عنوان الفتوى : لا يؤاخذ المرء إذا دفع الوسوسة ولم يعمل بها
أسألكم بالله الذي يقرأ سؤالي سرعة الإجابة والله ما عندي أحد أسأله ومحتاج الرد بسرعة: في يوم من الأيام غضبت وعصبت، لا أريد أن أتجرا على الله لكن يا رب اغفر لي أريد فتوى واعذروني مشايخي الكرام المهم أني وأنا معصب رفعت يدي للأعلى ومشيرا بها إلى الأعلى كمن يشير إلى شخص بيده، ووسواس الشيطان الذي دار في نفسي وأنا رافع يدي-لعن وسب الله لكي تظهر لأهل بيتك كم أنت غضبان- وصغر لي هذا الذنب وأنا رافع يدي إلى الأعلى لكن كنت أحبسه كمن يمسك خرطوم قذارة ويمنعها من الخروج وكان اللعن -والعياذ بالله -على رأس لساني لكن رحمة ربي وسعت كل شيء، أسناني اصطكت ببعضها ولم أخرج أي قذارة الحمد لله هدأت، وزوجتي هدأتني ولم أنطق بأي كلمة رغم وساوس الشيطان والغضب. هذه الحادثة منذ سنة قرأت حديثا عن الارتداد، ومن جملة ما قرأت للشيخ ابن عثيمين أن من سب الله بقول أو إشارة فقد كفر والعياذ بالله، سؤالي هو: هل ما جرى معي يكفرني بسبب رفع يدي إلى الأعلى أم أن هذا لا أكفر به وأأثم؟ شيخي أنا معي وسواس أريد جوابا واضحا بنعم أو لا، فهل أنا كفرت لرفع يدي بتلك الحالة أم لا؟ لا أريد إثما يزيد تسلط الشيطان علي. فهل الإشارة إلى الله يريد اللعن بفمه، ولكن لم يسب. هل تلك الإشارة بتلك الحالة يكفر صاحبها؟ أدع لي أن يشفيني ربي من الوسواس. جزاكم الله خيرا. جواب واضح لو سمحت كفرت أم لا أنا وقت رفع يدي كنت مشغول بوسواس الشيطان ومدافعته؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك من وسوسة الصدر وشر الشيطان وشركه، ثم إنك -أيها السائل الكريم- لم تكفر -والحمد لله- بما ذكرته، بل في ما ذكرت دليل على صحة اعتقادك وتعظيمك لله تعالى، حيث ألقى الشيطان إليك وسوسته فدفعتها ولم تعمل بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي في الأذكار:
الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفراً أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. انتهى.
وكره العبد وخوفه ونفوره من مثل هذه الوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي:
معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك. انتهى.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 7950، 12300.
فليبشر السائل الكريم فإنه -إن شاء الله- من هذا النوع، لأنه حبس لسانه عن التلفظ بهذه الوساوس الشيطانية وسماها قذارة، وقد سبق لنا التنبيه على سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3086، 60628، 2081، 78372.
وأما كلام الشيخ ابن عثيمين وهو في الشرح الممتع ولفظه: من سب الله سواء بالقول أو بالإشارة وسواء كان جاداً أم هازلاً، بل سب الله هازلاً أعظم وأكبر، فإنه يكون كافراً. انتهى.
فهو حق ولكن مراده بالإشارة الإشارة التي هي في نفسها عيب لله تعالى وامتهان لمقام الربوبية، وأما إشارة السائل كأنه يخاطب ربه فليست هي في نفسها امتهان ولا عيب، فلو كنت -والعياذ بالله- تلفظت بما ألقاه الشيطان في صدرك لاختلف الأمر، ولكنك بفضل الله عليك كما قلت عن نفسك-وقت رفع يدي كنت مشغولاً بوسواس الشيطان ومدافعته- فاحمد الله تعالى الذي عصمك ونجاك، وأقبل عليه بطاعته وذكره وشكره وحسن عبادته، واحذر أن يوقعك الغضب فيما لا تحمد عقباه، وقد سبق لنا بيان علاج الغضب وسبل التخلص منه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 65353، 8038، 58964.
وانظر للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 118361.
والله أعلم.