أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : أرهقني الاكتئاب والوسواس القهري، وأشعر بحنين للماضي.
السلام عليكم..
أتمني أن أجد منكم المساعدة، فقد سئمت حياتي..
عانيت من الوسواس القهري منذ الطفولة من الخوف على أمي وأبي من الموت، بالإضافة لتكرار حركات معينة، ونظافة زائدة، وكبرت ولم يتطور الأمر كثيرا، بل على العكس تضاءل، وأصبح في تكرار وضوء أو صلاة، ولم يرهقني كثيرا، ثم تزوجت، وكان زوجي شديد الغيرة، ويمنعني من أشياء كثيرة، فإذا خرجت معه يتحكم في كل شيء، لا تلتفتي يمينا أو شمالا، قفي، وممنوع الخروج، وإذا خرجت بجانب البيت يسألني بالتفصيل عما حدث، ومنع الكثير من العلاقات الاجتماعية، حتى استسلمت للأمر الواقع، وكرهت الخروج نهائيا، وأنجبت ابنتي الأولى ثم الثانية، وبدأت حالتي تسوء.
كنت أخشي من الأمراض والجراثيم وأي لون أحمر، أعتقد بأنها دماء، وبها فيروس سي، وأخشى العدوى، وإذا خرجت ورأيت بقعة حمراء؛ أنظر إليها وأطيل النظر، وأرمي مشترياتي وكذلك حذائي قبل دخولي الشقة، وأصبحت أبكي كثيرا، ولا أريد التعامل مع أحد، وإذا جرحت أغطي الجرح، وأخشى التلوث، ثم أصبحت أرمي المعالق عندي، لتفكيري بأن الناس استخدموها عندي في السابق، ومنهم خالي المريض بفيروس سي. أصبحت لا أخرج، وإذا خرجت أعود وأبكي، لأني رأيت بقعا حمراء، وأنهار وأرمي ما اشتريته، حتى ملابسي، وأستحم، وأستخدم الكلور لغسل يدي، وأصبحت لا أستقبل أحدا عندي، حتى أهلي لا أدعهم يستخدمون أدوات المائدة أو الحمام، وإذا وجدت جرحا عندهم أنهار وأبكي، بل أني بسبب ذلك رميت الكثير من السجاد وملاءات السرير وغيره مما غلا ثمنه أو قل.
استسلمت وذهبت لطبيب نفسي، وأخذت لوسترال ونودبرين، وتحسنت قليلا ليس من جانب الوسواس، ولكن قل الاكتئاب، وشعرت بأني متأقلمة معه، ثم حملت بابنتي الثالثة، فتوقفت عن العلاج، فساءت حالتي كثيرا، بكاء مستمر، وعدم رغبة في الحياة، وعندما وضعت، رفضت وجود أحد معي في المستشفي غير أمي وأختي، وأخبرت أمي أنه إذا جاء أحد سأطرده، وكنت وقتها على خلاف مع زوجي، ثم أرضعت وحالتي سيئة، وضميري جعلني لا أستطيع إيقاف الرضاعة، ولكني كنت أموت، فأوقفت الرضاعة عندما أكملت ابنتي العام، ورجعت لدواء لوسترال من نفسي 3 حبات يوميا، وزولام قبل النوم، ولكني غير مرتاحة، فكلمت الطبيب لأني كنت لا أخرج إطلاقا بالشهور فقط، أخرج للضروريات كتطعيم ابنتي مثلا، فأصبحت لا أرى الشارع، وأخذت ابيليفاي ولكني لم أتحمله، وتعبت جدا، فاستبدله الطبيب بابيكسدون، ولكنه جعلني أنام، وهذا لا يتفق مع ظروفي كأم لثلاثة أطفال، فقد كثرت مشاكلي مع زوجي بسبب الغيرة، ورغم عدم خروجي إلا أنه أصبح كل شيء ممنوعا، ويغطي الشبابيك بأكياس سوداء حتى لا يرانا أحد لأننا انتقلنا لمنطقة أخرى، فوضعها مؤقتا لحين تركيب الستائر، وإذا تكلمت في الهاتف يطلب مني تثخين صوتي، وكان يعنفني دائما ويضربني كثيرا لأتفه الأسباب، ولا يريد طلاقي، فكرهت العلاقة بيننا، وكنت أرفضها تماما، وأشعر بعذاب إذا حدثت وأبكي، وكرهت حياتي معه، وأصبحت أشعر بأنه سبب ما أنا فيه، بسبب تحكماته، فهو يرفض عملي، أو أي هواية أمارسها، وإذا قاومت نفسي وخرجت يجلسني في آخر طاولة، ويظل طول الطريق يملي تحكماته، امشي هكذا، قفي، لا تدخلي المحل، وهكذا الآن كرهت كل شيء، وآخر مرة ضربني، فانهرت، وكنت سأرمي نفسي من الشباك، والآن أنا في حالة غريبة، وأشعر بحنين للماضي، ورغبة في رجوعه، وأعيش أحلام اليقظة، وأتذكر كل من تقدم لي، وأفكر هل لو كنت تزوجته كانت حياتي ستكون أفضل؟
أصبحت أبكي لمجرد أي شخص يسألني ما بك، وكذلك أصبحت متناقضة، فالحساب الشخصي للفيس بوك زوجي يمنعني أن يكون لي أية مشاركة فيه، أصبحت الآن أشارك وأكتب وأكذب على زوجي، ولا أشعر بتأنيب الضمي، بل أجد متعة في ذلك، وأفعل أشياء مثل: عندما أنشر الغسل لا أرتدي الحجاب، لأنه دائما يطلب مني أن أرتديه وقتها، ولكني أشعر بأني فرحة، لأنني أفعل شيئا من خلفه هو لا يحبه.
عندي حنين للماضي غريب، وأشعر بندم لاختياري له، لا أعرف ماذا بي، كل أصدقائي يشعر بأني أصبحت غير طبيعية، ويسألوني ماذا بك؟ وأنا لا أعلم؟
أريد الماضي بشدة، ورافضة للحاضر، وأعيش بخيالي أكثر، اشتركت في صفحة كليتي التي تخرجت منها دون علم زوجي على الفيس بوك، وأشارك أصدقائي الكلام، وأشعر بأني أموت ببطء، أقارن حياتي في الماضي، الكل كان يتمني كلامي من طلاب ومعيدين وحتى دكاترة الكلية، والكل يشهد بجمالي ورقتي، وكنت معروفة جدا، وبين حياتي الآن، وأني لاشيء، وساوس تطاردني، وأخشى الناس، ومجرد بقعة حمراء تقتلني، وزوج أشعر معه بأني مغصوبة على العيش معه.
لا أعرف ماذا بي؟ أصبحت قمة التناقض، وكل أصدقائي مندهشين.
أرجو مساعدتي والدعاء لي بظهر الغيب ونصيحتكم لي.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مشكلتك الرئيسية هي قطعًا أنك تعانين من وساوس قهرية، وساوس في شكلها المرضي، وكذلك تحمل شخصيتك سمات الضرورية لما تتسم وتتصف به الشخصية الوسواسية.
الوسواس بدرجة معقولة مطلوب، لأنه يعلم الإنسان على الانضباط وعلى الترتيب والتنظيم، لكن حين يكون بهذه الصورة التي تحدثت عنها وأنك تريدين أن تعيشي حياة معقمة، وشيء من هذا القبيل، لا شك أن ذلك مزعجًا جدًّا ومزعجًا كذلك لمن حولك وعلى رأسهم زوجك.
أعتقد أن أحد الإشكالات التي بينك وبين زوجك الآن هي موضوع سلوكك الوسواسي.
أنا لا أريد أن ألومك أو أضعف موقفك، ولكن أريد أن أنبهك لحقيقة علمية كبيرة، وهي أن صاحب الوساوس القهرية يصعب العيش معه، قد لا يتحدث الأزواج، أو قد لا تتحدث الزوجات إذا كان زوجها يعاني من الوسواس مثلاً، ولكن هذا الأمر يسبب الكثير من النكد ومن الضجر، ومن عدم التوافق ما بين الزوجين.
فأعتقد أن الخطوة الأولى هي أن تذهبي وبكل جدية للعلاج، وأعتقد أنك بالفعل قد شرعت في ذلك من خلال تناولك للزولفت، ولكن أعتقد أن ذلك قد لا يكفي، أعتقد أنك محتاجة لجلسات سلوكية منتظمة تساعدك في كيفية التعلم على التعريض للوساوس دون أن تستجيبي استجابات سلبية.
موضوع التردد الذي تعانين منه والتناقض كذلك، أعتقد أنه سلوكًا وسواسيًا، وهذا أمر قاطع ومؤكد.
الوساوس القهرية خاصة إذا كانت من هذا الطابع الذي تحدثت عنه تجعل الإنسان كثيرًا ما يحس بالضجر والملل وعسر المزاج، ويعرف تمامًا أن حوالي أربعين إلى خمسين بالمائة من الذين يعانون من الوساوس القهرية تكون لديهم مزاج اكتئابي واضح.
أيتها الفاضلة الكريمة: تبقى المشكلة الأخرى وهي الازدواجية في المعايير الحياتية ما بينك وبين زوجك.
فأنت تقومي بأشياء ليست مُرضية لزوجك وليست مقبولة، وأنت على قناعة بأنها قد لا تكون أمورًا صحيحة في مجملها، وإن كنت لا أرى بأسًا في أن تتواصلي مع صديقاتك (مثلاً) من خلال الفيسبوك أو خلافه، أعتقد أن هذا الأمر يحتاج منك لشيء من التدبر والتفكر والتأمل والتشاور مع زوجك بكل طيبة ولطف ورقة، ولا تقومي بأشياء من خلف ظهره، فهذا ليس أمرًا جيدًا، لأن أصحاب الوساوس القهرية دائمًا هم من الذين لديهم ضمائر حيّة وضمائر محترمة، وشفرة الفضيلة لديهم عالية، حين يقومون بأفعال غير متوافقة هذا يؤدي إلى تأزمهم داخليًا، وهذا غالبًا يكون على مستوى العقل الباطني وليس على مستوى الإدراك الواضح للإنسان.
فأرجو أن تتخذي قرارك حول هذه السلوكيات التي ليست مرضية لك وليست مرضية لزوجك أيضًا، وفي ذات الوقت أريدك أن تكوني شخصية لها استقلاليتها ولها هيبتها ولها إدراكها، ما هو خطأ لا تقومي به أبدًا، هذا يجعل نفس تحس بكرامتها الحقيقية، وتُدركين نفسك بوعي تام، وهناك أشياء طيبة وجميلة في الحياة يمكن أن تقومي بها، مثلاً أن تجتهدي أكثر في شؤون تدبير منزلك، وتربية أولادك، والتواصل مع والديك، وأن تذهبي إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن، هذا لن يمانع فيه زوجك أبدًا حقيقة.
فأرجو أن تسيري على الخط الذي فيه لك خيري الدنيا والآخرة.
الأمر الآخر هو: أعتقد أن العلاج الدوائي يحتاج لشيء من التعديل، اذهبي إلى طبيبك.
الزولفت دواء طيب وممتاز، لكن أعتقد أنه ربما يكون من الأفضل لك تناول البروزاك مع جرعة من الفافرين، وجرعة صغيرة جدًّا من الرزبريادال مثلاً. هذا مجرد اقتراح، والأمر متروك لطبيبك في موضوع الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.
_________________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
_________________________________________________
نرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونعتقد أن من كتبت هذا الكلام المرتب المركز المحفوظ لا تزال على وعيها ونضجها، وأنت -ولله الحمد- يمكن أن تُصبحي على خير في حال الرجوع إلى الله، وإصلاح ما بينك وبين الله تبارك وتعالى، وأرجو أن تنظري في هذا الزوج الشديد الغيور إلى الجانب الآخر، فإن الغيرة دليل على الحب، بل دليل على شدة الحب، ولكنها تزيد عن حدها فتنقلب إلى ضدها، واعلمي أن الرجل الذي يغار على زوجته يحبها، ولا يمكن أن يُتصور وجود حب دون غيرة، لكنا نتفق على أن الوضع هنا زائد وزائد جدًّا، لكن عندما ننظر إلى الجانب الإيجابي في المسألة، وعندما نؤكد خوفه عليك وغيرته عليك وحرصه على ألا يراك أحدًا، لأنك دُرَّة مصونة، ولأن هذا الجمال والدلال ينبغي أن يكون له وحده، وهو الزوج الحلال.
ولذلك أرجو أن تنظري لهذا الجانب، حتى تلتمسي له بعض العذر، وحتى تُدركي أن هذه المسائل ينبغي للإنسان أن ينظر إليها بمنظار الشرع، فالغيرة هي أن يكره الإنسان المزاحمة في خصوصياته، وأخص خصوصيات الرجل زوجته، وأخص خصوصيات المرأة كذلك الزوج، ولذلك الغيرة مطلوبة من الرجل ومطلوبة من المرأة.
وندعوك إلى أن تراقبي الله تبارك وتعالى، فلا تعاندي زوجك خاصة إذا كان في الأمر الصواب، لا تفعلي أشياء من ورائه، بل أثبتي له أنك عند حسن ظنه، لأن المرأة التي زوجها غيُّور قدوتها أسماء التي رفضت الركوب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أشرف من مشى على وجه هذه الأرض، عندما تأخرت عن الرحال وأشفق عليها وأرخى لها لتركب وهي أخت لزوجه عائشة، لكنها قالت: (تذكرت الزبير وغيرته).
فنريد أن نقول أن المرأة لزوجها غيرة شديدة زائدة تتفادى ما يُثير غيرته، ونحن دائمًا نقول: إذا كان زوجك يغار من الشمس فلا تنظري إليها، وإذا كان زوجك يغار من القمر فلا تمدحيه ولا تُثني عليه؛ لأن تكرار مثل هذه المخالفات واكتشافه بأنك تفعلي أشياء من ورائه سيزيد الأمر سوءًا، وهذا التلذذ الذي تجدينه في المخالفات هو من عدونا الشيطان الذي يُزيّن الشر، ولا أعتقد أن المرأة التي تفعل مخالفات أو تتخلى عن حجابها، لا أعتقد أن المحجبة غير سعيدة، فالسعادة في طاعتنا لله تبارك وتعالى، بل هي الأسعد، ولذلك أرجو أن تكون لك منافذ أخرى: تغيّري نظرتك للحياة، تتواصلي مع من حولك، تتعوذي بالله من الشيطان، تُكثري من اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، تعلمي أنك خفت على موت الآباء فلم يموتوا، وأنك خفت من الجراثيم ولم تُصابي، وأن الناس يخوضون في الدماء ويتمتعون بالعافية، حتى تُصححي الفكرة، النظافة مطلوبة لكن ينبغي أن تكون بحدها المعقول وفي إطارها المقول.
نحن يهمنا أن تصححي الأفكار التي عندك، والطبيب المتميز –الدكتور محمد– سيفيدك في جانب الأدوية وجانب التوجيهات المفيدة في الأبعاد النفسية.
السعادة لا تُباع ولا تشترى ولا تستورد، ولكنها نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته، فالسعادة تخرج من الإنسان ولا يستوردها من الخارج، وأنت تستطيعين أن تسعدي خاصة مع أطفالك، مع من حولك، ولا تلتفتي لكلام الناس عندما يقولون أنت تغيرت وأنت كذا، فحاولي ألا تسترسلي مع مثل هذه الوساوس ومثل هذا الكلام، والإنسان لا بد أن يتغيَّر، بعد أن يتزوج تمر به ظروف الحياة، ولكن المهم أن يكون هذا التغيّر إيجابي.
ومثلما قلنا: نحن نعلم أنك في معاناة، ولكن الخروج منها ليس صعبًا خاصة مع اللجوء إلى الله، وإحسان الظن بالله، وحسن التوجه إليه.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية، ونسأل الله أن يهدي هذا الزوج إلى الحق والصواب، وحاولي أن تنظري إلى إيجابياته، وتعاملي معه، ولك من الله التوفيق ومنا الدعاء.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
صديقي ومشكلته مع الوسواس | 1795 | الثلاثاء 11-08-2020 12:39 صـ |
تراودني أفكار وساوس قهرية حول نفسي، فما العمل؟ | 1015 | الأحد 09-08-2020 02:33 صـ |
أعاني من وسواس قهري حتى في العبادات، ما الحل؟ | 994 | الأحد 09-08-2020 05:28 صـ |
أعاني من وسوسة بمرض أصاب أحد أقربائي، كيف الخلاص من ذلك؟ | 2064 | الأربعاء 22-07-2020 04:15 صـ |
لدي أفكار ووساوس غريبة، فهل أتجاهلها أم أصدقها؟ | 2731 | الأحد 19-07-2020 03:25 صـ |