عنوان الفتوى : مذاهب أهل العلم في كيفية استقبال البعيد عن مكة للقبلة
ما مقدار الجهة بالنسبة للبعيد .هل هو 90 درجة أم 180 درجة؟ و ما الدليل على ذلك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل السائل يسأل عن كيفية استقبال البعيد عن مكة للقبلة؟ ونظنه يعني بـ 90 أو 180 درجة: مقدار الانحراف المعفو عنه عن عين الكعبة . وفي هذه المسألة ورد الحديث الشريف: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ. رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
قال العراقي: ليس هذا عاما في سائر البلاد، وإنما هو بالنسبة إلى المدينة المشرفة وما وافق قبلتها. وهكذا قال البيهقي في الخلافيات. وهكذا قال أحمد بن خالويه الرحبي قال: ولسائر البلدان من السعة في القبلة مثل ذلك بين الجنوب والشمال ونحو ذلك. قال ابن عبد البر: وهذا صحيح لا مدفع له ولا خلاف بين أهل العلم فيه. وقال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عن معنى الحديث، فقال: هذا في كل البلدان إلا بمكة عند البيت؛ فإنه إن زال عنه شيئا وإن قل فقد ترك القبلة. ثم قال: هذا المشرق ـ وأشار بيده ـ وهذا المغرب ـ وأشار بيده ـ وما بينهما قبلة. قلت له: فصلاة من صلى بينهما جائزة؟ قال: نعم، وينبغي أن يتحرى الوسط. قال ابن عبد البر: تفسير قول أحمد هذا في كل البلدان، يريد أن البلدان كلها لأهلها من السعة في قبلتهم مثل ما لمن كانت قبلته بالمدينة الجنوب التي تقع لهم فيها الكعبة فيستقبلون جهتها ويتسعون يمينا وشمالا فيها ما بين المشرق والمغرب .. وإنما تضيق القبلة كل الضيق على أهل المسجد الحرام، وهي لأهل مكة أوسع قليلا، ثم هي لأهل الحرم أوسع قليلا، ثم هي لأهل الآفاق من السعة على حسب ما ذكرنا (تحفة الأحوذي، الاستذكار} .
وقد اختلف أهل العلم في كيفية استقبال البعيد عن مكة للقبلة،
جاء في الموسوعة الفقهية: فمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّة، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَكْفِي الْمُصَلِّي الْبَعِيدَ عَنْ مَكَّةَ اسْتِقْبَال جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِاجْتِهَادٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إصَابَةُ الْعَيْنِ، فَيَكْفِي غَلَبَةُ ظَنِّهِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي أَمَامَهُ، وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ أَنَّهُ مُسَامِتٌ وَمُقَابِلٌ لَهَا ... وَاسْتَدَلُّوا بِالآْيَةِ الْكَرِيمَةِ : وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ {البقرة: 144}
وَقَالُوا : شَطْرَ الْبَيْتِ نَحْوَهُ وَقِبَلَهُ ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ : "مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ" ... والأظهر عند الشافعية، وهو قول لابن القصار عند المالكية، ورواية عن أحمد اختارها أبو الخطاب من الحنابلة: أنه تلزم إصابة العين . واستدلوا بقوله تعالى : { وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } أي جهته.
والمذهب الأول أرجح وهو المفتى به عندنا، وظاهر الحديث كما يقول ابن قدامة وغيره أن جميع ما بين المشرق والمغرب قبلة. وعليه فما دام متوجها إلى ما بينهما فهو متوجه إلى القبلة، وإن حصل انحراف ما دام لا يخرجه إلى استقبال المشرق والمغرب.
والله أعلم.