عنوان الفتوى : المبالغة في الاستبراء غير مطلوبة شرعا
كنت قد أبرزت من قبل في أسئلتي السابقة الحالة التي أردت عرضها عليكم لمعرفة هل أكون من أصحاب الأعذار أم لا (وهي خروج الريح المتواصل أي سلس البول أو الريح كما هو متفق عليه) وكنت قد تلقيت إجابتكم عن ذلك، ولكن في الحقيقة أردت توضيحاً أو تشخيصا أكثر لما أمر به وأحكم على نفسي بكوني صاحب سلس حكما نهائيا إلى أن يشفيني اللّه عزّ وجلّ من ذلك المرض، وبالتالي ما أمرّ به حاليا هو: أنّني أبقى حقيقة دون مبالغة في بيت الراحة أو الحمام قريب ساعة وأنا أحاول التبرز والاستبراء حتى أستطيع أداء الوضوء والصلاة دون حيرة وتكرار العمليتين لكن بعد ذلك وعند الوضوء للصلاة يكثر خروج الريح وقطرات البول التي توشك أن تنزل وأحس أني أمسك الريح حتى لا تخرج أو تلك القطرات حتى لا تنزل في نفس الوقت أي أحس بتعمدي لذلك فأعيد الوضوء ومكثت على هذه الحالة شهرا أو أكثر مما جعلني أعمد إلى الجمع الصوري للصلوات المشتركة في الوقت حسب مذهبنا المالكي لكن خالفت ذلك من ناحية الوضوء أي لكل صلاة وضوؤها عكس ما يقول به الإمام مالك رحمه اللّه، فماذا أفعل لأني محتار كثيرا وأشعر بتوتر في كل مرة أقبل عليها للصلاة بتلك الكيفيّة (زرت الطبيب وقال إنّه دم منحصر في المجرى البولي وأنّه سيزول لكن وللأمانة ارتحت قليلا لكن سرعان ما أصبحت أشعر بقلق عند التبول والتبرز وهي نفس الحالة ربما لأنّي لا أشرب الماء كثيراً كما أشار إليه الطبيب كذلك؟ بارك الله فيكم. كما أريد الإستفسار عن كيفية إمامتي لزوجتي إن شاء اللّه إذا تزوجت وأنا على هذه الحال، هل أصارحها بذلك.جازاكم اللّه عنا كل خير.
خلاصة الفتوى:
مجرد صعوبة التبرز والاستنجاء لا يعتبر سلساً وعلى من يعتريه ذلك أن ينتظر حتى يتحقق من انقطاع الحدث ثم يستنجي، ولا ينبغي أن يبالغ في الاستبراء بحيث يصير موسوساً، وليتجنب طول المكث في الحمام زيادة عن الحاجة، فإن كان الحدث متواصلاً بحيث لا ينقطع وقتاً يتسع للوضوء والصلاة فله حكم السلس، ويجوز له أن يجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء بوضوء واحد.
أما إذا كان السائل صاحب وسوسة وهو احتمال قوي فيما يبدو فليعلم أن العبادة مبناها على التخفيف ورفع الحرج، فيكفيه في الاستنجاء تنقية المخرج بمسحه أو غسله ولا يتكلف إخراج ما ليس بخارج، وإذا استنجى فلا يلتفت بعد ذلك إلى الإحساس بأن الحدث سيخرج، إذ لا عبرة بما لم يخرج كما لا عبرة بالشك في خروج ذلك أيضاً؛ بل لا بد من تيقن الخروج.
أما فيما يتعلق بإمامته لزوجته مستقبلاً.. فإن لم يكن صاحب سلس فلا حرج في اقتدائها به، وإن كان ذا سلس فقد اختلف أهل العلم في حكم إمامة صاحب السلس لغيره ممن ليس من أهل السلس، فقال بعضهم لا تصح إمامته به، وقال بعضهم تجوز، وقال آخرون تجوز مع الكراهة، ثم إنه لا يجب إعلام زوجته بأنه مصاب بسلس لأنه لا علاقة لذلك بالحياة الزوجية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مما ينبغي توضيحه للأخ السائل هو أن كونه يجد صعوبة في التبرز وعملية الاستنجاء لا يجعله صاحب سلس، وإذا لم يكن من أهل الوسوسة فعليه أن يتحرى حتى يتحقق من انقطاع البول والغائط ولو استغرق ذلك وقتاً، لأن انقطاع ذلك شرط لصحة الوضوء الذي هو من شروط صحة الصلاة، فإن أحوال الناس تختلف في البطء وعدمه في الاستبراء، لكن لا ينبغي أن يبالغ الشخص في الاستبراء بحيث يصير موسوساً وليتجنب طول المكث في الحمام زيادة عن الحاجة لما يترتب على ذلك من مخاطر صحية، كما ذكر العلماء، فإن كان الحدث متواصلاً بحيث لا ينقطع وقتاً يتسع للوضوء والصلاة فله حكم السلس، ويجوز له الجمع بين الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء بوضوء واحد، وإن كان صاحب وسوسة -وهو احتمال قوي فيما يبدو- فليعلم أن العبادة مبناها على التخفيف ورفع الحرج، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، فيكيفيه في الاستنجاء تنقية المخرج من البول أو الغائط، ولا يتكلف إخراج ما ليس بخارج، وإذا استنجى فليعرض بعد ذلك عما يخيل إليه من وساوس في شأن خروج بعض الريح أو البول، ويستحب أن ينضح فرجه وسراويله بالماء بعد أن يستنجي، فإذا أحس ببلل بعد ذلك اعتبره من ذلك الماء الذي نضح به قطعاً للوسوسة، ولا يلتفت إلى ذلك الإحساس بأن الحدث سيخرج إذ لا عبرة بما لم يخرج، كما لا عبرة بالشك في خروج ذلك أيضاً، بل لا بد من تيقن الخروج لحديث عباد بن تميم عن عمه قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد ريحاً، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً. رواه البخاري ومسلم.
وقوله: لا ينصرف أي لا يخرج من الصلاة حتى يتيقن وجود الناقض بالصوت أو الرائحة لأن طهارته متيقنة والحدث مشكوك فيه والمتيقن لا ينتقض بالمشكوك فيه، فإنه إن أعرض عن ذلك مرة أو مرتين أو أكثر فستختفي عنه تلك الوساوس بإذن الله تعالى، فقد نص أهل العلم على أن أفضل علاج لمثل هذه الوساوس هو الإعراض عنها، فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون. وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله: اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان. انتهى.
أما فيما يتعلق بإمامته لزوجته مستقبلاً.. فإن لم يكن صاحب سلس فلا حرج عليه في اقتدائها به، وإن كان ذا سلس فقد اختلف أهل العلم في حكم إمامة صاحب السلس لغيره ممن ليس كذلك، فقال بعضهم لا تصح إمامته إلا بمثله من أصحاب السلس، وهو مذهب الحنابلة، وفي المذهب الشافعي تجوز إمامة ذي السلس بالصحيح، وفي المذهب المالكي تجوز مع الكراهة... فلا حرج في العمل بواحد من هذه المذاهب، والخروج من الخلاف أولى وذلك باجتناب الاقتداء بصاحب السلس، ثم إنه لا يجب إعلام زوجته بأنه مصاب بسلس لأنه لا علاقة لذلك بالحياة الزوجية، وراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 49872، 18415، 105783، 7507.
والله أعلم.