أرشيف المقالات

تعلم كيف تحب

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
فنون الحب في الإسلام (10)
تعلَّم كيف تحب

هل سمِعتَ مِن قبلُ صوتًا يناديك ويستعطفك، ويَستجديك لأن تنتبهَ إلى صديقة أيامك ورفيقة دَربِ حياتك؟
يُخبرك أنَّ سنوات طويلة مرَّت وأنت تُهملها وتَضعها في دائرة النسيان، ويعاتبك لأنَّك لم تنتبه إلى أهم احتياجاتها، ويُذكِّرك أنَّك كثيرًا ما كنتَ تَعُقُّها؟
يجعلك أنينُ هذا الصوت تُراجع حساباتك؛ لتكتشف أنَّك بالفعل قد شغلتْك عنها الحياة بضغوطها؟
 
يأتيك صوت ضميرك؛ ليوقظَ داخلك مشاعر انْطفأ بريقُها، حين يقفز إلى مسامعك قائلًا: إلى متى ستَظَلُّ بعيدًا عنها هكذا؟ إلى متى ستُهملها وتجعلها في ذيل القائمة؟ ألا تشعُر بها؟ ألا ترى علامات الحيرة والحزن على وجهها؟ ألا تسمَع صوت آنَّات قلبها الحزين وهو يستعطفك قائلًا: متى ستروي بساتيني الظامئة، وتعيد النضارة إلى ورودي الذابلة؟ متى ستتوقف عن توجيه رَصاصات إهمالك ونقدك إليَّ؟ ربما يتبادر إلى ذهنك الآن أنَّ الذي يوجِّه إليك هذه الرسالة أحدُ والديك أو شريكُ حياتك، أو أحد أبنائك، وجميل جدًّا أن نكتشف مواضع التقصير في علاقتنا بالآخرين، فنُهرول لنبدأ معهم صفحة جديدة، كلها وُدٌّ وحب وإيجابية، واهتمام عميق، ولكنني الآن لا أتحدَّث عن كل هؤلاء، إنني أتحدَّث عنك أنتَ، عن نفسك التي قد تكون أهمَلتَها عن قصدٍ أو دون قصدٍ، نفسك التي قد تكون نسيتَ أنها أحقُّ مَن يستحق البرَّ منك!
 
أُحدِّثك عن نفسك التي تعامِلُها بطريقة تختلف عن معاملتك للآخرين، فهل أخبرتَني لِمَ تعاملها وكأنها عدو لك، فتُؤرقها بنقدك القاتل المستمر لها، وتُغرقها في ظلمات بحار اليأس؟!
 
لماذا حين يفشَل الآخرون تُهرول لتَمُدَّ لهم يدَ العون، وتُقيلهم قدرَ استطاعتك مِن عَثرتهم، وتأخذ بأيديهم إلى طريق النجاح، بينما توجِّه إلى نفسك رَصاصَ النقد القاتل إذا ما فشِلت ذات يوم؟!
 
لماذا تتعامل مع ذاتك بمنطق المعايير المزودجة، فلا تعاملها كما تعامِل الآخرين بحبٍّ ورُقي، فتُقيلها من عَثرتها إذا سقَطت، وتَشُدُّ مِن أَزْرِها إذا ضعُفت، وتَمدَح إيجابياتها حين ترى منها أو فيها جميلًا؟!
 
رِفقًا بها، فلا تكن أنت ونوائبُ الأيام عليها، رفقًا بها فهي تحتاج منك أن تهتمَّ بها وتَحنوَ عليها!
تعلَّم كيف تُحبها حبًّا جميلًا، حبًّا يجعلك تراها بعيون إيجابية، ويجعلك تُدرك أننا في رحلة الحياة في عملية بناء للذات مستمرة، ومِن الطبيعي أنْ يَعتريَ القائمَ بهذا البناء بعضُ الضَّعف أحيانًا، وبعضُ الفتور أحيانًا، وحينئذ يجب على البنَّاء أن يسارعَ ويقوِّيَ الضَّعف الذي يعتري النفس قبلَ أن يَضيعَ في متاهات اليأس!
 
إن كان قد أصابك هذا الضَّعف، فحاوِل قدرَ استطاعتك أن تنهضَ مِن عَثرتك، وتعمَلَ على ترميم ذاتك، واكتشاف كنوزها وإخراجها للنور، ومهما بدَت هذه الكنوز في نظرك ضئيلةً، فاسْعَدْ بها، واسْعَ إلى تطويرها؛ فالعبرة ليست بمدى عظمة الإمكانات والقدرات، بل بمدى ذكائنا في توظيفها واستغلالها.
 
اعمَل على تزكية نفسك، وتذكَّر أنَّ ديننا يوجِّهنا لأن نوفِّر لأنفسنا سبلَ السعادة والنجاح، بأن نُعلِّمَها فقه الأولويات، وأن نُدرِّبَها على إدارة الأوقات، وأن نَغرسَ فيها الإيمانَ والصبرَ والرضا عند نزول الشدائد والمُلِمَّات، وأن نُدرِّبَها على كل ما يرتقي بها؛ تطبيقًا لقول الله عز وجل: ﴿ اقْرَأْ ﴾ [العلق: 1].
 
وتذكَّر القاعدة العاشرة من قواعد وفنون الحب في الإسلام، تلك التي تخبرنا أنَّ الله عز وجل قد أثنى على مَن يزكِّي نفسه، ووعَده بالفلاح؛ يقول الله عزو جل: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9].
 
وتذكَّر أيضًا أنه لن يستطيع أن يزكِّي نفسه ويأخذ بها إلى طريق السعادة الحقيقية، إلا مَن كان بها مهتمًّا، وعليها عطوفًا حنونًا، فتعلَّم كيف تَحنو عليها!
 
تعلَّم كيف تُحب ذاتك حبًّا إيجابيًّا، يجعلك تَنثرُ لها زهورَ العناية؛ لتسير بها في طرق الفضيلة، وتنأى بها عن السقوط في مستنقع الرَّذيلة، وتُهيِّئَ لها سُبلَ الفلاح في الدنيا والآخرة، فتُعلِّمَها كيف تَعبُدُ الله حقَّ عبادته، وكيف تُرضيه وتَتقيه، وتفتَح لها أبواب الطاعات، وتُجنِّبها المحرَّمات، فتَمنَحها السكينةَ والاستقرار.
 
قُمْ ولَمْلِمْ شتاتَ نفسك، وتصالَحْ معها، وابدَأ صفحة جديدة تتَّسم بالعدل مع الذات، ورفض المعايير المزدوجة في تقييم البشر، وتعلَّم كيف تَحنو على نفسك، وتفتَح لها أبواب الأمل، وعامِلها كما يُحب الله أن يرى منك، وتذكَّر أنَّ الحب الإيجابي للذات عبادةٌ نؤجَر عليها، فأحْبِبْ ذاتك هذا الحبَّ، تَنْعَمْ بكل سعادة وخيرٍ.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن