عنوان الفتوى : اشتراط الأجرة على الرقية
ما حكم الشرع في أخذ الأجر عن الرقية الشرعية، وهل يجوز قطع أجر بعينه أو ثابت، وهل إذا لم يكتب الله الشفاء للمريض يكون في هذا إثم على الراقي لاجتهاده؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بأس بأخذ العوض على الرقية بالقرآن، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجراً؟! حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجراً!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله. رواه البخاري في باب (الشرط في الرقية بقطيع من الغنم)، وقال البغوي في شرح السنة: في الحديث دليل على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وجواز شرطه، وإليه ذهب عطاء والحكم، وبه قال مالك والشافعي، وأبو ثور، قال الحكم: ما سمعت فقيهاً يكرهه، وفيه دليل على جواز الرقية بالقرآن وبذكر الله، وأخذ الأجرة عليه، لأن القراءة والفقه من الأفعال المباحة. انتهى.
وعن علاقة بن صحار رضي الله عنه قال: أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا على حي من العرب، فقالوا: إنا أنبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير فهل عندكم من دواء أو رقية، فإن عندنا معتوهاً في القيود؟ قال: فقلنا: نعم، قال: فجاءوا بمعتوه في القيود، قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمتها أجمع بزاقي ثم أتفل، فكأنما نشط من عقال، قال: فأعطوني جعلاً، فقلت: لا؛ حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كل، فلعمري من أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق. رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
ولا بأس بتعيين واشترط هذا العوض قبل الرقية، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال: بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ (الحمد لله رب العالمين) فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية. ثم قال: قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهماً. رواه البخاري ومسلم.
وأما مسألة عدم حصول الشفاء بعد الرقية واستحقاق الأجرة، فهذا بحسب الشرط، فإن اشترط الراقي أخذ الأجرة على رقيته بغض النظر عن أثرها فلا بأس، وإن اشترط المريض أن لا يدفع شيئاً إلا إن عوفي فلا بأس أيضاً، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن أخذ الأجرة على الرقية، فقال: أما من جهة أخذ الأجرة على الرقية على المريض فلا بأس بها... إلخ. فقال السائل: ولكن هل أخذ الأجرة مشروط بأنه إذا شفاه الله عز وجل؟ فقال الشيخ: نعم، يجوز أن يشترط المريض أو المصاب على القارئ على أنه إن عوفي من ذلك فله كذا وكذا، وإلا فلا شيء له. لقاء الباب المفتوح..
وقد سبق ذكر حكم أخذ الأجرة على الرقية الشرعية في الفتوى رقم: 6125. ثم لا يخفى أنه مع جواز أخذ الأجرة على الرقية إلا أن الأفضل أن يفعلها الراقي حسبة لله تعالى.
والله أعلم.