أرشيف المقالات

مس الذكر

مدة قراءة المادة : 28 دقائق .
مس الذكر
الصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - الطهارة (7)

عن قيس بن طَلْق الحنفي، عن أبيه، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مسِّ الذكر، فقال: ((ليس فيه وضوء، إنما هو منك))[1].

المسألة الأولى: ترجمة طلق بن علي:
هو طلق بن علي بن طلق بن عمرو، ويقال: بن علي بن المنذر بن قيس بن عمرو، ويقال: طلق بن قيس بن عمر بن عبدالله بن عمرو بن عبدالعُزَّى بن سحيم الحنفي السحيمي، ويقال: هو طلق بن ثمامة، حكاه ابن السكن.

وهو والد قيس بن طلق اليمامي، يكنى أبا علي، مشهور، له صحبة ووفادة ورواية[2].

أحدُ الوفد الذين قدِموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمِل معه في بناء المسجد.

روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

روى عنه:
عبدالله بن بدر، وعبدالله بن قويد، وعبدالله بن النعمان السحيمي، وعبدالرحمن بن علي بن شيبان، وابنه قيس بن طلق بن علي[3].

المسألة الثانية: معاني الكلمات:
قوله: (سمِعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية عند أبي داود (182) قال: (قدِمنا على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجلٌ كأنه بدويٌّ، فقال: يا نبيَّ الله، ما ترى في مسِّ الذكر بعدما يتوضَّأ).

قوله: ((إنما هو منك))، وفي رواية أبي داود: ((هل هو إلا مضغة منك))؛ أي: ما هو - أي الذَّكَر - إلا مضغة من الجسد، والمُضْغة - بضم الميم وسكون الضاد وفتح الغين المعجمتين - أي قطعة لحم.

والمعنى: أي كما لا يُنقَض من مس الجسد والأعضاء، فكذا لا ينقض الوضوء من مس الذَّكَر؛ لأن الذَّكَر أيضًا قطعة من الجسد.

وفي رواية: ((أو بَضْعة منه))، بفتح الباء الموحدة وبسكون الضاد المعجمة، والمضغة والبضعة لفظان مترادفان، وهو شك من الراوي[4].

المسألة الثالثة: حكم مس الفَرْج:
الفرج اسم لمخرج الحَدَث.

وفي حكم مس الفرج خلاف مشهور، ومنشأ هذا الخلاف ومبناه هو اختلاف النقولات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلافُها صحَّةً وضعفًا، ومن ثَمَّ اختلفوا فيما بينهم في فهم النصوص، سلفًا وخلفًا، والمراد منها.

قال ابن عبدالبر:
(إنما جازت المناظرةُ والقياس عندهما في هذه المسألة لاختلاف الآثار فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لم يأتِ عنه فيها عندهما شيء يجب التسليم له من وجهٍ لا تعارُضَ فيه، واختَلف فيه الصحابة أيضًا، فمن ها هنا تناظرا فيها، والأسانيد عن الصحابة في إسقاط الوضوء منه أسانيد صحاح من نقل الثقات)[5].
 
وكان نتاج وثمرة هذا الخلاف أن اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال، منها:
القول الأول: إنه ناقض للوضوء مطلقًا:
وهو قول عمر بن الخطاب، وابنه عبدالله، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص في رواية المدنيين عنه، وعائشة، وجابر بن عبدالله، وزيد بن خالد، وغيرهم من الصحابة.

وهو قول سعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء بن أبي رباح، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وأبان بن عثمان، والزهري، ومجاهد، ومكحول، والشعبي، والأوزاعي، والحسن، وعكرمة، وابن جريج من التابعين.

وإليه ذهب مالك في رواية عنه، والشافعي، والليث بن سعد، وأحمد في رواية عنه، وإسحاق بن راهويه، وداود، والطبري، وأصبغ بن فرج المالكي[6].

واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
حديث بسرة بنت صفوان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن مس ذَكَره فلا يصلِّي حتى يتوضَّأ))[7].

حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيُّما رجلٍ مسَّ فرجَه فليتوضَّأ، وأيما امرأة مسَّت فرجها فلتتوضَّأ))[8].

حديثأبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فَرْجه ليس دونها حجابٌ، فقد وجَب عليه الوضوء))[9].

حديث أم حبيبة، قالت: سمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن مسَّ فرجه، فليتوضَّأ))[10].

القول الثاني: أنه ليس بناقض مطلقًا:
وهو قول علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن حصين، وأبي الدرداء من الصحابة، وكذا رواية الكوفيين عن سعد بن أبي وقاص.

وهو قول ربيعة، وسفيان الثوري، وابن المنذر، وأبي حنيفة، وأصحاب الرأي، وسحنون من المالكية، ومالك في المشهور عنه.


واستدلوا بأدلة، منها:
1- حديث طلق بن علي الذي مر في الباب معنا.

2- قالوا: إن الأصل بقاء الطهارة وعدم النقض، ولا نخرج عن الأصل إلا بدليل متيقن غير محتمل.

3- حديث أبي ليلى الأنصاري[11] قال: (كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء الحسن بن عليٍّ فجعل يتمرَّغ عليه، فرفع مقدم قميصه فقبل زُبَيْبه)[12]،[13].

وأجيب بضعفه، وعلى فرض صحته فيحتمل أن يكون من فوق حائل؛ لأن الحديث ليس فيه أنه قبَّله من غير حائل، وهذا بعيد.

وقيل: إنه ليس فيه أنه مسَّ زُبَيْبَه ببطن الكف أو بيده عمومًا، وليس فيه أنه صلى بعد مسه.

قال الحافظ في التلخيص:
(وإذا تقرَّر أنه ليس في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى عقب ذلك، فلا يستدل به على عدم النقض، نعم يستدل به على جواز مس فرج الصغير ورؤيته)[14].

القول الثالث: الجمع بين القولين:
واختلف أصحاب هذا القول في وجه الجمع على وجوهٍ، منها:
أ- أنه ينقض إذا كان بشهوة، وإلا فلا ينقض:
قال به بعض المالكية، وقالوا: إن قوله: ((إنما هو بضعة منك))، يدل على هذا الحمل؛ لأنك لو مسَسْتَ ذَكَرك بدون تحريك شهوة صار كأنما تمس سائر أعضائك، وإذا مسَسْتَه لشهوةٍ، فإنه ينقض؛ لأن العلة موجودة، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك[15].

وأُجِيب: أن مظنة الخروج سببها الشهوة وليس المس، ومع ذلك لو انتصب ذَكَره بشهوة، لم يجب عليه الوضوء مع كونه مظنَّة لخروج الخارج، وهذا دليل على أن انتقاض الوضوء من مس الذكر ليس سببه الشهوة.

فإن قيل: إن مس الذَّكَر باليد مع انتصاب الذَّكَر قد يساعد في خروج الخارج، قيل: لو انتصب الذَّكَر لشهوة ومس فخذه أو أي عضو من أعضائه غير يده، لم يجب عليه الوضوء، مع أن ذلك عامل مساعد لخروج الخارج، بل لو مسه بيده مع حائل لم ينتقض وضوءه، فهذا دليل على أن إيجاب الوضوء لم يكن سببه الشهوة، ولا مظنة خروج الخارج من الذكر[16].

كما أن قيد الشهوة لم يَرِدْ في كلا الدليلين: حديث بسرة وحديث طَلْق.

ب- أنه يستحب الوضوء مطلقًا حتى ولو بشهوة:
وهو رواية عن مالك، واختيار ابن تيمية[17]، وابن عثيمين.

وأجيب: بأن الأمر في الأحاديث للوجوب.

ج- أنه ينقض إذا كان عمدًا، ولا ينقض الناسي وغير المتعمد:
قال به ابن عبدالبر في التمهيد؛ حيث قال: (النظر عندي في هذا الباب أن الوضوء لا يجب إلا على مَن مسَّ ذَكَره أو فَرْجَه قاصدا مفضيًا، وأما غير ذلك منه أو من غيره فلا يُوجِبه النظر)[18].

وبقوله - تعالى -: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]، قالوا: فدلَّت الآيةُ على عدمِ النقض بالنسيان والخطأ.

وأجيب: بأن ليس في الآية دليلٌ على عدم النقض بالعمد؛ لأن الآيةَ ليس فيها إلا نفيُ الجناح، والمقصود به الإثم، ونفي الإثم لا يدلُّ على بقاء الطهارة، فرفع الخطأ بمعنى رفع إثمه لا حكمه[19].

كما أن الأخبار الواردة في النقض عامَّة، فلم تفرق بين العمد وغيره، وبه قال الأوزاعي، والشافعي وإسحاق، وأيوب، وأبو خيثمة، واختاره ابن قدامة[20].

كما يقال: إنه إذا ثبت عندكم النقض بالمس، فلا يفرق بين العمد والخطأ، فإذا كان مس الذكر مفسدًا للطهارة استوى فيه العمد والخطأ كباقي النواقض، كمَن خرج منه ريحٌ أو بول لم يفرق بين عمده وخطئه.

د- ينقض الوضوء إذا مسه بباطن الكف دون ظاهره:
وهو قول الشافعية، واستدلوا بحديث أبي هريرة المتقدِّم، وفيه: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أفضى أحدُكم بيدِه إلى فَرْجِه ليس دونها حجاب، فقد وجب عليه الوضوء)[21].

قالوا: (الإفضاء باليد إنما هو ببطنِها، كما تقول: أفضى بيده مبايعًا، وأفضى بيده إلى الأرض ساجدًا، أو إلى ركبتَيْه راكعًا، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بالوضوء إذا أفضى به إلى ذَكَره، فمعلوم أن ذَكَره يماسُّ فخِذَيْه، وما قارب ذلك من جسده، فلا يوجب ذلك عليه بدلالة السنة وضوءًا)[22].

أجاب الحافظ ابن حجر في التلخيص قائلاً:
(احتجَّ أصحابُنا بهذا الحديث في أن النقض إنما يكون إذا مس الذكر بباطن الكف لما يعطيه لفظ الإفضاء؛ لأن مفهوم الشرط يدل على أن غير الإفضاء لا ينقض، فيكون تخصيصًا لعموم المنطوق، لكن نازع في دعوى أن الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف غيرُ واحد، قال ابن سِيدَه في المحكم: أفضى فلان إلى فلان: وصل إليه، والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف أو باطنها، وقال ابن حزم: الإفضاء يكون بظهر اليد كما يكون ببطنها، وقال بعضهم: الإفضاء فردٌ من أفراد المس، فلا يقتضي التخصيص)[23].

وهذا هو الحق؛ لأن اليد تطلق على الكف كلها؛ كما في قوله -تعالى-: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38]، والقطع إنما هو للكفِّ.

هـ- تحمل الأحاديث الآمِرة بالوضوء على غسل اليد جمعًا بينها وبين حديث طلق:
وأجيب: بأن الألفاظ يجب حملها على الحقيقة الشرعية، ولا يحمل على غيره إلا بقرينة، ولا قرينة هنا.

القول الرابع: الترجيح بين الأدلة:
اعلم أن بعض أهل العلم رجَّح حديث طلق بن علي؛ كعمرو الفلاس والطحاوي، ومنهم مَن رجح حديث بسرة بنت صفوان؛ كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، والبيهقي، وغيرهم.

1- قالوا: إن حديث بسرة بنت صفوان وما في معناه ناسخٌ لحديث طَلْق بن علي؛ لأن طَلْقًا قدِم المدينة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبنِي المسجد أوَّل الهجرة ولم يُعلَم له رجوع ثانية[24].

قالوا: ولا يسلم لهم هذا القول لوجوه:
الأول: أنه لا يصار للنسخ إلا إذا تعذَّر الجمع، وزعموا أن الجمع ممكن.

الثاني: أن في حديث طلق بن علي علة لا يمكن أن تزول، والعلة هي قوله: ((إنما هو بضعة منك))، فلا يمكن يوم من الأيام أن يكون ذَكَر الإنسان ليس بضعةً منه، والعلة تدور مع الحكم وجودًا وعدمًا، كما في الأصول.

2- قالوا: إن حديث بسرة بنت صفوان أرجح من حديث طلق بن علي؛ لأن حديث بسرة احتج الشيخان بجميع رواته، بينما حديث طلق لم يحتجَّ الشيخان بأحد من رواته؛ قاله البيهقي[25].

3- قالوا: حديث بسرة أرجح؛ لكثرة طرقه وصحتها، وكثرة من صححه من الأئمة، ولكثرة شواهده.

4- قالوا: إن حديث طلق بن علي يدل على البراءة الأصلية، وحديث بسرة ناقل عن البراءة الأصلية، وإذا تعارض حديثانِ أحدهما يوافق البراءة والآخر ناقل عن البراءة، كان الناقل مقدَّمًا.

5- قالوا: إن أكثر الصحابة قالوا بالنقض.

6- أن حديث بسرة حَظْر، وحديث طلق إباحة، والحَظْر يُقدَّم على الإباحة عند التعارض، كما قرِّر ذلك في الأصول.

7- أن حديث بسرة منطوق، وحديث طلق مفهوم، والمنطوق يقدَّم على المفهوم عند التعارض أيضًا.

وعليه، فالراجح - والله أعلم - القول بالنقض مطلقًا؛ لصراحة الأدلة بالنقض وقوتها، وإن كان القول بغيره لا نكارة عليه، فالأمر محتمل.

كما اختلف العلماء في مس المرأة فرجها هل ينقض الوضوء أم لا؟
فقيل: ينقض الوضوء مطلقًا، وهو مذهب الشافعية، ورواية عند أحمد، والأشهر من مذهب المالكية؛ قاله ابن عبدالبر في الكافي[26].

وقيل: لا ينقض مطلقًا، وهو مذهب الحنفية[27].

واستدل القائلون بالنقض بما يلى:
1- عن بسرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مس أحدكم فرجه فليتوضأ))، والمرأة مثل ذلك[28].

وأجيب: بأن قوله: (والمرأة مثل ذلك) من قول الزهري، ومما يدل عليه أن سائر الرواة رَوَوْه عن الزهري بدون هذه الزيادة؛ قاله البيهقي، وبمثل هذا قال ابن عدي: (وهذا الحديث بهذه الزيادة في متنه: (والمرأة مثل ذلك)، لا يرويه عن الزهري غير ابن نمر هذا)[29].

2- حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيُّما رجلٍ مسَّ فَرْجَه فليتوضَّأ، وأيما امرأة مسَّت فرجها فلتتوضأ))[30].

3- حديث أم حبيبة، قالت: سمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن مسَّ فَرْجَه، فليتوضأ))[31].

4- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أفضى أحدُكم بيدِه إلى فَرْجِه ليس دونها حجابٌ، فقد وجَب عليه الوضوء))[32].

ووجه الاستدلال أن الحديث علَّق الوضوء بمس الفرج، فما ثبت لفرج الرجل ثبت لفرج المرأة إلا بدليل، كما أن كلمة ((فَرْجه)) اسم جنس مضاف، فيعم كل فَرْج، وذِكْر الذَّكَر في حديث بُسرةَ لا يقتضي تخصيص الفرج؛ لأن الذكر بعض أفراده، وذكر فرد من أفراد المطلق أو العام بحكم يوافق المطلق والعام لا يقتضي التخصيص.

• بينما استدلَّ القائلون بعدم النقض بالبراءة الأصلية؛ لعدم وجود دليل صحيح؛ لأن الأحاديث التى ورد فيها الفَرْج لا تخلو من مقالٍ.

وأجيب: بأن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إن كان ضعَّفه الإمام أحمد، فقد صحَّحه غيره، مثل البخاري فيما نقله عنه الترمذي.

وقالوا: إن فرج المرأة كذَكَر الرجل، وتمسَّكوا بحديث طلق بن علي، وقد تقدَّم الكلام عليه فيما قبل.

والراجح - والله أعلم - القول بالنقض؛ لصحة الأحاديث، ودخول فرج المرأة في عموم النهي.

• وفي مسِّ الرجل ذَكَر غيره والمرأة فَرْج غيرها خلافٌ مشهور، والراجح عدم النقض؛ وذلك لأن الأحاديث الواردة في النقض جاءت بنقض الوضوء من مس فرجه لا فرج غيره، منها: ((من مسَّ ذَكَره فليتوضأ))، و((أيما امرأة مسَّت فرجها فلتتوضأ))، وهو مذهب الحنفية.

خلافًا لِما عليه الشافعية والحنابلة، وذهب المالكية إلى أن مس فَرْج الغير كمس الأجنبى إن كان بشهوة نقض، وإن لم يكن بشهوة لم ينقضْ.

• أما مس فرج الصغير ففيه خلاف أيضًا، والقول بعدم النقض هو الراجح في المسألة، والله أعلم، وهو اختيار ابن عبدالبر؛ حيث قال: (النظر عندي في هذا الباب أن الوضوء لا يجبُ إلا على مَن مسَّ ذَكَره أو فرجه قاصدًا مُفضيًا، وأما غير ذلك منه أو من غيره، فلا يوجب الظاهر، والأصل أن الوضوء المجتمع عليه لا ينتقض إلا بإجماع أو سنة ثابتة غير محتملة للتأويل)[33]، وكلامه جيِّد إلا أنَّ اشتراطَ القصد قول مرجوح، وقد تقدم الكلام عليه.

• وأما مس الأليتين والأُنْثَيين والرُّفْغَين لا ينقض الوضوء، وهو مذهب الأئمة الأربعة، ولا يوجد دليل يدل على نقض الوضوء من لمسهم.

أما ما ذهب إليه عُرْوة بن الزبير من نقض الوضوء من لمسهم، فذلك لما رواه الدارقطني عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن مسَّ ذكره أو أُنْثَييه أو رُفْغَيه فليتوضأ))[34].

فهو قول مردود؛ لأن زيادة: (أو أُنْثَييه أو رُفْغيه)، ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هي مدرجة من كلام هشام بن عروة.

أما مس حلقة الدبر، ففيها قولان:
الأول: نقض الوضوء:
وهو مذهب عطاء والزهري والشافعي ورواية عن أحمد، نقلها عنه داود؛ وذلك لعموم قوله: (من مس فرجه فليتوضأ).

والثاني: عدم النقض:
وهو قول مالك ورواية عن أحمد؛ وذلك لعموم قوله: ((مَن مسَّ ذَكَره فليتوضَّأ)).

والراجح - والله أعلم - أن مسَّ حلقة الدُّبُر غير ناقض للوضوء؛ لأن المراد بالفرج القُبُل؛ لأن ذلك هو المتعارَف عليه وقت نزول الوحي، والحقيقة العرفية تُقدَّم على الحقيقة اللُّغوية[35].



[1] حسن: ابن ماجه 483 كتاب الطهارة واللفظ له، وأبو داود 182، والترمذي 85، والنسائي 165 دون السؤال، وصححه علي بن المديني، وعمرو الفلاس، والطحاوي وصححه الألباني في المشكاة 320.


[2] الاستيعاب 1/235، والإصابة 2/72، وأسد الغابة 3/67-68.


[3] تهذيب الكمال 13/456.


[4] عون المعبود 1/140.


[5] التمهيد 1/272.


[6] التمهيد 2/259-274، والمغني 1/240-241.


[7] أبو داود 181، والترمذي 83، وصححه، والنسائي 451، قال يحيى بن معين: أصح حديث في مس الذكر حديث مالك، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، وكان أحمد بن حنبل يقول نحو ذلك أيضًا، وقال البخاري: هو أصح شيء في الباب، وصحَّحه الدارمي، وصححه الألباني في الإرواء 1/150.


[8] المنتقى لابن الجارود 19، والدارقطني في سننه 534، والبيهقي في السنن الكبرى 637، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2725.


[9] البيهقي 522، 523، الدارقطني 542، وابن حبان 1118، وقال ابن حبان: حديث صحيح مسنده، عدول نَقَلته، وصحَّحه الحاكم في المستدرك 1/138، وحسنه ابن عبدالبر في التمهيد، وقال ابن السكن: هو أجود ما روي في هذا الباب، وقد صوَّب الدارقطني في العلل 8/131 وَقْفَه على أبي هريرة، وبالجملة فالحديث حسن يشهد له حديث بسرة المتقدم، وحديث أم حبيبة الآتي ذكره بعده، والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع 7144.


[10] حسن لغيره: ابن ماجه 481، والطبراني في الكبير 451، والبيهقي 1/130، وأبو يعلى في مسنده 7144، وقد اختلف في سماع مكحول من عنبسة وهو ابن أبي سفيان، فقال البخاري، ويحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، بعدم إثبات السماع، بينما ذهب دحيم إلى إثبات السماع، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص 1/217: وهذا أعرف بحديث الشاميين، فأثبت سماع مكحول من عنبسة.
لكن يعارضه قول يحيى بن معين: قال أبو مسهر: لم يسمع مكحول من عنبسة، وأبو مسهر شامي، وهو أكبر من دحيم؛ انظر: جامع التحصيل 796، وتهذيب التهذيب 10/258، والتلخيص الحبير 1/217.
أضف إلى ذلك أن مكحولاً مدلِّس وقد عنعن، قال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد فيه مقال، مكحول الدمشقي مدلِّس، وقد رواه بالعنعنة، فوجب تركُ حديثه، لا سيما وقد قال البخاري، وأبو زرعة، وهشام بن عمار، وأبو مسهر، وغيرهم: إنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان؛ فالإسناد منقطع.
زِدْ على ذلك أن البخاري في التاريخ الكبير 7/37 أعله بالمخالفة؛ حيث قال: روى الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسِّ الذَّكَر، ويرونه وهمًا؛ لأن النعمان بن المنذر قال عن مكحول: إن ابن عمر كان يتوضأ منه، مرسلاً.
والحديث صححه أحمد، وأبو زرعة، وابن السكن، قال الخلال في العلل: صحَّح أحمد حديث أم حبيبة، وقال ابن السكن: لا أعلم به علة، وكذا الألباني في صحيح الجامع 6555، قلتُ: فالحديث حسن بشواهده، والعلم عند الله.


[11] اسمه: داود بن بلال ابن بنت أبي ليلى؛ انظر: الكنى والأسماء للدولابي 1/152.


[12] زبيبه: تصغير زِبٍّ، وهو الذَّكَر بلغة أهل اليمن.


[13] ضعيف: أخرجه الطبراني، والبيهقي في السنن الكبرى 651، وذكره الدولابي في الكنى والأسماء 305، وإسناده ليس بالقوي، فيه قابوس بن أبي ظبيان، ضعفه النسائي، وفيه أيضًا محمد بن عمران بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، لم يوثِّقه إلا ابن حبان، وضعفه البيهقي؛ حيث قال: هذا إسناد غير قوي، وليس فيه أنه مسَّه بيده، ثم صلى ولم يتوضأ، وضعفه النووي في المجموع 2/43.


[14] التلخيص الحبير 1/222.


[15] الشرح الممتع لابن عثيمين 1/182.


[16] الخلاف في نقض الوضوء من مس الذكر؛ لدبيان محمد الدبيان شبكة الألوكة.


[17] مجموع الفتاوى 2/524.


[18] التمهيد 2/274.


[19] نيل الأوطار 1/218.


[20] المغنى 1/242.


[21] البيهقي 522، 523، الدارقطني 542، وابن حبان 1118، وقال ابن حبان: حديث صحيح مسنده، عدول نقلته، وصحَّحه الحاكم في المستدرك 1/138، وحسَّنه ابن عبدالبر في التمهيد، وقال ابن السكن: هو أجودُ ما روي في هذا الباب، وقد صوَّب الدارقطني في العلل 8/131، وقفَه على أبي هريرة، وبالجملة فالحديث حسن يشهد له حديث بُسرَةَ المتقدم، وحديث أم حبيبة الآتي ذكره بعده، والحديث صحَّحه الألباني في صحيح الجامع 7144.


[22] الأم 1/20.


[23] التلخيص الحبير 1/220.


[24] ابن حبان 1122- 1123.


[25] نيل الأوطار 1/280.


[26] الكافي في فقه أهل المدينة 12.


[27] شرح فتح القدير 1/56.


[28] ابن حبان 1117.


[29] الكامل 3/160، هو: عبدالرحمن بن نمر اليحصبي.


[30] المنتقى لابن الجارود 19، والدارقطني في سننه 534، والبيهقي في السنن الكبرى 637، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2725.


[31] حسن لغيره: ابن ماجه 481، والطبراني في الكبير 451، والبيهقي 1/130، وأبو يعلى في مسنده 7144، تقدم الكلام عليه.


[32] حسن لغيره: البيهقي 522، 523، الدارقطني 542، وابن حبان 1118، وقال ابن حبان: حديث صحيح مسنده، عدول نقلته، وصححه الحاكم في المستدرك 1/138، تقدَّم الكلام عليه.


[33] التمهيد 17/205.


[34] الدارقطني 1/148، ومما يدل على أن الزيادة مدرجة من كلام هشام بن عروة رواية أيوب السختياني، وحماد بن زيد، وغيرهم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: مَن مسَّ ذَكَره فليتوضأ، وقال: وكان عروة يقول: إذا مسَّ رُفْغَيه أو أُنْثَييه فيتوضأ، قال الدارقطني عقب الحديث: كذا رواه عبدالحميد بن جعفر، عن هشام، ووهم في ذكر الأُنْثَيين والرُّفْغ وإدراجه ذلك في حديث بسرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمحفوظ أن ذلك من قول عروة، غير مرفوع، كذلك رواه الثقات عن هشام، منهم أيوب السختياني، وحماد بن زيد، وغيرهما.


[35] انظر: شرح عمدة الفقه 1/129؛ للدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢