عنوان الفتوى : الفرق بين بيع السلم وبيع ما لا يملك
فضيلة الشيخ: ما حكم شراء سيارة من الوكيل ليست عنده، وإنما يشتريها الوكيل من بلدها بعد دفع بعض المال أو كله من المشتري للوكيل، والاتفاق على مواصفات السيارة؟ هل يعد هذا سلماً في المعدودات، أم بيع ما لا يملك؟ لأن المسألة اختلطت علي، خاصة بسبب تداخل السلم في المعدودات مع بيع ما لا يملك؟ وهل فيه مشابهة ببيع التمر وهو الموصوف بالذمة، لأن السيارة ستكون موصوفة بالذمة أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسيارات إذا كانت موصوفة بأوصاف معلومة تمنع النزاع وترفع الجهالة فيصح فيها السلم، مع شروط السلم المعروفة كالعلم بالأجل، والثمن، وتسليم رأس مال السلم في مجلس العقد.
وبهذا تعلم أنه لا يجوز في السلم تسليم بعض رأس المال، أما التعامل في سيارة بعينها قبل أن يدخل في ملك بائعها فهذا لا يجوز وهو بيع ما لا يملك المنهي عنه، ويحسن بنا أن ننقل للسائل أقوال العلماء في شرح حديث: لا تبع ما لا ليس عندك. حتى يزول عنه الإشكال.
قال الإمام الخطابي في معالم السنن: قوله صلى الله عليه وسلم: لا تبع ما ليس عندك. يريد به بيع العين دون بيع الصفة، ألا ترى أنه أجاز بيع السلعة إلى الآجال. وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال، وإنما نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر، وذلك مثل أن يبيع عبده الآبق أو جمله الشارد، ويدخل في ذلك بيع كل شيء ليس بمضمون عليه، مثل أن يشتري سلعة فيبيعها قبل أن يقبضها.
ويدخل في ذلك بيع الرجل مال غيره موقوفا على إجازة المالك، لأنه بيع ما ليس عنده، ولا في ملكه، وهو غرر، لأنه لا يدري هل يجيزه صاحبه أم لا؟. معالم السنن.
ونقل الشوكاني عن البغوي قوله: النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها، أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروط. فلو باع شيئا موصوفا في وقت عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز. وإن لم يكن المبيع موجودا في ملكه حالة العقد كالسلم. قال الشوكاني: وظاهر النهي تحريم بيع ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلا تحت مقدرته. وقد استثنى من ذلك السلم، فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم، وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض. اهـ.
ونقل الحافظ في الفتح، والعيني في عمدة القاري عن الإمام ابن المنذر في تفسير: بيع ما ليس عندك أنه: يحتمل معنيين أحدهما: أن يقول أبيعك عبدا أو دارا معينة، وهي غائبة وقت البيع، فيشبه بيع الغرر لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها صاحبها.
ثانيهما: أن يقول أبيعك هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها، أو على أن يسلمها لك صاحبها. قال: وهذا مفسوخ على كل حال، لأنه غرر، إذ قد يجوز ألا يقدر على شرائها، أو لا يسلمها إليه مالكها. قال: وهذا أصح القولين عندي. قال الحافظ: وقصة حكيم موافقة للاحتمال الثاني. اهـ.
وقال ابن القيم: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لا تبع ما ليس عندك. فمطابق للنهي عن بيع الغرر، لأنه إذا باع ما ليس عنده فليس هو على ثقة من حصوله، بل قد يحصل له وقد لا يحصل، فيكون غررا، كبيع الآبق والشارد والطير في الهواء، وما تحمل ناقته ونحوه.
قال : وقد ظن طائفة أن السلم مخصوص من عموم هذا الحديث، فإنه بيع ما ليس عنده، وليس كما ظنوه، فإن الحديث إنما تناول بيع الأعيان، وأما السلم فعقد على ما في الذمة.وما في الذمة مضمون مستقر فيها، وبيع ما ليس عنده إنما نهي عنه لكونه غير مضمون عليه ولا ثابت في ذمته، ولا في يده، فالمبيع لا بد أن يكون ثابتا في ذمة المشتري أو في يده، وبيع ما ليس عنده ليس بواحد منهما، فالحديث باق على عمومه. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: نهى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده إما: أن يراد به بيع عين معينة، فيكون قد باع مال الغير قبل أن يشتريه وفيه نظر، وإما أن يراد به بيع ما لا يقدر على تسليمه وإن كان في الذمة، وهذا أشبه. فيكون قد ضمن له شيئا لا يدري هل يحصل أو لا يحصل. اهـ.
والله أعلم.