله من نفسك خيرا. ونسأل الله تعالى أن يتم عليك توبتك، وأن يهديك لأرشد أمرك.

والله أعلم.