عنوان الفتوى : خالف الوكيل وترتب ضرر على موكله
سؤالى: أنا أعمل محاسبا بفرع من فروع إحدى الشركات، ويوجد مدير مسؤول عن ذلك الفرع، ويتلقى التعليمات من الإدارة الرئيسة للشركة، وكان يقوم ببيع البضائع لبعض التجار الذين لا يلتزمون بالسداد فطلبت منه الإدارة الرئيسية عدم البيع لهؤلاء التجار، ولكنه باع لهم بضائع من الباطن، وعند السداد كان يأخذ من تسديدات زبائن آخرين ويسدد لهؤلاء الزبائن المعسرين، وكان يقول لي أنا أتحمل المسؤولية كاملة، وللأسف فإن الحسابات عندي تظهر غير حقيقية، وعندما طلبت مني الإدارة الرئيسية كشوفات الحساب سلمتها إليهم كما هي، ولم أوضح لهم أن بعض هذه الحسابات غير حقيقية، لأن صاحبي هو من تحمل مسؤوليتها وخفت أن أبلغ الإدارة بذلك فيقومون بطرده من العمل، وبطردي أيضا حيث أنه تزوج ويعيش فى منزل أعطته إياه الشركة، وفى حالة طرده من العمل سيتم سحب المنزل والسيارة منه، وهذا ما دعاني للتعاطف معه وعدم فضح أمره على أنه وعدني بتسوية هذه الأمور وتحمل مسؤوليتها أمام الجميع، وعدم العودة لمثل هذا الأمر مستقبلا.. فهل أنا آثم فى ذلك، وهل علي وزر هل أعتبر خائنا للأمانة، وماذا علي أن أفعل فى مثل هذه الحالة أستر على صاحبي إلى أن يوفي الدين أم أفضحه، وأكون سبب في قطع رزقه وأرزاق آخرين، وإن كنت فى هذه الحالة خائنا للأمانه فكيف أكفر عن ذنبى، وما هي الكفارة، لقد فكرت في ترك العمل فهل هذا حل، أم أنه هروب؟ هل أبلغ الإدارة الرئيسية بذلك أم أنتظر حتى يوفى صاحبي التزاماته، دلوني إلى الصواب وجزاكم الله خيراً لأني لا أكاد أنام أو آكل أو أشعر بلذة العبادة، ويساروني إحساس وشعور أني متؤاطئ معه وأننى خائن للأمانة؟ سؤالي الثاني: إذا كان صاحب العمل اتفق معي شفهيا على عدم العمل في شركة أخرى إذا كنت أعمل معه فهل يجوز لي استثمار راتبي فى عمل خارجي بدون علم صاحب العمل، علما بأن هذا العمل لا يتنافى مع مواقيت عملي أو التزاماتي تجاه عملي؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصاحبك ضامن لما باعه لأولئك الأشخاص الذين نهي عن البيع لهم، لما في تصرفه ذلك من الاعتداء ومخالفة شرط موكله المعتبر، قال البهوتي في دقائق أولي النهى: وكل تصرف خالف الوكيل موكله فيه فكتصرف فضولي. انتهى.
وفي درر الحكام لعلي حيدر الحنفي: إذا خالف الوكيل وترتب ضرر على موكله من ذلك يضمن الضرر. انتهى. وفي المحلى لابن حزم: ولا يحل للوكيل تعدي ما أمره به موكله، فإن فعل لم ينفذ فعله، فإن فات ضمن... انتهى، وجاء في غمز عيون البصائر للحموي: إن الموكل متى شرط في البيع على الوكيل شرطاً ينظر، إن كان نافعاً مفيداً من كل وجه، يجب على الوكيل مراعاة شرطه. وشرط الموكل هنا معتبر لما يترتب عليه من مصلحة في حفظ ماله وعدم بيعه لمن عرف بالمماطلة وعدم السداد، ثم إن صاحبك قد غش ودلس بتغييره في كشوف الحسابات لئلا ينكشف أمره وقد مالأته على ذلك وأعنته عليه، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، لكن ما دام كشفك لأمره سيؤدي إلى حصول ضرر أكبر من ستر أمره وقد ظهر ندمه وأعلن توبته وهو ضامن لما فرط فيه فنرجو ألا يلحقك إثم.
وأما تفكيرك بالاستقالة فلا جدوى منه الآن, لكن المطلوب منك أن تحث صاحبك على التعجيل بالسداد ومتابعة أصحاب الديون لأن في تأخرهم إضرارا بالشركة وحتى تتخلص مما وقعت فيه معه ولا تعد إلى مثل ذلك، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 27000، والفتوى رقم: 70316.
وأما عملك في استثمار أموالك خارج وقت الدوام الرسمي فلا حرج فيه، ولا يدخل ضمن ما اتفقت عليه وصاحب العمل من عدم ارتباطك بعمل آخر؛ لأن محل ذلك هو وقت العمل معه حتى لو اشترط عدم عملك خارج وقت الدوام الرسمي، فإن ذلك الشرط يكون باطلاً كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 107337.
والله أعلم.