أرشيف المقالات

العمل الفذ - كيف ندعو الناس - محمد قطب إبراهيم

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
وليس قصدنا هنا أن نذكر كل مقتضيات لا إله إلا الله على سبيل الحصر، حتى بالنسبة لفترة التربية بمكة، إنما قصدنا أن نقول: إنها لم تكنن قط، منذ أنزلت من عند الله، مجرد التصديق والإقرار كما يزعم الفكر الإرجائي، وأن مجرد التصديق والإقرار، حتى حين كان علامة على صدق الإيمان في أوائل الدعوة ، حين لم يكن يقدم على مخاطره إلا المؤمنون حقا، لم يكن بذاته يصنع شيئا مما صنعته لا إله إلا الله في نفوس العصبة المؤمنة التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما صنعت ما صنعت حين آمن معتنقوها بمقتضياتها، وتربوا على مقتضياتها، وعملوا بها في عالم الواقع.

وليس قصدنا كذلك أن نقول: إن التربية على هذه المقتضيات هي العمل الفذ الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للقاعدة الصلبة خاصة، فهذا أمر مطلوب من كل مرب يتصدى لإنشاء قاعدة للدعوة في أية بقعة في الأرض، وفي أي فترة من الزمن إلى قيام الساعة، إنما العمل الفذ الذي قام به صلى الله عليه وسلم هو الدرجة العجيبة التي أوصل إليها الصحابة رضوان الله عليهم في العمل بمقتضيات لا إله إلا الله، والتي التقى فيها الواقع بالمثال، والتي تحولت فيها المندوبات والمستحبات في نفوسهم إلى واجبات ومفروضات، يلزمون بها أنفسهم بغير إلزام من الله ورسوله، والدرجة العجيبة التي آمنوا بها باليوم الآخر فعاشوه في كل لحظة كأنه حاضر يشهدونه الآن، لا بعد آماد من الزمان، وهذا هو الذي تميز به ذلك الجيل الفريد على يد المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وليس مجرد الالتزام بمقتضيات لا إله إلا الله، الذي هو مطلوب من كل من تصدى للدعوة للا إله إلا الله.

ثم اتسعت رويدا رويدا مقتضيات لا إله إلا الله، فشملت جوانب جديدة من النفس والحياة لم تكن داخلة فيها من قبل، أنزلها العزيز العليم بعلمه وحكمته في وقتها المقدر عنده، وصار الالتزام بها واجبا، ولم تعد المقتضيات الأولى وحدها تحقق الإيمان.
يقول الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام (157 - 224هـ) في كتاب (الإيمان)(1) ص54 وما بعدها.

(1) حققه محمد ناصر الألباني - طبع دار الأرقام بالكويت، 14.5هـ.
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١