عنوان الفتوى : قتل رجلا مسلما لاعتقاده أنه تسبب في قطع رزقه
سؤالي: كان هناك رجل وتسبب بل وقف في قطع رزقي أنا وأولادي ومع أنني حاولت بكل السبل لكي يبعد عن طريقي ولكن لم يفعل، وأخيراً قتلته.. فهل أنا ينطبق علي قتل النفس إلا بالحق... وأنا إن شاء الله قتلته بحق لكي أبعده عني ولا تتدمر عائلتي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر أنك قتلت هذا الرجل بغير حق شرعي، وقتل النفس عمداً من أعظم الذنوب وأشنعها عند الله تعالى، كما جاء في نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}، وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70}، وقال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا {المائدة:32}، وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هن.؟ قال: الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. وأخرجا أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر فقال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، فقيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه. رواه البخاري ومسلم. وفي مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً. وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وما أطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ماله ودمه. وروى ابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق. رواه ابن ماجه. وأخرج أحمد والنسائي عن معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، والرجل يقتل مؤمناً متعمدا.
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار. رواه الترمذي وصححه الألباني. وروى الطبراني في الصغير من حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم الله جميعاً على وجوههم في النار. وعن معاوية رفعه: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً. أخرجه النسائي والحاكم وصححه الألباني.
وينبغي أن يعلم أنه على العبد أن يكون عنده يقين لا يخالجه شك أن رزقه بيد خالقه، فلا يستطيع أحد أن يعطيه شيئاً أو يمنعه شيئاً إلا بإذن الله، وأن الظن أن فلاناً يقطع أو يؤخر رزق فلان يعتبر من الظن الفاسد فعلى صاحبه أن يصحح هذا الخلل الواقع في صميم عقيدته، نسأل الله تعالى العافية وأنه لا يكفي مجرد النطق باللسان أن الله هو الرزاق بل لا بد أن يعلم تمام العلم ويتيقن كل اليقين أن رزقه ورزق غيره بيد من خلقه، قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا {هود:6}، وقال سبحانه: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ {فاطر:2-3}، وقال تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {يونس:107}، وقد ثبت في الحديث: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت. رواه البخاري ومسلم.
وصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم وصححه الألباني. هذا ومع قولنا إنه لا أحد يمنع ما أعطاه الله للعبد فإن تصرف هذا الرجل سبب من الأسباب قد يحصل بسببه إنهاء عقد عمل في وظيفة ما ويعتبر عمله ظلماً يستحق به العتب والتعزير، ولكنه لا يشرع أن تقدم أنت على قتله بسبب ذلك، ومن قتل نفساً معصومة الدم عمداً وجبت عليه التوبة وتسليم نفسه لأولياء الدم، فإما أن يعفو الأولياء وإما أن يقتصوا وإما أن يأخذوا الدية، على تفصيل في عقوبة القتل وأنواعه، والتخلص من تبعات هذا الذنب الآن أسهل منها في عرصات يوم القيامة، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على التفصيل في الأمر: 22713، 23376، 36858، 10808، 71326، 11470.
والله أعلم.