أرشيف المقالات

شرح حديث: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
شرح  حديث: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين
 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
متن الحديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً، فليصمه».
 
الشرح:
المؤلف قال: كتاب الصيام، ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا الحديث أخرجه الشيخان، الإمام: البخاري، والإمام: مسلم رحمها الله تعالى رحمة واسعة.
وهذا اللفظ هو للإمام مسلم.
 
وهذا الحديث موضوعه: حكم سبق رمضان بالصوم، وأبو هريرة هو راوي الحديث الأعلى، ومعروف قدره وشأنه، وكثرة روايته للحديث رضي الله عنه.
 
والصيام في اللغة: الإمساك عن الشيء، كما قال الشاعر:
خيل صيام، وخيل غير صائمة *** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
 
يعني: ممسكة عن الصَّهيل، ومنه قول الله جل وعلا عن مريم: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ﴾ [مريم: 26]، فالصيام هو: الإمساك عن الكلام، والإمساك عن الشيء، والإمساك عن المفطرات بالنية.
 
وفي الشرع: هو الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس تعبداً لله تبارك وتعالى.
هذا هو الصيام في الشرع.
 
والصيام: هو أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو شهر واحد في السنة، فرضه الله تبارك وتعالى على المكلفين من عبادة فقال سبحانه: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
 
والصوم من أفضل العبادات، وأفضل الطاعات، لأنه يجمع أنواع الصبر كلها، وأيضاً لأن الله تعالى نسب هذا الصوم إلى نفسه فقال: «الصوم لي وأنا أجزي به» فنسبه إلى نفسه، ووعد بالجزاء عليه، ولأن الصوم سِرٌّ بين العبد وبين ربه جل وعلا، فهو من أعظم الأمانات، وفيه من الحِكم والأسرار والدروس والفوائد الشيء الكثير، ومن ذلك:
تحقيق العبادة لله تبارك وتعالى، والخضوع له، والاستسلام له سبحانه وتعالى.
 
وأيضاً: كسر سلطان الشهوة.
 
وأيضاً: كسر ما في النفس، من البغي، والبطر، والأشر، وليعلم الإنسان أنه ضعيف مفتقر بين يدي الله تبارك وتعالى.
 
ولعل أعظم حِكمة هي ما ذكره الله جل وعلا: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فمن جهة النفس يتحقق تقوى الله تبارك وتعالى بهذا الصيام، إضافة إلى الحِكم الاجتماعية، والتكافلية، التي يجتمع فيها الناس على عبادة واحدة، ويظهر فيها صبرهم، ويظهر فيها عبادتهم، وتحمُّلهم للمعاناة جميعاً، وهذا يسبب الترابط والتآلف بين المؤمنين، أيضاً فيه قوة الإرادة والعزيمة والمضاء.
 
وأيضاً فيه من الحِكم الأخلاقية الشيء الكثير في ضبط النفس، وتعليم الصبر، والحِلم، والتحمُل، وأيضاً: التمرين على ملاقاة الشدائد وتذليلها، والصعاب وتهوينها.
 
ومنها الحِكم الصحية التي ذكرها الأطباء، وذكرها أهل العلم، فإن المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء، وفيه من الحِكم الشيء الكثير وليس هذا مجال بسطه.
 
وأما ما يتعلق بهذا الحديث الشريف العظيم: الذي قال فيه أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً، فليصمه».
 
ففي هذا الحديث: النهي عن سبق رمضان بصوم يوم أو يومين.
 
وأيضاً من الفوائد: جواز سبق رمضان بصوم يوم أو يومين لمن كان له عادة بصوم معين، كمن يصوم الاثنين أو الخميس أو من عادته أن يفطر يوماً ويصوم يوماً، فهذا يخرج من هذا النهي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
 
والفائدة من هذا النهي: هو حفظ الصيام، وألا يُزاد فيه، وألا يُجتهد فيه، فلذلك الإنسان لا يتقدم رمضان، ولا يزيد في العبادة ما ليس منها، كما فعلت بعض الأمم السابقة، فإن المسلم يتقيد بأمر الله تبارك وتعالى، فلا يزيد في رمضان ما ليس منه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين».
 
فالشارع الحكيم: يريد أن يميز بين العبادات والعادات، وأيضاً بين فروض العبادات ونوافل العبادات، ليحصل الفرق بين هذا وذاك، ومن الحِكم التي ذكرها أهل العلم في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، ليكون المسلم مفطراً، ومستعداً، ومتهيئاً لصيام شهر رمضان، إلا من كان له عادة، أو كان عليه قضاء عدة من أيام أُخر، عليه قضاء فتضايق عليه الوقت، فإنه يصوم ولو كان قبل رمضان بيوم أو يومين، أو عليه نذر فإنه يصوم، لأن هذا القضاء، أو هذا المريض الذي صام عدة من أيام أُخر، قد تعلق بسببه، بخلاف الصيام الذي يكون مطلقاً، فأقل أحواله الكراهة.
 
إذاً يؤخذ من هذا الحديث: النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين، وأيضاً الترخيص فيمن صادف قبل رمضان له عادة صيام الاثنين والخميس، ومن كان عليه نذر أو كان عليه قضاء وما إلى ذلك.
 
نسأل الله للجميع العلم النافع، والعمل الصالح، ونسأل الله أن يرفع عنا وعنكم هذه الغمة، وهذا البلاء، وأن يمن علينا وعلى المسلمين جميعاً بعفوه وعافيته إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن