تذكرة الأنام بفضائل وأحكام السلام
مدة
قراءة المادة :
25 دقائق
.
تذكرة الأنام بفضائل وأحكام السلامعناصر الخطبة:
العنصر الأول: كيفية بدء السلام
العنصر الثاني: حكم السلام
العنصر الثالث: كيف بدء السلام
العنصر الرابع: آداب وفوائد التحية
الخطبة الأولى
أمة الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، نعيش اليوم مع شعيرة من شعائر الإسلام ألا وهي السلام، لنقف على آدابها وأحكامها فأعيروني القلوب والأسماع
العنصر الأول: كيف بدأ السلام؟
اعلم علمني الله وإياك: أن السلام بدأ منذ اللحظة الأولى التي نفخ الله تعالى الروح في أبينا آدم عليه السلام، فالله تعالى أمر آدم عليها لسلام أن يذهب إلى الملائكة ليسلم عليهم وأخبره أن هذه هي تحيته وتحية ذرته من بعده.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ثم قال اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) (أخرجه البخاري ومسلم ).
قال القرطبي: وقد دل هذا الخبر على تأكد السلام وأنه من الشرائع القديمة الذي كلف بها آدم ثم لم تنسخ في شريعة اهـ.
العنصر الثاني: حكم السلام
اعلم علمني الله وإياك: أن ابتداء السلام سنة عند أكثر العلماء، وقال بعضهم أنه واجب، أما رد السلام فان الكل متفق على انه واجب، ولكنهم اخلفوا في الواجب منه الأكثرون على أن الواجب هو:الرد بالسلام دون الرحمة والبركة فيكفي أن يقول ( وعليكم السلام ) ولو قال المسلم ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) وقال بعضهم إن الواجب هو الرد بالمثل لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾.
يقول النووي - رحمه الله - ( اعلم أن ابتداء السلام سنة مستحبة ليس بواجب، وهو سنة على الكفاية، فإن كان المسلم جماعة، كفى عنهم تسليم واحد منهم، ولو سلموا كلهم كان أفضل.
قال الإمام القاضي حسين من أئمة أصحابنا في كتاب السير من تعليقه: ليس لنا سنة على الكفاية إلا هذا.
قلت: وهذا الذي قاله القاضي من الحصر ينكر عليه، فإن أصحابنا رحمهم الله قالوا: تشميت العاطس سنة على الكفاية كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى.
وقال جماعة من أصحابنا بل كلهم: الأضحية سنة على الكفاية في حق كل أهل بيت، فإذا ضحى واحد منهم حصل الشعار والسنة لجميعهم.
وأما رد السلام، فإن كان المسلم عليه واحدا تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة، كان رد السلام فرض كفاية عليهم، فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم، أثموا كلهم، وإن ردوا كلهم، فهو النهاية في الكمال والفضيلة، كذا).
العنصر الثالث كيفية السلام:
يقول الإمام النووي -رحمه الله - اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدا، ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله: وعليكم.
وممن نص على أن الأفضل في المبتدئ أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه الحاوي في كتاب السير، والإمام أبو سعد المتولي من أصحابنا في كتاب صلاة الجمعة وغيرهما.
ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"عشر"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه ثم جلس، فقال: "عشرون"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: "ثلاثون" قال الترمذي: حديث حسن.
وفي رواية لأبي داود، من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه، زيادة على هذا، قال: ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: "أربعون"، وقال: "هكذا تكون الفضائل".
وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم يرعى دواب أصحابه فيقول: السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه، فقيل: يا رسول الله تسلم على هذا سلاما ما تسلمه على أحد من أصحابك؟ قال: "وما يمنعني من ذلك وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلا"؟.
قال أصحابنا: فإن قال المبتدئ: السلام عليكم، حصل السلام، وإن قال: السلام عليك، أو سلام عليك، حصل أيضا.
وأما الجواب فأقله: وعليك السلام، أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو فقال: عليكم السلام أجزأه ذلك وكان جوابا، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه إمامنا الشافعي رحمه الله في الأم، وقاله جمهور أصحابنا.
العنصر الرابع آداب وفوائد التحية
اعلم علمني الله وإياك أن السلام شعيرة من شعائر أهل السلام لها آدابها وأحكامها التي ينبغي للمسلم أن يتأدب بها ويسير على نهجها فالسلام من الأعمال المشروعة، التي جاءت الأدلة والنصوص من الكتاب والسنة ببيان مشروعيتها واستحبابها، وبالحث عليها.
ومما يتعلق بها من الآداب:
الأدب الأول: إفشاء السلام:
فإن هذا مما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال صلى الله عليه وسلم: " أفش السلام، وأطعم الطعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، وادخل الجنة بسلام " أحمد) وابن حبان.
عن أبي أمامة عن عامر بن الطفيل أنه قال يا رسول الله زودني بكلمات قال يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام واستحي من الله وإذا أسأت فأحسن).
ومعنى إفشاء السلام: انشره بين من تعرفه ومن لا تعرفه من المسلمين الذين يندب.
فوائد إفشاء السلام:
إفشاء السلام من الخصال الموجبة لدخول الجنة، المورثة لها
واعلم علمني الله وإياك: أن إفشاء السلام سبب من أسباب موجبات الجنة، فهي شهادة ضمان لدخول جنة الرحمن، فإذا أردت أن تكون من ورثة حنة النعيم فعليك بالسلام.
عن عبد الله بن الحارث قال صلى الله عليه وسلم: " أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تورثوا الجنان.
الضياء في المختارة
يقول المناوي رحمه الله:أي فعلكم ذلك وإدامتكم له يورثكم دخول الجنان مع السابقين برحمة الرحمن.
وجعل إفشاء السلام سببا للسلامة في الدنيا والآخرة والسلام من أسباب حصول السلامة في الدنيا والآخرة عن البراء قال صلى الله عليه وسلم: " أفشوا السلام تسلموا ".
أحمد وابن حبان.
يقول ابن حجر - رحمه الله - قال بن العربي فيه أن من فوائد افشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين وكان ذلك لما فيه من ائتلاف الكلمة لتعم المصلحة بوقوع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء).
وإفشاء السلام سبب من أسباب المحبة في قلوب الخلق والتآلف فيما بينهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) أخرجه مسلم.
وجعله كذلك سببا لعلو المكانة في الدنيا ولآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم: " أفشوا السلام كي تعلوا ".
فيض القدير.
أي يرتفع شأنكم فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه وأراد الرفعة عند الله.
ثانيا: أن يبدأ المرء من لقيه بالسلام:
فإن هذا من حق المسلم على أخيه المسلم، عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: " حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه...." *رواه مسلم.
• وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله " أحمد وأبو داود.
عن أبي أمامة قال: سئل صلى الله عليه وسلم: الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ فقال: " أَولاَهما بالله ".
يقول المناوي - رحمه الله - أي من أخصهم برحمته وغفرانه والقرب منه في جنانه من الولي القرب ( من بدأهم بالسلام ) أي أقربهم من الله بالطاعة من بدأ أخاه المسلم بالسلام عند ملاقاته لأنه السابق إلى ذكر الله والسلام تحية المسلمين وسنة المرسلين قال في الأذكار: وينبغي لكل أحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام لهذا الحديث.
روى إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل لأنه ذكرهم بالسلام وإن لم يردوا عليه رد عليه ملأ خير منهم وأطيب.
ثالثا: الحرص على استعمال تحية الإسلام:
واعلم زادك الله علما: أن بعض المسلمين يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير في كثير من أفعالهم اقتداء بتلك السنة اليهودية عندما طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعو الله لهم فيخرج لهم من الأرض البقل والقثاء ...
فتجد من يستبدا تحية الإسلام بتحية الكفار وأهل الهوى ومن ذلك ( أنعم صباحا، صباح الخير، مساء الخير ) ويترك التحية التي شرعها الله تعالى لعباده، والتي تعد شعارا للمسلمين، وهي تحية الملائكة، وتحية أهل الجنة، وهي قول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله آدم، ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله.
فحمد الله بإذنه، فقال له ربه: يرحمك الله يا آدم! اذهب إلى أولئك الملائكة – إلى ملأ منهم جلوس – فقل: السلام عليكم.
قالوا: وعليكم السلام ورحمة الله.
ثم رجع إلى ربه.
فقال: إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم.
رابعا: الحرص على إلقاء السلام كاملا:
ومن آداب السلام أ ن يكون المسلم حريصا على اغتنام الخير واقتناص الفرص التي تزيد منى رصيده من الحسنات فيكون حريصا على أداء السلام كاملا.
عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه السلام ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عشر " ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال " عشرون " ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال " ثلاثون " (أبو داود والترمذي).
صحيح الترمذي (2136))".
وأخرج الطبراني من حديث سهل بن حنيف بسند ضعيف رفعه من قال السلام عليكم كتب له عشر حسنات ومن زاد ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ومن زاد وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة).
خامسا: رد التحية بأحسن منها أمثلها ردها:
وذلك لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ ﴾ إذا دعي لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة ﴿ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ يقول: فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم ﴿ أو ردوها ﴾ يقول: أو ردوا التحية.
ثم اختلف أهل التأويل في صفة التحية التي هي أحسن مما حي به المحيي والتي هي مثلها فقال بعضهم: التي هي أحسن منها: أن يقول المسلم عليه إذا قيل: السلام عليكم: وعليكم السلام ورحمة الله ويزيد على دعاء الداعي له والرد أن يقول: السلام عليكم مثلها كما قيل له أو بقول: وعليكم السلام فيدعو للداعي له مثل الذي دعا له ).
يقول الألوسي أخرج ابن أبى شيبة والبخاري في الأدب وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فحيوا بأحسن منها أي بتحية أحسن من التحية التي حييتم بها بأن تقولوا أو عليكم السلام ورحمة الله تعالى إن اقتصر المسلم على الأول وبأن تزيدوا وبركاته إن جمعهما المسلم وهى النهاية.
سابعاً: اجتناب تحية الموتى:
وهي أن يقال: عليك السلام يا فلان.
عن أبي جري جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه قلت من هذا؟ قالوا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت عليك السلام يا رسول الله مرتين قال " لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الميت قل السلام عليك (صحيح أبي داود).
فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيا بتحية الأموات ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم وكان يرد على المسلم وعليك السلام بالواو وبتقديم عليك على لفظ السلام انتهى.
ثامنا: عدم التشبه بغير المسلمين في تحيتهم:
سواء كان التشبه بهم في حركاتهم، أوفي ألفاظهم، فإن مشابهتهم محرمة.
وقد نهى عنها عن ابن عمرو.
النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: " ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى.
فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف " ( رواه مسلم ).
قوله (ليس منا ) أي من أهل طريقتنا ومراعي متابعتنا ( من تشبه بغيرنا ) أي من غير أهل ملتنا ( لا تشبهوا ) بحذف إحدى التائين ( باليهود ولا بالنصارى ) زيد لا لزيادة التأكيد ( فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف ) بفتح فضم جمع كف والمعنى لا تشبهوا بهم جميعا في جميع أفعالهم خصوصا في هاتين الخصلتين ولعلهم كانوا يكتفون في السلام أو رده أو فيهما بالإشارتين من غير نطق بلفظ السلام الذي هو سنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء.
عن جابر قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: " تسليم الرجل بإصبع واحدة يشير بها فعل اليهود "( والطبراني،.
صحيح الجامع ).
تاسعا: عدم بدء أهل الكتاب وغير المسلمين بالسلام:
فإن هذا مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " [رواه مسلم عن عائشة ].
ولا يجوز معارضة حديثه صلى الله عليه وسلم وإرشاده بدعاوى فارغة، كدعوى الوحدة الوطنية، أو الأخوة في الوطن، والمساواة بين أفراد المجتمع دون النظر على أديانهم، ونحو ذلك.
عاشرا: يبدأ الصغير والقليل والراكب بالسلام:
وهذا كله مما أرشدت إليه الأحاديث النبوية الصحيحة في هذا الباب، فإذا تقابل رجل مع أكثر من رجل سلم عليهم.
أو مجموعة مع مجموعة أكبر منهم فعلى المجموعة الأقل أن يبدؤا بالسلام.
وإذا تقابل صغير مع كبير يبدأ الصغير بالسلام.
وإذا تقابل راكب مع ماش يبدأ الراكب بالسلام، ويبدأ الماشي بالسلام على القائم، والقائم يسلم على القاعد، وراكب السيارة أو الدراجة يبدأ بالسلام على الماشي أو القاعد، وكل ذلك قد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: " ليسلم الراكب على الراجل، وليسلم الراجل على القاعد، وليسلم الأقل على الأكثر، فمن أجاب السلام فهو له، ومن لم يجب فلا شيء عليه "( احمد وعبد الرزاق ).
عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: " يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد والقليل على الكثير "، عن فضالة بن عبيد قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: " يسلم الفارس على الماشي، والماشي على القائم، والقليل على الكثير "( احمد والترمذي وصححه،).
وكذلك إذا كان الراكب كبيرا والماشي صغيرا سلم الراكب على الماشي.
وإذا كان الماشي كبيرا والقاعد صغيرا سلم الماشي على القاعد.
الثاني عشر: السلام عند مفارقة المجلس والخروج منه:
وبعض الناس يغفل عن هذا الأدب، فإذا دخل المجلس سلم، ثم إذا خرج لحاجة فإنه لا يسلم، وهذا خلاف السنة، عن أبي هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة " ( أحمد (2 /230) وأبو داود (5208)) [ وهكذا من باب أولى أن يعيد السلام إذا عاد إلى المجلس ثانية وإفشاء السلام يزيد المحبة كما سبق.
خلافا لما يزعمه الجهال من أنه ينقصها، فينبغي عدم إهمال هذا الأمر.
الثالث عشر: التصافح مع السلام عند التقابل:
فإذا لقي المؤمن أخاه المؤمن فينبغي له إضافة على السلام أن يأخذ بيده، ويصافحه، فإن فعل هذا فله اجر كبير، وهو مما يقوي المودة بين المسلمين، عن البراء قال صلى الله عليه وسلم " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، إلا غفر لهما قبل أن يفترقا " ( صحيح الترمذي).
عن حذيفة قال صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه، وأخذ بيده فصافحه، تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر "(الطبراني في الأوسط والسلسلة الصحيحة).
فدل هذا الحديث على استحباب المصافحة، وعلى عدم جواز الانحناء، كما يفعله البعض تشبها بالكفار، وعلى عدم جواز المعانقة كما هي حال الكثير.
الرابع عشر: إذا دخل المسجد لا يسلم حتى يصلي تحية المسجد:
ومن الآداب التي يجهلها كثير من المسلمين: إن المسلم إذا دخل المسجد فانه لا يسلم حتى يصلي تحية المسجد كما ورد ذلك عن الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين عن أبي هريرة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال (ارجع فصل فإنك لم تصل).
فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال (ارجع فصل فإنك لم تصل).
ثلاثا فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني؟ فقال (إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القران ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها ) (البخاري )" ولم يأمره بالسلام قبل الصلاة.
الخامس عشر السلام قبل السؤال والكلام:
فلا يبدأ الشخص بسؤال إنسان عن شيء، أو بتكليمه إلا بعد أن يسلم أولاَ، عن جابر صلى الله عليه وسلم: " السلام قبل الكلام (صحيح الترمذي ).
عن ابن عمر صلى الله عليه وسلم: " السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه " (السلسلة الصحيحة ).
ويوضح المناوي - رحمه الله - الحكمة في عدم إجابة من بدا بالكلام قبل السؤال فيقول ( لإعراضه عن السنة قال العلماء: من سلم على غيره فقد أمنه من شره وعاهده على ذلك فلا ينقض ما جعل له من ذلك (مهمة) قال ابن عربي: إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أو سلمت على أحد في الطريق فقلت السلام عليكم فأحضر في قلبك كل عبد صالح لله من عباده في الأرض والسماء وميت وحي فإن من في ذلك المقام يرد عليك فلا يبقى ملك مقرب ولا روح مطهر يبلغه سلامك إلا ويرد عليك وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلح ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيمين في جلاله المشتغل به فأنت قد سلمت عليه بهذا الشمول فإن الله ينوب عنه في الرد عليك وكفى بهذا شرفا لك حيث يسلم عليك الحق فليته لم يسمع أحد ممن سلمت عليه حتى ينوب عن الكل في الرد عليك ).
السادس عشر: عدم السلام عند قضاء الحاجة:
ومن آداب السلام ألا يُلقه على من يقضي حاجته فإنه يكره إلقاء السلام على تلك الحال عن مهاجر بن قنفد أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر فقال: ( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال: على طهارة ) ( أخرجه أبو داود).
قول ابن عمر: " مر رجل بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه "( أخرجه مسلم).
أقول قولي هذا، وأسأل الله سبحانه أن يمنّ علينا بالاستجابة له ولرسوله، وبالثبات على ما يرضيه إلى أن نلقاه تعالى، وأن يغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلوات الله وسلامه على خاتم المرسلين أحمده سبحانه وأتوب إليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحابته إلى يوم الدين.
السابع عشر: خفض الصوت بالسلام إذا دخل على نائمين:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، حتى يسمع المستيقظين، ولا يزعج النائمين، عن المقداد أنه صلى الله عليه وسلم: " كان يدخل من الليل، فيسلم تسليما لا يوقظ النائم، ويسمع اليقظان ) (مسلم ).
يقول النووي - رحمه الله - هذا فيه آداب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام أو من في معناهم وأنه يكون سلاما متوسطا بين الرفع والمخافتة بحيث يسمع الأيقاظ ولا يهوش على غيرهم.
الثامن عشر: التسليم إذا مر على الصبيان:
فإن هذا يحبب الصبيان في تلك الشعيرة ويربيهم على تعظيم أوامر الله تعالى،و مما يؤلف قلوبهم، ويطيب نفوسهم، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " مر على صبيان فسلم عليهم " ( البخاري ومسلم).
يقول ابن حجر - رحمه الله - قال بن بطال في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب.
قال أبو سعيد المتولي في التتمة من سلم على صبي لم يجب عليه الرد لان الصبي ليس من أهل الفرض وينبغي لوليه أن يأمره بالرد ليتمرن على ذلك ولو سلم على جمع فيهم صبي فرد الصبي دونهم لم يسقط عنهم الفرض وكذا قال شيخه القاضي حسين ورده المستظهري وقال النووي الأصح لا يجزئ ولو ابتدأ الصبي بالسلام وجب على البالغ الرد على الصحيح قلت ويستثنى من السلام على الصبي ما لو كان وضيئا وخشي من السلام عليه الافتتان فلا يشرع ولا سيما ان كان مراهقا منفردا.
التاسع عشر: التسليم إذا مر على جمع نسوة:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، كما في حديث أسماء بنت يزيد: - مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في جمع نسوة، فسلم علينا - ( صحيح أبي داود ).
وعند الترمذي ألوى بيده بالتسليم.
ورغم أن البعض قد لا يتقبل ذلك لكنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يلتفت معه إلى غيره.
العشرون: السلام على من تعرف ومن لا تعرف:
فإن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم مع جميع المسلمين، وقد صحت الاخبار ان السلام على المعرفة فقط من علامات الساعة.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: ( تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف (أخرجه البخاري ومسلم).
وأخرجه الطحاوي والطبراني والبيهقي في الشعب من وجه آخر عن بن مسعود مرفوعا ولفظه أن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه وأن لا يسلم إلا على من يعرفه ولفظ الطحاوي ان من أشراط الساعة السلام للمعرفة ثم ذكر فيه حديثين أحدهما حديث عبد الله بن عمرو.