عنوان الفتوى : حكم الجمع بين المغرب والعشاء في عرفة
إذا تأخر الوقت علي يوم عرفة، هل يجوز صلاة المغرب والعشاء في عرفة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في أن السنة هي أن يجمع الحاج بين المغرب والعشاء بمزدلفة جمع تأخير لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر من وجه، فإذا خشيَ فوات وقت الاختيار للعشاء وهو ثلث الليل قبل أن يصل مزدلفة، فالأولى له أن يصلي ولو قبل مزدلفة لعموم أدلة المواقيت، ومذهبُ جماهير العلماء أنه يجوزُ ترك الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة وفعلهما قبل مزدلفة بل ولو في عرفة، وفعلُ كلُ واحدةٍ في وقتها، ولكن يكون قد ترك السنة.
قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على جواز الجمع بينهما بمزدلفة في وقت العشاء للمسافر، فلو جمع بينهما في وقت المغرب أو في غير المزدلفة جاز. وبه قال عطاءٌ وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف وأبو ثور وابن المنذر. وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة ومحمد وداود وبعض أصحاب مالك: لا يجوز أن يصليهما قبل المزدلفة ولا قبل العشاء، والخلاف مبنيٌ على أن جمعهم بالنسك أم أنه بالسفر؟ فعندنا بالسفر وعند أبي حنيفة بالنسك. انتهى.
قال الشيخ العثيمين في كلامه على بعض الأخطاء التي يقعُ فيها بعض الحجاج: إن بعض الناس لا يصلي المغرب والعشاء حتى يصل إلى مزدلفة ولو خرج وقت صلاة العشاء، وهذا لا يجوز وهو حرام من كبائر الذنوب، لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {النساء:103} وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت وحدده، وقال الله تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ {الطلاق: 1} وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {البقرة: 229}.
فإذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة، يصلي على حسب حاله، إن كان ماشيا وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكبا ولم يتمكن من النزول فإنه يصلي ولو على ظهر سيارته، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16} وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه الحال أمرا بعيدا ؛ لأنه بإمكان كل إنسان أن ينزل ويقف على جانب الخط من اليمين أو اليسار ويصلي.
وعلى كل حال فإنه لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يخرج وقت العشاء، بحجة أنه يريد أن يطبق السنة فلا يصلي إلا في مزدلفة، فإن تأخيره هذا مخالف للسنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر، لكنه صلى الصلاة في وقتها. انتهى.
ومن المعلوم أن مذهب الشيخ رحمه الله أن وقت العشاء يخرجُ جميعه بانتصاف الليل، وعند الجمهور أن ما بعد نصف الليل وقت ضرورة فالأمرُ عندهم أهونُ مما ذكرَ الشيخ. ولكنه مما لا ينبغي تأخيرُ صلاة المغرب والعشاء عن وقت الاختيار للعشاء بحال، بل يصليهما ولو في عرفه إذا خشي خروج الوقت. وللمزيد انظر الفتوى رقم: 98224.
والله أعلم.