عنوان الفتوى : تفنيد ما تطاولت به الكاتبة بسنت رشاد على النبي وسنته
وأنا أبحث في النت على بعض الأحاديث النبوية وجدت موضوعا في أحد المواقع العلمانية وقد جذبني عنوانه وها هو الموضوع, لكن هذا الموضوع جعلني أفكر وأعيد التفكير في ذهني و خفت أن يهز إيماني بديننا الحنيف أرجو الرد علي من أحد الفقهاء أو الشيوخ على هذا الموضوع, لماذا منع الأزهر الحب والجنس في حياة النبي؟ ١٢ آذار (مارس) ٢٠٠٨، بقلم أيمن رمزي نخلة. تحدثت في مقال سابق عن الإرهاب الفكري للأزهر. وسألت: حتى متى يكون الأزهر والدين هو المرجعية لكل مناحي الحياة؟ وذكرت مدى إهانة وإهدار حقوق المفكرين الذين يخرجون من أسلوب النقل إلى مستوى تفكير العقل. وظهر واضحاً كيف أن كل إبداع أئمة النقل هو الحديث المستفيض في فتاوى النكاح والجنس وتوابع ذلك من مواضيع تافهة وساذجة تسحب عالمنا العربي نحو مزيد من التخلف والفقر الفكري والحضاري في كل مناحي الحياة، حتى انتشرت الأمراض الاجتماعية والصحية والعقلية في كل عالمنا العربي. لكن لماذا رفض وصادر الأزهر ـ الشريف ـ كتاب الحب والجنس في حياة النبي للكاتبة بسنت رشاد؟ أولاً: الأحاديث غير الصحيحة لنبي الإسلام وخطايا الرسول المنسية في كتاب "الحب والجنس في حياة النبي". من الصفحة الأولى إلى الصفحة الرابعة والأربعين، المؤلفة تدافع عن نبي الإسلام وعن زوجته عائشة وكأنهما إلهان لم يخطئا، بل وتبرر أية أفعال نسائية شاذة أو جامحة العقل لعائشة ـ باعتبارها طفلة غير ناضجة وطبقا للأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم ـ أو لا تتفق مع الذوق العام. دافعت المؤلفة ـ بل وبررت بكل قوة ـ عن خطايا وأخطاء الرسول، وكأنه منزه عن الخطأ. تحدثت عن نبي الإسلام باعتباره لا شريك له في الطهارة. وضعت المؤلفة محمد رسول الإسلام في مصاف الآلهة. فهو الذي لم يضع الله وزره الذي أنقض ظهره، وهو الذي لم يشرح الله صدره. تناست المؤلفة حياة النبي يوم ولادته وهو القائل عن ذاته ـ في الأحاديث الصحيحة: ـ أنه نُخس من الشيطان يوم ولدته أمه. ونسيت المؤلفة أن الرسول الكريم اعترف بأن الشيطان يوحي ويلقي على لسان الأنبياء كلاما كاذباً، بل وأحيانا أخرى يقول له كلاما ضد كلام الله الذي يأتي سريعاً ليُنسي نبيه المحمود المختار والمصطفى كلمات ذلك الشيطان بعد أن يكون سمعها المحيطون به وربما حفظها بعضهم ورددوها لغيرهم, صراع القوى بين الشيطان والرحمن. أقول هذا لرد الشبهات عن بعض المتحاورين معي عبر البريد أو في محادثات شخصية أنه ربما تكون بسنت رشاد الكاتبة غير مسلمة وانتحلت شخصية كاتبة مسلمة. ما ذكرته الكاتبة من تعظيم لنبي الإسلام ـ في بداية الكتاب ـ يؤكد تماماً أنها مسلمة. لكن.. في الصفحة الرابعة والأربعين، ذكرت المؤلفة: "هناك مَن يحاول إعمال العقل في السنة النبوية". ذكرت بعض الأسباب العقلية لرفض الأحاديث النبوية للبخاري ومسلم ـ باعتبار تعامل المسلمين أنهما أصح الصحيحين بعد القرآن ـ والسنة النبوية والتي لا تتفق مع العقل لفقدانها التواتر الواضح ولبعد المسافة بينها وبين رسول الإسلام. إن الذين يعتمدون ويناقشون ذلك يعتمدون على طلب صريح للنبي القائل: "لا تكتبوا عني غير القرآن، ومَن كتب شيئاً غير القرآن فليَمحه". واستشهدت برأي الأستاذ شاكر النابلسي القائل أن قرنين من الزمان منذ وقت موت محمد وجمع وكتابة الأحاديث والسنة كافيين لتعرض الأحاديث للنسيان أو التحريف أو التأليف، وكذلك السُنة النبوية التي يعتبرونها مطهرة ولا يأتيها الباطل من بين يديها. استشهدت الكاتبة برأي الشيخ أحمد صبحي منصور ـ زعيم أهل القرآن المطرود من أجل آرائه التنويرية ـ الذي يرى أن هذه الأحاديث وضعت لأغراض سياسية ضد الإسلام نفسه. والشيخ الألباني الذي يرى أن الأحاديث بها الكثير من الموضوع والمحرف والمؤلف وذلك لأن البخاري جمع 600 ألف حديث، ولم يثبت إلا 4آلاف صحيح. وجمع مسلم 300ألف حديث، ولم يصح إلا 12 ألف. وأبو داود جمع 500ألف حديث، ولم يصح منها غير 4800 حديث. وفي نهاية هذا الفصل تذكر الكاتبة رأي "أهل القرآن" في العصر الحديث أنهم رفضوا كل الأحاديث جمعاء لأن أغلبها لا يصل في تواتره إلى شخصية الرسول. ويطعن القرآنيون في الشخصيات التي توارثت في إسناد هذه الأحاديث، فهم يذكرون أن القرآن وحده هو كلمة الله المعصومة لعصمة نبيه أثناء كتابته، أما الأحاديث فقد كتبها بشر لهم أهواء سياسية وأغراض ربما غير شريفة فتقول على الله ورسوله ـ كما يدعون ـ فكيف نقدس أقوالهم ومنها الذي يتناقض تماماً مع القرآن نفسه، أو مع العقل والمنطق والعلم الحديث؟ هل مجرد رأي فكري للكاتبة مع استناد بآراء آخرين من القرآنيين تتفق مع العقل ضد النقل يتم هدر دمها ومصادرة حريتها في التعبير عن رأيها؟ البقية يتبع في
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
هذا الكلام ليس بجديد فالحملة المسعورة على الإسلام وثوابته ومحكماته قديمة، ونطمئن السائلة بأن الله – جل وعلا – تكفل بحفظ دينه وكتابه، وها هو القرآن شامخا بين أيدينا لم يزد فيه حرف ولم ينقص.
والكتاب المذكور من الكتب الخبيثة الحاقدة المحشوة بالترهات والأباطيل والكذب والبهتان والهدف منه - الطعن في السنة النبوية وصحتها، والتقليل من مكانة وقداسة النبي في قلوب المسلمين، والتشكيك في أمانة ونزاهة علماء الإسلام العظام أمثال البخاري وغيره.
والأزهر قد شكل لجنة لدراسة الكتاب انتهت إلى أن هذا الكتاب مملوء بالأباطيل وأوصت بمصادرته، ونعم ما فعلت.
وكان ينبغي على السائلة أن تعرض عن مثل هذه الأباطيل الواهية، والشبهات الزاهقة، ولا تنصت إليها، لأن الواجب على المسلم ألا يعرض نفسه لمواطن الفتن، ومزالق الشبهات، ولكن أما وقد كان ما كان، فإنا – بحول الله وقوته ومنه وحده نستمد التوفيق والسداد – سنفند هذه الأباطيل ونرد عليها بما يشفي صدور قوم مؤمنين، ويكبت قلوب الكافرين فينقلبوا- بإذن الله - خائبين.
أولا: بالنسبة لأمر السيدة عائشة وزواج النبي بها وهي في سن التاسعة من عمرها، فنقول: إن البيئة الحارة في الجزيرة العربية كانت تساعد على سرعة البلوغ لدى االشباب والفتيات، وخصوصا الفتيات وهذا أمر ثابت علميا ومعلوم بالمشاهدة، والكتب التاريخية التي نقلت زواج النبي من السيدة عائشة في هذه السن هي بعينها التي نقلت أنها كانت مخطوبة قبل ذلك لجبير بن مطعم ابن عدي وهذا ليدل على أن هذا الأمر كان مألوفا عند العرب، فليس رسول الله هو أول من فعله جاء في تاريخ الطبري: فقد خطبها المطعم بن عدى الى ابنه جبير فلما جاءت خوله بنت حكيم لتخطبها لرسول الله قال لها ابو بكر انتظرينى حتى أرجع...وقالت أم رومان تجلو الموقف للخاطبه: إن المطعم بن عدى كان قد ذكر عائشة على ابنه جبير ولا والله ما وعد أبو بكر شيئا قط فأخلف.
فدخل أبو بكر على مطعم وعنده امرأته أم جبريل وكانت مشركة فقالت العجوز: يابن أبي قحافه لعلنا إن زوجنا ابننا بابنتك، أن تصبأ وتدخله في دينك الذى أنت عليه ؟!
فلم يرد عليها أبو بكر، بل التفت إلى زوجها المطعم وقال: ما تقول هذه؟ أجاب: إنها تقول ذلك الذى سمعته.
فخرج أبو بكر وقد شعر بارتياح لما أحل الله من وعده وعاد إلى بيته فقال لخولة: ادعي رسول الله.
فهذا ليدل أن أمر الزواج في هذه السن كان شائعا لديهم، ومما يؤكد هذا أن قريش مع عدائها الشديد لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتربصها به فإن أحدا منهم لم يذكر هذا الفعل من رسول الله على جهة الانتقاص أو الطعن، بل لم يطعن فيه إلا شياطين هذا الزمان،الذين ينادون بالحرية الشخصية ويتشدقون بها، فيادعاة الحرية: إذا كانت عائشة قد رضيت بزواجها من رسول الله وأبوها وأمها راضون فمن أي شيء تنقمون؟
وأما ما جاء من كلامهم حول الكلام الذي يلقيه الشيطان على لسان النبي، فهم يقصدون بذلك قصة الغرانيق، وقد سبق الكلام عن هذه القصة بالتفصيل في الفتاوى رقم: 22950، 9681، 28282.
وأما أمر تأخر تدوين السنة ودعوى أن هذا مدعاة لعدم الوثوق بها فنقول: إن السنة قد كتب منها شيء كثير على عهد رسول الله ومن ذلك ما يلي:
1. الصحيفة الصادقة: التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد انتقلت هذه الصحيفة إلى حفيده عمرو بن شعيب، وأخرج الإمام أحمد في مسند عبد الله بن عمرو من كتابه المسند قسمًا كبيرًا من أحاديث هذه الصحيفة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ويروي العلماء أنه كتب فيها ألف حديث.
3- صحيفة سعد بن عبادة، فقد أخرج الترمذي في سننه، عن ابن سعد بن عبادة قوله: وجدنا في كتاب سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين والشاهد. وصححه الألباني.
4- كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أمرائه وعماله، فيما يتعلق بتدبير شؤون الأقاليم الإسلامية وأحوالها، وبيان أحكام الدين، وهي كتب كثيرة تشتمل على مهمات أحكام الإسلام وعقائده، وبيان الأنصبة والمقادير الشرعية للزكاة، والديات والحدود والمحرمات وغير ذلك، ومن هذه الكتب:
أ- كتاب الزكاة والديات الذي كاتب به أبو بكر الصديق وأخرجه البخاري في صحيحه، فقد روى أبو داود والترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه حتى قبض.
ب- كتابه لعمرو بن حزم عامله على اليمن، بين فيه أصول الإسلام، وطريق الدعوة إليه، والعبادات وأنصبة الزكاة والجزية والديات.
ج-كتابه إلى وائل بن حجر لقومه في حضرموت، وفيه الأصول العامة للإسلام، وأهم المحرمات.
5- كتبه صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء يدعوهم فيها إلى الإسلام، ككتابه إلى هرقل ملك الروم، وإلى المقوقس بمصر، وغيرهم.
6- عقوده ومعاهداته التي أبرمها مع الكفار، كصلح الحديبية، وصلح تبوك، وصحيفة المعاهدة التي أُبرمت في المدينة بين المسلمين وبين من جاورهم من اليهود وغيرهم.
7. كتب أمر بها صلى الله عليه وسلم لأفراد من أصحابه لمناسبات ومقتضيات مختلفة، مثل كتابة خطبته لأبي شاه اليماني في الحديث المتفق عليه.
وغير ذلك مما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم مما لم نحصه هنا، أو لم نحط به علمًا، وهو كاف لإثبات تواتر الكتابة في عهده صلى الله عليه وسلم وإثبات أن ما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم تناول قسمًا كبيرًا من حديثه، هو أهم هذه الأحاديث وأدقها لاشتمالها على أمهات الأمور.
وأما الأحاديث الواردة في النهي عن كتابة السنة على عهد النبي فقال النووي في شرحه على صحيح مسلم: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن فلما أمن ذلك أذن في الكتابة، وقيل: إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة ؛ لئلا يختلط، فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة.انتهى
وهذا النهي له حكم آخر غير الحفاظ على القرآن من اختلاطه بالسنة منها:
أن السنة النبوية ثلاثة أنواع؛ قولية وعملية وتقريرية فالتقريرية يعني يرى النبي صلى الله عليه وسلم أمرا بين يديه فيستحسنه أو يسكت عنه فهذا حديث تقريري، والعملية كالأحاديث التي تحكي صفة صلاته وحجه وسائر أموره، فهل يتصور عقلا أن يكتب الصحابة كيف كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين كانوا يمارسون هذا معه ذلك عمليا، فلو أنه أمر بتقييد الحديث على الورق لضاع على الناس السُنّة التقريرية والعملية، واعتمد الناس على المكتوب القولي فقط، فالنبي يريد أن يعيش المسلمون في زمنه السُنّة تطبيقا وأداءً واتباعا،من باب حمل الصحابة على تطبيق السُنّة وممارستها قولا وفعلا وسلوكا.
أما ما لم يكتب وكتب بعد ذلك في عهد عمر بن عبد العزيز فهذا أيضا لا مطعن فيه؛ لأن العرب أمة أمية وذلك جعلهم يعتمدون على الذاكرة اعتمادا كبيرا، فالعرب معروفون بقوة الذاكرة التي كانت تغنيهم كثيرا عن التدوين، وكانوا أحفظ شعب عرف في ذلك الزمن، بل كانوا يعدون الكتابة عيبا كما جاء في كتاب "الأغاني" عن ذي الرمة لما رآه أحد الناس يكتب وقال له: أتكتب؟ فقال بيده على فيه: اكتم علي فإنه عندنا عيب. وكانوا يعدون الفتوة هي الاعتماد على الذاكرة والحفظ.
ثم من قال إن الذين أخذوا عن الصحابة لم يدونوا لأنفسهم كما دون بعض الصحابة؟
أضف إلى ذلك أن الشروط الشديدة التي اشترطت في تلقي الخبر وقبوله، وعلوم الجرح والتعديل، تثبت المصداقية لهذه الأحاديث التي حكم عليها العلماء بالصحة.
وأما الضعيف والموضوع فقد بينوه.
وأختم حديثي بكلام للشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله في كتاب "شبهات حول السنة" قال: فإن السنَّة لم تدون أسانيدها إلا في وقـت متأخر، أما متون الأحاديث فمن المفروغ منه أنه دونها بعضهم، فهذا عبد اللّه بن عمرو بن العاص - رضي اللّه عنهما- دوَّن وكتب بعض الأحاديث لنفسه.
وقال في موضع آخر: فمن أين علم هؤلاء المعارضون أن الذين نقلوا عن الصحابة لم يدونوا لأنفسهم ولم يكتبوا اسم الصحابي الذي روى لهم، إنما الذي تأخر بعد المائة جمع المتون والأحاديث في دواوين مختلطة بالآثار والفقهيات أولا، ثم جُرِّد هذا من هذا في بعض الكتب كما جُرِّد صحيح مسلم من الآثار والفقهيات، وبقي الوضع على هذا في بعض الدواوين؛ مثل صحيح البخاري. وقال في موضع ثالث: ففي رد هذه الشبهة يراعى ما يلي:
أولا: أنه لم يكن هناك بعد السند الطويل الذي يحتاج إلى تدوين وإلى كتابة الدواوين.
ثانيًا: أنه ليس في تأخر تدوين دواوين الحديث إلى ما بعد ذلك دليل على أن أولئك الأتباع لم يكتبوا عمن رووا عنه، من شيخ أو شيخ شيخ، والسند في ذلك الوقت لم يكن فيه سوى راو واحد أو اثنين.
ثالثًا: ثم الشروط التي اشترطت من جهة الضبط وعدالة الراوي وأمانته واتصال السند كفيلة ببعث الثقة في النفس بأن هذا ثابت عن الرسول.
وأما الحديث عن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالقرآنيين - والقرآن منهم براء- فقد سبق الحديث عنهم في الفتاوى ذات الأرقام:25570، 31742، 108792.
والله أعلم.