عنوان الفتوى : حالات وأحكام القتل بالسم
شكراً لكم على الجواب الشافي الذي أرسلمتوه لي في استشارة رقم 287343 ولكني أريد المزيد من البينة على شيء، وهو أن القاتل كان في وقت القتل متخبطا في الدنيا، وأن القتيل من أقرباء الدرجة الأولى لذلك لم يعلم أحد بأنه هو القاتل الذي قام بقتل القتيل.... حيث إن القتيل توفى عن طريق السم... لذلك لا يعرف ماذا يقول لإخوانه عن الدية وكيف يدفعها.. وأنه نادم الندم الشديد والدية كم مقدارها؟ وشكر جزيلاً لمساعدتي وأرجو أن يثبتني ربي على ديني؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ندري ما تعني بكونه متخبطاً في الدنيا، ولكن إن كان المقصود بذلك السفه وعدم المبالاة فهذا لا يرفع عنه ما يترتب على القتل من قصاص أو دية، بل لو كان مجنوناً لزمت الدية عاقلته، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 75217.
وقد ذكرت بهذا السؤال أمراً لم يذكر في الاستشارة التي أرسلتها سابقاً لقسم الاستشارات وهو أن القتل كان بالسم، ولذا فإننا سنذكر هنا بعض الحالات التي ذكرها الفقهاء في القتل بالسم، لما قد يترتب على ذلك من أمر آخر غير الدية، وهو القصاص والحالات هي على النحو الآتي:
الحالة الأولى: أن يكون المقتول صبياً غير مميز أو مجنوناً، فإذا قدم له القاتل طعاماً مسموماً فمات منه وجب القصاص على مقدم الطعام، إن كان يعلم أن ذلك السم يقتل غالباً، سواء أخبره أن الطعام مسموم أم لا.
الحالة الثانية: هي إن أكره بالغاً عاقلاً على أكل طعام مسموم ولم يعلم المكره أنه مسموم فعليه القصاص، أما إن كان المكره يعلم أنه مسموم فلا قصاص كما إذا أكرهه على قتل نفسه.
الحالة الثالثة: إن أوجره السم في حلقه فعليه القصاص وإن كان بالغاً، لأنه ألجأه إليه ولا اختيار له حتى يقال عنه، إنه تناول السم باختياره، فحد العمد صادق عليه.
الحالة الرابعة: إن قدم طعاماً مسموماً لبالغ عاقل فأكله من غير إكراه فمات منه، فإن كان الآكل يعلم أنه مسموم فلا قصاص ولا دية باتفاق الفقهاء، لأنه هو الذي قتل نفسه.. وإن كان غير عالم بالحال فقد اختلف الفقهاء في وجوب القصاص فيه، فقال الشافعية: لا يجب القصاص بل تجب دية لشبه العمد لتناوله له باختياره فلم يؤثر تغريره، وفي قول عندهم: يجب القصاص لتغريره كالإكراه. وقال المالكية والحنابلة: يجب القصاص. عليه، لأنه يقتل غالباً، ويتخذ طريقاً إلى القتل كثيراً فأوجب القصاص، وقال الحنفية: لا قصاص في القتل بالسم مطلقاً، فإن قدم إلى إنسان طعاماً مسموماً فأكل منه -وهو لا يعلم أنه مسموم- فمات منه فلا قصاص ولا دية، فيعزر بحبس ونحوه. انتهى بتصرف من الموسوعة الفقهية الكويتية.
وسبب الخلاف في هذه المسألة هل قتل النبي صلى الله عليه وسلم المرأة اليهودية التي وضعت له السم في الطعام أم لا؟ وبكلا الأمرين وردت بعض الأخبار، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: قال القاضي عياض: واختلف الآثار والعلماء: هل قتلها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟
فوقع في (صحيح مسلم) أنَّهم قالوا: ألا نقتلها؟
قال: لا، ومثله عن أبي هريرة، وجابر.
وعن جابر من رواية: أبي سلمة، أنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتلها.
وفي رواية ابن عبَّاس: أنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور، وكان أكل منها فمات بها، فقتلوها.
وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث: أنَّ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتلها.
قال القاضي: وجه الجمع بين هذه الرِّوايات والأقاويل: أنَّه لم يقتلها أوَّلاً حين اطَّلع على سمِّها، وقيل له: اقتلها، فقال: لا، فلمَّا مات بشر بن البراء من ذلك، سلَّمها لأوليائه فقتلوها قصاصاً، فيصحُّ قولهم: لم يقتلها، أي: في الحال، ويصحُّ قولهم: قتلها أي: بعد ذلك. انتهى.
فالأقرب إلى الصواب القول بوجوب القصاص، وعلى هذا فالواجب على هذا القاتل أن يخبر أولياء الدم، فإن شاءوا طالبوا بالقصاص، وإن شاءوا ارتضوا الدية أو عفوا عن القاتل. وللمزيد من الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 11470، وهي في أنواع القتل وما يترتب على كل نوع منها.
والله أعلم.