عنوان الفتوى : قتل العمد... حكمه... وكفارته
السلام عليكمماحكم قتل النفس عمداً علماً أن القاتل تاب توبة نصوحة كما أنه يجهل أهل الميت؟علماً أن القصة طويلة حيث استفتيت أهل الذكر فأجابوني أنه قتل عمد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قتل النفس التي حرم الله عمداً عدواناً يعد من أكبر الكبائر، يبين ذلك قول الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93].
وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".
وإذا تاب القاتل تاب الله عليه، وغفر له، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:68-69-70].
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة".
فدلت الآية والحديث على قبول توبة من قتل نفساً بغير حق، وعليه مع التوبة كفارة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
وهذا في حالة عدم القصاص، وإذا طلب أولياء القتيل القصاص سقطت الكفارة على القول الراجح، وكان قتله كفارة له، لما في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "... فمن أصاب من ذلك شيئاً - ما يوجب حداً كالسرقة والقتل - فعوقب به في الدنيا، فهو كفارة له".
ودليل وجوب الكفارة في قتل العمد هو: ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب (استحق دخول النار لقتله عمداً) فقال: أعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار".
قال الشافعي رحمه الله: "إذا وجبت الكفارة في الخطأ فلأن تجب في العمد أولى"، وتجب الدية في قتل العمد على القاتل معجلة في ماله إذا لم يعف أولياء القتيل، وفي حالة موت الأولياء، أو عدم معرفتهم، أو كونهم كفاراً حربيين، تؤدى الدية لبيت مال المسلمين، فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه" رواه ابن ماجه، وحسنه أبو زرعة كما في التلخيص الجبير.
وقال ابن العربي: لا خلاف بين المسلمين أن على قاتله (المسلم) الدية لبيت المال، وأن كون أقربائه كفاراً لا يوجب سقوط ديته، لأنهم بمنزلة الأموات حيث لا يرثونه".
فإن لم يوجد بيت المال، أو وجد، وكان يصرف في غير وجهه الشرعي، فينبغي للقاتل التصدق بالدية على الفقراء والمساكين، أو إنفاقها في المصالح العامة بنية الصدقة على القتيل.
والله أعلم.