Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73


خرج الأسود العنسي -واسمه عبهلة بن كعب بن غوث- في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة مقاتل، فكتب إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المتمردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم؛ فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، ثم توجه مع مقاتليه إلى نجران فأخذها، ثم قصد صنعاء، فخرج إليه شهر بن باذام فتقاتلا، فغلبه الأسود وقتله وتزوج بامرأة شهر بن باذام، وهي ابنة عم فيروز الديلمي، واسمه آزاذ، وكانت مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الصالحات، واحتل العنسي صنعاء، فذهب معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري إلى حضرموت، وانحاز عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطاهر، ورجع عمر بن حرام وخالد بن سعيد بن العاص إلى المدينة، واستوثقت اليمن للأسود العنسي، وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة، واشتد ملكه، واستغلظ أمره، وارتد خلق من أهل اليمن، وعامله المسلمون الذين هناك بالتقية فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه خبر الأسود العنسي كتابه مع قيس بن مكشوح يأمر فيه المسلمين الذين هناك بمقاتلة العنسي ومصاولته، فقام معاذ بن جبل بهذا الكتاب أتم قيام، واتفق معاذ بن جبل ومن التف حوله من أهل اليمن، وقيس بن عبد يغوث أمير جند الأسود، وفيروز الديلمي؛ على الفتك بالأسود وقتله، وتعاقدوا عليه، فلما كان الليل دخلوا عليه البيت؛ تقدم إليه فيروز الديلمي، وكان الأسود نائما على فراش من حرير، قد غرق رأسه في جسده، وهو سكران يغط، والمرأة جالسة عنده، فعاجله وخالطه، وهو مثل الجمل، فأخذ رأسه، فدق عنقه ووضع ركبتيه في ظهره حتى قتله، وجلس قيس وداذويه وفيروز يأتمرون كيف يعلمون أشياعهم، فاتفقوا على أنه إذا كان الصباح ينادون بشعارهم الذي بينهم وبين المسلمين، فلما كان الصباح قام أحدهم -وهو قيس- على سور الحصن، فنادى بشعارهم، فاجتمع المسلمون والكافرون حول الحصن، فنادى قيس: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقى إليهم رأسه، فانهزم أصحابه، وتبعهم الناس يأخذونهم ويرصدونهم في كل طريق يأسرونهم، وظهر الإسلام وأهله، وتراجع نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم، واتفقوا على معاذ بن جبل يصلي بالناس، وكتبوا بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مدة ملكه منذ ظهر إلى أن قتل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر.


لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأب النفاق، وعظم الخطب واشتدت الحال، وأنفذ الصديق جيش أسامة، فقل الجند عند الصديق، فطمعت كثير من الأعراب في المدينة، وراموا أن يهجموا عليها، فجعل الصديق على أنقاب المدينة حراسا يبيتون بالجيوش حولها، وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق، وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم، ثم هم بعد ذلك يزكون، فامتنع الصديق من ذلك وأباه، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: علام تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها؟ فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقا -وفي رواية: عقالا- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأقاتلنهم على منعها؛ إن الزكاة حق المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق، وقاتلهم الصديق رضي الله عنه حتى لم يبق بجزيرة العرب إلا أهل طاعة لله ولرسوله، وأهل ذمة من الصديق، كأهل نجران وما جرى مجراهم، وعامة ما وقع من هذه الحروب كان في أواخر سنة إحدى عشرة وأوائل سنة اثنتي عشرة.


لما انتهى خالد بن الوليد رضي الله عنه من اليمامة جاء الأمر بالتوجه للعراق لدعم المثنى بن حارثة، فسار خالد إلى الحيرة والتقى بجيش المثنى وجيش عياض بن غنم بهرمز في الأبلة، وقد حدثت عدة معارك في تلك المناطق التي تعرف بالمنطقة الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفرس، وفتحت عدة مناطق كالحيرة والأنبار ودومة الجندل والفراض وغيرها من المناطق العراقية، كما انتصر خالد في عدد من المعارك على الفرس وحلفائهم من متنصرة العرب.


بعد ما جم جيش أسامة واستراحوا، ركب الصديق في المسلمين شاهرا سيفه مسلولا، من المدينة إلى ذي القصة، وعلي بن أبي طالب يقود براحلة الصديق رضي الله عنهما، فسأله الصحابة، وألحوا عليه أن يرجع إلى المدينة، وأن يبعث لقتال الأعراب غيره ممن يؤمره من الشجعان الأبطال، فأجابهم إلى ذلك، وعقد لهم الألوية لأحد عشر أميرا، وذلك لقتال طليحة بن خويلد، ومالك بن نويرة ومسيلمة الكذاب، والعنسي وعيينة بن حصن وغيرهم من المرتدين، وقد كتب لكل أمير كتاب عهده على حدته، ففصل كل أمير بجنده من ذي القصة، ورجع الصديق إلى المدينة.


كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة؛ فمنهم من ارتد ومنع الزكاة، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق، ومنهم من توقف لينظر في أمره، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية من الجزيرة، وهي من نصارى العرب، وقد ادعت النبوة، ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها، فاستجاب لها عامتهم، ثم قصدت بجنودها اليمامة؛ لتأخذها من مسيلمة بن حبيب الكذاب، فهابه قومها، وقالوا: إنه قد استفحل أمره وعظم، فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده، فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت، وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه، فركب إليها في أربعين من قومه، وجاء إليها فاجتمعا في خيمة، فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض، وقبلت ذلك، ثم انثنت راجعة إلى بلادها، وذلك حين بلغها دنو خالد من أرض اليمامة، فكرت راجعة إلى الجزيرة بعدما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه.


لما توجه خالد من ذي القصة وفارقه الصديق، واعده أنه سيلقاه من ناحية خيبر بمن معه من الأمراء، وأظهروا ذلك ليرعبوا الأعراب، وأمره أن يذهب أولا إلى طليحة الأسدي، ثم يذهب بعده إلى بني تميم، وكان طليحة بن خويلد في قومه بني أسد، وفي غطفان، وانضم إليهم بنو عبس وذبيان، وبعث إلى بني جديلة والغوث وطيئ يستدعيهم إليه، وجعل خالد بن الوليد يتأتى بطليحة ويرسل إليه الرسل ويحذره سفك دماء أصحابه، وطليحة يأبى ذلك وولج في طغيانه، فعندها عزم خالد على حربه، ووقفت أحياء كثيرة من الأعراب ينظرون على من تكون الدائرة، وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانضاف إليهم، وانهزم الناس عن طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس كان قد أعدها له، وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلى الشام، وتفرق جمعه، وقد قتل الله طائفة ممن كان معه، وقد كان طليحة الأسدي ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمؤازرته عيينة بن حصن بعد أن ارتد عن الإسلام، وأسر خالد عيينة بن حصن، وبعث به إلى المدينة مجموعة يداه إلى عنقه، فدخل المدينة وهو كذلك، فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم، ويقولون: أي عدو الله، ارتددت عن الإسلام؟ فيقول: والله ما كنت آمنت قط! فلما وقف بين يدي الصديق استتابه وحقن دمه، ثم حسن إسلامه بعد ذلك، وأما طليحة فإنه راجع الإسلام بعد ذلك أيضا، وذهب إلى مكة معتمرا أيام الصديق، واستحيا أن يواجهه مدة حياته، وقد رجع فشهد القتال مع خالد، وكتب الصديق إلى خالد: أن استشره في الحرب ولا تؤمره.


كان من خبر أهل البحرين -وتطلق على الساحل الشرقي من الجزيرة العربية- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث العلاء بن الحضرمي إلى ملكها؛ المنذر بن ساوى العبدي، وأسلم على يديه وأقام فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي المنذر بعده بقليل، فلما مات المنذر ارتد أهل البحرين، وملكوا عليهم الغرور، وهو المنذر بن النعمان بن المنذر.

وقال قائلهم: لو كان محمد نبيا ما مات.

ولم يبق بها بلدة على الثبات سوى قرية يقال لها جواثا، كانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة وبعث الصديق رضي الله عنه إليهم العلاء بن الحضرمي، فلما دنا من البحرين جاء إليه ثمامة بن أثال في محفل كبير، وجاء كل أمراء تلك النواحي فانضافوا إلى جيش العلاء بن الحضرمي ثم لما اقترب من جيوش المرتدة -وقد حشدوا وجمعوا خلقا عظيما- نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتا عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون؛ من الشراب، فرجع إليه فأخبره، فركب العلاء من فوره والجيش معه، فكبسوا أولئك فقتلوهم قتلا عظيما، وقل من هرب منهم، واستولى على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة جسيمة، وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك


كان مالك بن نويرة قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة، فلما اتصلت بمسيلمة الكذاب، ثم ترحلت إلى بلادها، ندم مالك على ما كان من أمره، وتلوم في شأنه، وهو نازل بمكان يقال له: البطاح، فقصدها خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار، وقالوا: إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق، فقال لهم خالد: إن هذا أمر لا بد من فعله، وإنه لم يأتني فيها كتاب، وأنا الأمير وإلي ترد الأخبار، ولست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البطاح، فسار يومين ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار، فلحقوا به، فلما وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة، بث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة، وبذلوا الزكوات، إلا ما كان من مالك بن نويرة؛ فإنه متحير في أمره، متنح عن الناس، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه، واختلفت السرية فيهم؛ فشهد أبو قتادة -الحارث بن ربعي الأنصاري- أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون: إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا، فيقال: إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد، فنادى منادي خالد: أن أدفئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد القتل، فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع الداعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمرا أصابه، ودخل خالد على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك، وودى مالك بن نويرة.


نبغ في أهل عمان رجل يقال له: ذو التاج؛ لقيط بن مالك الأزدي، وكان يسمى في الجاهلية الجلندي، فادعى النبوة، وتابعه الجهلة من أهل عمان، فتغلب عليها وقهر جيفرا وعبادا وألجأهما إلى أطرافها من نواحي الجبال والبحر، فبعث جيفر إلى الصديق فأخبره الخبر واستجاشه، فبعث إليه الصديق بأميرين، وهما حذيفة بن محصن الحميري، وعرفجة البارقي من الأزد، حذيفة إلى عمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعمان، وحذيفة هو الأمير، فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.

ثم كتب الصديق لخالد بن الوليد بعد أن قهر مسيلمة: لا أرينك ولا أسمعن بك إلا بعد بلاء، وأمره أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عمان، وكل منكم أمير على جيشه، وحذيفة ما دمتم بعمان فهو أمير الناس، فإذا فرغتم فاذهبوا إلى مهرة، فإذا فرغتم منها فاذهب إلى اليمن وحضرموت، فكن مع المهاجر بن أبي أمية، ومن لقيته من المرتدة بين عمان إلى حضرموت واليمن، فنكل به، فلما وصلوا إليهم كان الفتح والنصر، فولى المشركون مدبرين، وركب المسلمون ظهورهم، فقتلوا منهم عشرة آلاف مقاتل وسبوا الذراري، وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها، وبعثوا بالخمس إلى الصديق -رضي الله عنه.


بعث الصديق خالد بن الوليد إلى قتال مسيلمة الكذاب وقومه من بني حنيفة باليمامة، وأوعب معه المسلمون، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم، وقد اجتاز بخيول لأصحاب سجاح فشردهم وأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، وأردف الصديق خالدا بسرية لتكون ردءا له من ورائه، فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له عقربا في طرف اليمامة، والريف وراء ظهورهم، وندب الناس وحثهم، فحشد له أهل اليمامة، فاصطدم المسلمون والكفار، فكانت جولة عظيمة وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بطل السحر اليوم، ودارت رحى المسلمين، وقد ميز خالد المهاجرين من الأنصار من الأعراب، وكل بني أب على رايتهم، يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبرا لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم، وولى الكفار الأدبار، ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة، حتى خلصوا إلى مسيلمة، فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم، فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، فضربه بالسيف فسقط، فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل.

وقيل: أحد وعشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة، وقيل: خمسمائة.


اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع، حتى اشتد وجعه وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها، فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».

واستغرق مرضه عشرة أيام، قال ابن حجر: (واختلف في مدة مرضه، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوما، وقيل بزيادة يوم، وقيل بنقصه، وقيل: عشرة أيام.

وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح)
.

ثم توفاه الله تعالى يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول، وقد تم له من العمر 63 سنة، وكفن عليه الصلاة والسلام في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى الناس عليه أرسالا، ودفن في مكان موته في حجرة عائشة رضي الله عنها، وجزاه الله تعالى عن المسلمين خير ما جزى نبيا عن أمته.


توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينص على الخليفة من بعده صراحة - وإن كانت هناك إشارات ودلالات من النبي صلى الله عليه وسلم على تولية أبي بكر -والله أعلم- ثم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا رجلا منهم، وهو سعد بن عبادة، فحضر المهاجرون إليهم، وأخبرهم أبو بكر أن هذا الأمر يجب أن يكون في قريش، فهم أوسط العرب نسبا ودارا، ثم رشح عمر، أو أبا عبيدة للخلافة؛ ولكن عمر أبى إلا أن يبايع لأبي بكر، مبينا فضله وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم.

فبايعه عمر، ثم بايعه أهل السقيفة، ثم بايعه الناس في اليوم الثاني البيعة العامة، أما تخلف علي عن البيعة في السقيفة فكان لانشغاله بتجهيز وتكفين النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما يقال من أنه تأخر عن البيعة حتى وفاة فاطمة رضي الله عنها فليس له مستند صحيح، ويبعد أن يبقى ستة أشهر غير مبايع له وهو الذي أعانه وكان تحت إمرته كل تلك الفترة، وخاصة في حروب الردة، بل إن البيعة الثانية من علي لأبي بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنهم كانت تأكيدا للبيعة الأولى وحسما لمادة الفتنة.


كان زيد بن حارثة قد استشهد في مؤتة، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو تلك الجهات جهز جيشا وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يصل إلى البلقاء، فتجهز الجيش وتعبأ، ولكن هذا الجيش لم ينفذ بسبب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما تولى أبو بكر الخلافة كان أول شيء فعله هو إنفاذ جيش أسامة وإرساله كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أن أبا بكر قد أشاروا عليه بعدم إرساله لكنه أبى إلا إنفاذ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه، وشيعهم أبو بكر بنفسه ماشيا، وأوصى الجيش، وكان من آثار هذا الفعل من أبي بكر دلالة على بقاء قوة المسلمين وارتفاع معنوياتهم.


لم يلبث المسلمون بعد تحذير أبي بكر الصديق لهم من الأعراب المرتدين إلا ثلاثا، حتى طرقوا المدينة غارة، وخلفوا نصفهم بذي حسى ليكونوا ردءا لهم، فأرسل الحرس إلى أبي بكر يخبرونه بالغارة، فبعث إليهم: أن الزموا مكانكم، ثم ركب الصديق في أهل المدينة وأمراء الأنقاب، إلى من حول المدينة من الأعراب الذين أغاروا عليها، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حسا ولا همسا، حتى وضعوا فيهم السيوف، فما طلعت الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم، وكان أول الفتح، وذل بها المشركون، وعز بها المسلمون، ووثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، وفعل من وراءهم كفعلهم، فحلف أبو بكر ليقتلن من كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، فكانت هذه الوقعة من أكبر العون على نصر الإسلام وأهله، وذلك أنه عز المسلمون في كل قبيلة، وذل الكفار في كل قبيلة، ورجع أبو بكر إلى المدينة مؤيدا منصورا، سالما غانما.


لما قدم أسامة بن زيد من بعثه للروم استخلفه أبو بكر على المدينة، وأمره ومن معه أن يريحوا ظهرهم، ثم ركب أبو بكر في الذين كانوا معه من المسلمين، فقالوا له: لو رجعت إلى المدينة وأرسلت رجلا، فقال: والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي، فخرج في تعبئته النعمان وعبد الله وسويد بنو مقرن على ما كانوا عليه في الوقعة السابقة، حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق، وهناك جماعة من بني عبس وذبيان، وطائفة من بني كنانة، فاقتتلوا، فهزم الله الحارث وعوفا، وأخذ الحطيئة أسيرا، فطارت بنو عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر على الأبرق أياما، وقد غلب بني ذبيان على البلاد، وقال: حرام على بني ذبيان أن يتملكوا هذه البلاد؛ إذ غنمناها الله، وحمى الأبرق بخيول المسلمين، وأرعى سائر بلاد الربذة، ولما فرت عبس وذبيان صاروا إلى مؤازرة طلحة وهو نازل على بزاخة.


سيدة نساء العالمين في زمانها، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية وأم الحسنين.

أمها خديجة بنت خويلد، ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد بدر، وقيل: بعد أحد, فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب.

وهي أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، كانت من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها، وهي أول أهل النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به.

وأوصت في وفاتها أن تغطى، فكانت أول امرأة يغطى نعشها في الإسلام، غسلها زوجها علي وأسماء بنت عميس وقد كانت تحت أبي بكر رضي الله عنهم، وصلى عليها علي، وقيل: العباس، وأوصت أن تدفن ليلا، ففعل ذلك بها، ونزل في قبرها علي والعباس، والفضل بن العباس.

انقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها رضي الله عنها.