أرشيف المقالات

التوحيد في سورة التحريم

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
التوحيد في سورة التحريم

الذي يملك التحليل والتحريم هو الله عز وجل، وهذا من مقتضيات التوحيد؛ فالحلال ما أحله الله تعالى، والحرام ما حرمه الله عز وجل، وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قولية كانت أو فعلية أو تقريرية.
 
وليس لإنسان أن يحرم على نفسه شيئًا أحله الله تعالى، كما ليس له أن يحل لنفسه أو لغيره شيئًا حرَّمه الله تعالى.
 
وإذا حرم إنسان على نفسه شيئًا (غير الزوجة)، فهو يمين توجب الكفارة حسب قول أبي حنيفة وذكره القرطبي، وقال: (وقال زفر: هو يمين في الكل؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [التحريم: 2]، فسماه يمينًا..
وقال: الزجاج: ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله، ولم يجعل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يحرم إلا ما حرَّم الله عليه، فمن قال لزوجته أو أمته: أنت عليَّ حرام ولم ينو طلاقًا ولا ظهارًا، فهذا اللفظ يوجب كفارة اليمين..
ولو حرم على نفسه طعامًا أو شيئًا آخر، لم يلزمه بذلك كفارة عند الشافعي ومالك، وتجب بذلك كفارة عند أبي حنيفة..
)
.
 
واشتملت السورة على خمسة نداءات: اثنين للنبي صلى الله عليه وسلم، واثنين للمؤمنين، وواحد للكافرين، وحسب الورود كما يلي:
الأول: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [التحريم: 1]، وقد أشرت إليه دون ذكر سبب النزول: ويمكن الرجوع إليه في كتابي "أسباب النزول حسب ترتيب النزول"، مكتبة الآداب.
 
الثاني: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، فالمسلم مسؤول عن نفسه ومن تحت رعايته وولايته، وعليه ما يلي:
1- أن يعلمهم التوحيد؛ كي يعظموا الله تعالى، فيُعظموا أوامره.
 
2- أن يعلمهم ويأمرهم بأداء العبادات المفروضة، وأولها المحافظة على الصلوات إن كانوا ذكورًا ففي المسجد، وإن كانوا إناثًا ففي البيت.
 
3- أن يطعمهم حلالًا.
 
4- أن يشغلهم بالطاعات والقربات، ويزهدهم في المعاصي، ويحول بينهم وبين مقدماتها؛ كسماع الأغاني والموسيقا، وتعليق الصور، وغير ذلك من المحرمات والمكروهات.
 
5- أن يراقب سلوكياتهم، وينمي فيهم المحاسن والخلال الحميدة، ويحذرهم من مساوئ العادات والصفات.
 
6- أن يتولى تثقيفهم، وبناءهم فكريًّا، كما تولى بناءهم جسديًّا، فيعرفهم بقضايا العصر ونظرة الإسلام لها؛ كي تكون لديهم مرجعية إسلامية صافية.
 
7- أن يتخير أصدقاءهم ومعارفهم ويتابع ذلك.
 
8- أن يتابع معهم دراستهم ومذاكرتهم.
 
9- أن يتخير وسائل الترفيه المنضبطة شرعًا.
 
10- أن يكون بينه وبينهم تواصل وتفاهم.
 
11- أن ينسق في ذلك كله مع زوجته.
 
وهذه بعض الواجبات على كل راع استرعاه الله في أسرته.
 
النداء الثالث: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التحريم: 7]، وقد فات وقت الاعتذار، فلا فائدة من الأعذار، ولا ينفع يوم القيامة الندم والتحسر.
 
النداء الرابع: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]:
ذكر القرطبي رحمه الله ثلاثة وعشرين قولًا في التوبة النصوح؛ منها: التوبة الصادقة الخالصة، التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع، وقال: (الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو إما أن يكون حقًّا لله، أو حقًّا للآدميين، فإن كان حقًّا لله كترك الصلاة، فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها، وهكذا إن كان ترك صوم، أو تفريطًا في الزكاة، وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق، فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبًا به، وإن كان قذفًا يوجب الحد، فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبًا به، فإن عفا عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص، فإن كان الذنب من مظالم العباد، فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه - عينًا كان أو غيره - إن كان قادرًا عليه، فإن لم يكن قادرًا عليه، فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه، وإن كان أضر بواحد من المسلمين، وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتى، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه، ثم يسأله أن يعفو عنه، ويستغفر له؛ فإذا عفا فقد سقط الذنب عنه...).
 
النداء الخامس: للنبي صلى الله عليه وسلم): (يا أيها النبي، جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم]، والجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة كل حسب طاقته وقدرته وعلمه، وهناك الجهاد باليد وباللسان وبالقلب، وجهاد القلب كإنكار المنكر بالقلب لا يعفى منه مسلم، ومن قدر باللسان فعل، ومن قدر باليد فعليه ذلك موطنًا نفسه على تحمُّل الأذى والضرر في سبيل الله عز وجل.
 
والجهاد مراتب أولها جهاد النفس ثم جهاد الشيطان، ثم جهاد المنافقين ثم جهاد أهل البدع وأعداء الدين.
 
والجهاد يكون بالحجة وتصحيح المفاهيم الخاطئة في أمور العقيدة، وجهاد العلمانيين والليبراليين، ودعاة الديمقراطية والنظريات والمذاهب الغربية الدخيلة على بلاد المسلمين.
 
ويبدأ الجهاد بالتعريف باللين ثم بالتغليظ، ثم بما أمكن من قوة، وإذا كان الجهاد واجبًا؛ فالإعداد له واجب، وأول الإعداد الإعداد الإيماني المبني على عقيدة صحيحة، ثم توصيف المرحلة، وفقه الانتقال من مرحلة إلى أخرى مع الضبط الشرعي لحركة الجهاد، ومعرفة فقه الجهاد؛ لأنه عبادة من أجلِّ العبادات التي لا يعدلها شيء؛ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يعدل الجهاد؟ قال: لا أجده..
إلا إذا خرج المجاهد من بيته، فتدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم فلا تفطر، فقال الرجل: ومن يستطيع ذلك؟؛ رواه البخاري في كتاب الجهاد ( برقم 2785).

شارك الخبر

المرئيات-١