عنوان الفتوى : نذر صيام عشرة أيام إذا نجح وقد نجح فهل له تأخير صومها
صديق لي نذر أن يصوم عشرة أيام إذا نجح وخصوصا أن نقاطه كانت ضعيفة جداً هذه السنة، ولكن الحمد لله قد نجح وبمعدل جيد وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى وهو يريد أن يفي بنذره، ولكن نحن الآن في وقت الصيف والأيام طويلة ولا يرغب بأن يصوم تلك الأيام في هذا الفصل ويريد أن يصومها فقط عندما تكون الأيام قصيرة بعض الشيء، فهل من حرج في ذلك أم لا؟ أي هل يجوز التأخير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على صديقك أن يفي بذلك النذر لحديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه.
وطالما أن هذه الأيام العشرة غير معينة فيجوز له تأخيرها حتى يصومها في الأيام القصيرة، ففي صحيح البخاري في قصة الحديبية أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست كنت تحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام، قال: لا، قال: فإنك آتيه مُطوف به.
قال الحافظ ضمن سياق فوائد هذا الجزء من الحديث: وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته. انتهى.
والنذر واليمين بابهما واحد، لكن الأفضل له أن يبادر بصيام هذه الأيام ليعجل بإبراء ذمته، وقد قال تعالى: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ {البقرة:148}.
ونحب أن ننبهك هنا إلى أن هذا النوع من النذر -نعني النذر المعلق على شرط- مكروه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن النذر لا يأتي ابن آدم بشيء إلا ما قدر له ولكن يغلبه القدر ما قدر له فيستخرج به من البخيل فييسر عليه ما لم يكن ييسر عليه من قبل ذلك، وقد قال الله أنفق أنفق عليك. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه وهو ثابت في الصحيح بمعناه، وفي هذا النوع من النذر لون من سوء الأدب مع الله عز وجل ولهذا كره، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة المرغبة في النذر والناهية عنه.
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في الأضواء: والظاهر لي في طريق إزالة هذا الإشكال الذي لا ينبغي العدول عنه أن نذر القربة على نوعين.
أحدهما: معلق على حصول نفع، كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي لله نذر كذا، وإن نجاني الله من الأمر الفلاني المخوف فعلي لله نذر كذا ونحو ذلك.
والثاني: ليس معلقاً على نفع للناذر، كأن يتقرب إلى الله تقرباً خالصاً بنذر كذا من أنواع الطاعة، وأن النهي إنما هو في القسم الأول؛ لأن النذر فيه لم يقع خالصاً للتقرب إلى الله بل بشرط حصول نفع للناذر، وذلك النفع الذي يحاول الناذر هو الذي دلت الأحاديث على أن القدر فيه غالب على النذر وأن النذر لا يرد فيه شيئاً من القدر... اهـ
وهذا الذي قاله الشيخ الشنقيطي رحمه الله هو ما قاله كثير من الفقهاء من أن النذر المكروه إنما هو النذر المعلق.
والله أعلم.