عنوان الفتوى : قطيعة الأهل تؤدي إلى خسارة الدنيا والآخرة
أنا فتاة عمري 22 عام أدرس بجامعة بأمريكا قررت التخلي عن جميع خدمات أهلي لي الذين أحضروني للدراسة قبل خمسة أعوام وصرفوا علي كل حاجياتي إلى أن صار عمري 22 عاما، فقررت مقاطعتهم كليا أبي وأمي وأخي وجدتي وجدي وخالي فهربت منهم والتجأت لحماية الجامعة والشرطة من اضطهادهم لي .أريد أن اعيش حياتي لوحدي. غيرت جميع هواتفي وطلبت من الشرطة حماية معلوماتي الخاصة حتى لا يستطيعوا الاتصال بي أبدا فالقانون يحمي حقوقي الشخصية وأنا لا أريد منهم أي شيء، ما هي عقوبتي بالدنيا والآخرة لأنني قطعت رحمي؟ أرجو ذكر جميع الأدلة من القرآن والسنة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكرك أولا على كتابتك إلينا ونسأل الله تعالى أن يحفظ لنا ولك ديننا، وأن يقينا شرور أنفسها وسيئات أعمالنا.
ونحسب أنك قد أحسست بخطورة الأمر وأنك تريدين تصحيح المسار فإن شأن الرحم عظيم، فقد أمر الله تعالى بصلتها وأكد على ذلك أشد التأكيد وحرم قطعها وحذر من ذلك أشد التحذير. قال سبحانه: وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1} فقرنها بتقواه، وقال أيضا عز وجل: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد 22-23}، فبين أن قطعها من الفساد في الأرض، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى، قال: فذاك لك.
وروى مسلم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع رحم.
والاخطر في أمرك أن تصل القطيعة إلى قطيعة الأبوين، وقد جعل الله تعالى على الولد للوالدين الحق العظيم، فقرن حقه بحقهما وجعل شكره مع شكرهما، وأوجب الإحسان إليهما ومصاحبتهما ولو كانا كافرين، حيث قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: 23} وقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً {لقمان: 14- 15}. وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، قال قلت ثم أي قال: بر الوالدين، قال: قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخل الجنة منان ولا عاق والديه ولا مدمن خمر.
فتبين لك بهذا أن في استمرارك على هذه القطيعة خسران الدنيا والآخرة، فننصحك بالمبادرة إلى التوبة وصلة أهلك والعودة لبيت والديك، وينبغي أن تحمدي الله كثيرا على أن أبقاك حتى تتوبي إلى الله ولم يفاجئك الموت وأنت قاطعة لرحمك عاقة لوالديك.
ولاندري ما الذي دعاك إلى فعل ما فعلت ولم تذكري عن أهلك إلا كل خير وغير أياديهم السابغة والسابقة، فهل جزاء الإحسان الإحسان أم الإساءة؟ وإننا نخشى أن تكوني قد وقعت فريسة لدعوى الحرية الشخصية والتي قد تجعل الفتاة تتمرد على والديها وأن تمارس من الشر والفساد ما تريد، وإننا نربأ بك أن تكوني من مثل هؤلاء الفتيات.
والله أعلم.