عنوان الفتوى : مسائل في تعنت الزوج عن الإنفاق على زوجته

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

فضيلة الشيخ كنت قد بعثت لكم سابقا استفسارا بعنوان التوبة من السرقة من الزوج وذلك بتاريخ 19-8-2008 وقد أجبتموني بما هو شاف وواف ولكن المشكلة الآن أن زوجي لم يعد يعطيني أي مبلغ وكنت في بعض الأحيان آخذ منه بالقوة أمام عينيه وبحيل النساء لكي لا يغضب فيصمت على مضض ويحاسبني على كل قرش أين صرفته وأين ما بقي منه ويتهمني بأني مسرفة وأن معيشتي في بيت أهلي كانت سيئة وأنني الوحيدة بين النساء التي تصرف بهذا الشكل وأني لا أحس به والله يعلم أنه لا يعطيني أي مصروف شخصي من ماله وفي الفترة الأخيرة أخذ يراقبني ويحاسبني على كل شيء فهو يفتح حسابه المصرفي كل يوم ويتفقد نقوده كل صباح ومساء ولو كانت نقودا صغيرة كالسنتيمات التي نستخدمها هنا في فرنسا وآخر مرة أخذت منه والله اعلم أني أخذت لأصرف على معالجتي وعلى أولادي مبلغا بسيطا ففتح حسابه المصرفي المساء ووجد فيه نقصا ولم يكن قد خرج من البيت يومها وأنا التي خرجت فوجد النقص في نفس الساعة والتوقيت الذي خرجت فيه فجن جنونه واتهمني بأني سارقة وأنني أسرقه منذ زمن بعيد وكل ما معي من نقود هو سرقة من ماله وقال كلاما بذيئا جدا أفقدني الوعي وأنه كره الحياة معي ولن يسامحني على أي قرش أخذته منه أو سآخذه مهما كان بسيطا وسيحاسبني يوم القيامة والمشكلة أني أنكرت وقلت له ربما أنت نسيت أو هناك خطا في آلة الحساب المصرفي وهو طبعا لم يصدق أي كلمة وأصر على أني سارقة وأنا أصررت على الإنكار وهو الآن قد هجرني في الفراش ويأخذ الأولاد ليناموا معه فقد قرر أن يطلقني حين رجوعنا إلى بلدنا ويمنعني من الكلام مع أهلي ولا يثق بي بأي شكل من الأشكال حتى حين وقعت المشكلة وأردت الخروج من البيت قال لي أنا لا أثق إلى أين ستذهبين ولا أثق بك وهذا الكلام جعلني أكرهه حقا وفجر في كل الأمور التي كنت أتحملها منه فماذا أفعل هل أبقى على إصراري بالإنكار أم أعترف له فيطلقني أو لا يعود ليثق بي أبدا فهو من قبل لا يثق بي طبعا فقط من ناحية النقود وأنا ما عدت أطيقه على ذلك الموقف فمن أجل مبلغ بسيط دمر كل شيء وبكل وقاحة وبذاءة ولا أدري كيف أصف المشهد..فهل أصر على إنكاري أم أعترف له وأطلب لنفسي الطلاق لأني فعلا كرهت الحياة معه لأجل المال وطريقة حياته فهو حتى يحاسبني على نفاذ مؤونة البيت قبل أوانها ولو بأسبوع أو يومين وعلى الثياب إذا احترقت وإذا كسرت شيئا وأنا أنظف الأطباق فبصرخ في وجهي ويحاسبني كأني فعلت جرما وإذا رافقته لشراء لوازم البيت الأسبوعية واشتريت ما يلزم وكان المبلغ فوق المعتاد ولو بقليل يحرمنا الأسبوع الذي يليه من الشراء بل ويبقى طوال ذلك الأسبوع غاضبا ولا يكلمني ويصرخ في ويقول أنت السبب وقد كنت قبلك مرتاحا، ودائما يجرحني في مواقف كهذه بكلمات حقا لا أدري كبيف يقولها زوج لزوجته وأنا والله يشهد لا أرد بل أحاول تهدئته والاعتذار منه ولكني مللت حقا والآن أنا أريد الانفصال عنه ولكن هل أعترف له أم أبقى مصممة على أني لم آخذ المبلغ.... اعذروني للإطالة.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنجمل لك الجواب أيتها السائلة في عدة نقاط:

 النقطة الأولى: أنه لا يجوز للزوج سب زوجته ولا شتمها ولا إهانتها فهذا كله حرام لا يجوز، وهذا متفق عليه, بل قد بالغ بعض الفقهاء فجعل سب المرأة والإضرار بها ولو مرة واحدة يجيز لها طلب الطلاق, ويؤدَب الزوج مع ذلك على فعله, وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم: 112369.

النقطة الثانية: سبق أن بينا في الفتوى رقم: 115673, أن مقدار النفقة الواجبة على الزوج لزوجته وأولاده يرجع فيها إلى العرف وحال الزوج من الغنى واليسار, فعليك بالنظر إلى من هو مثلكم في الوضع المالي والاجتماعي وتقدير النفقة على مثل حالهم دون إسراف ولا تقتير, فإن كان زوجك يقصر عن هذا الحد فهو ظالم بمنعه هذه النفقة حتى ولو كان العرف قد جرى بقدر معين من التحسينيات والترفيهيات فمنع هذا أبدا أو غالب الأوقات فقد ظلم, وعندها يجوز لك أن تأخذي من ماله دون علمه، لكن إذا غلب على ظنك أنك إن أخذت مالا فإنه سيعلم بفقده, وسيترتب على ذلك مفسدة كبيرة فلا ينبغي الأخذ, وعليك حينئذ برفع أمرك لأوليائك أو لبعض أهل العلم, أو المراكز الإسلامية في بلدكم ليطالبوه بالنفقة, فإن أصر على الامتناع فيجوز لك حينئذ طلب الطلاق منه للضرر.

النقطة الثالثة: أما ما كان منك وقد أخذت من ماله ما يكفي لعلاجك أنت وابنك فلا حرج عليك في ذلك فهذا خالص حقك, فإن علاج الزوجة والأولاد واجب على الزوج على ما هو مبين في الفتويين: 56114, 113285.

ولكن أما وقد علم بما حدث وتيقن من أخذك لماله فلن يجدي الإنكار حينئذ, ولذا فيمكنك أن تصارحيه بأنك قد أخذت من ماله وأن هذا محض حقك الشرعي وأنك لم تأخذي هذا من تلقاء نفسك, بل إنك لم تقدمي على هذا إلا بعد استفتاء أهل العلم, ويمكنك أن تقرئيه فتوانا هذه وغيرها من الفتاوى المماثلة, وأعظم فتوى في ذلك هي فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة لما أخبرته أن زوجها رجل شحيح لا يعطيها ما يكفيها هي وولدها , وقد كان زوجها من أجلاء الصحابة وهو أبو سفيان رضي الله عنه , فقد جاء في صحيح البخاري أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.

والذي ننصحك به هو أن تجلسي معه جلسة مصارحة وصدق تعلميه فيها بتأذيك من إهانته لك وتضييقه عليك في المعاملة والنفقة, وأنك ما كنت لتأخذي من ماله بهذه الطريقة لو أنه قام بواجبه في النفقة والمعاشرة بالمعروف, فإن رجع عن فعله واعترف بخطئه, فذلك الذي تبغين وتأملين, وإن أصر على حاله هذه فلك أن تطلبي منه الطلاق للضرر. والصبر خير على كل حال.

والله أعلم.