Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
كان الوليد بن عقبة هو أمير الكوفة، فقام بغزو أذربيجان وأرمينية بجيش على مقدمته سليمان بن ربيعة، وذلك أن أهلهما قد منعوا ما صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر بن الخطاب، فاضطرهم الوليد إلى المصالحة مرة أخرى.
كان بدء الدعوة من قبل محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ووصلت الدعوة إلى خراسان، ثم لما توفي محمد بن علي في عام 124 هـ سار بالأمر من بعده ابنه إبراهيم وساعد في قوة الأمر ظهور أبي مسلم الخراساني الذي كان يخدم في سجن يوسف بن عمر أحد المسجونين بتهمة الدعوة العباسية وكان بكير بن ماهان أحد الدعاة الكبار للدعوة العباسية في خراسان قد اشتراه أبا مسلم وأرسله إلى إبراهيم بن محمد فأعطاه لأبي موسى السراج ليؤدبه فسمع منه وحفظ، وقيل غير ذلك في نسب أبي مسلم، وقيل: إن إبراهيم طلب منه تغيير اسمه حتى تتمكن الدعوة العباسية فالله أعلم.
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، أول من دون الحديث، أحد كبار الحفاظ والفقهاء، حدث عن عدد من الصحابة كأنس وابن عمر، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، كان من مشاهير القراء، له مؤلفات في المغازي والتاريخ والقرآن، استقر في الشام وبقي إلى أن قيل ليس في الدنيا له نظير، توفي في قرية شغب أول حدود فلسطين مع الحجاز، فرحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.
هو الجعد بن درهم، رأس المعطلة، أصله من خراسان، أسلم أبوه وصار من موالي بني مروان، وقد ولد في خراسان وهاجر بعد ذلك إلى دمشق حيث أقام هناك، وهو أول من ابتدع: أن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى، وأن ذلك لا يجوز على الله.
كان الجعد زنديقا، شهد عليه ميمون بن مهران، فطلبه هشام، فظفر به، وسيره إلى خالد بن عبد الله القسري في العراق فقتله يوم النحر، ومنه أخذ الجهم بن صفوان مقالته في التعطيل.
خرج رجل بآمل طبرستان يقال له مازيار بن قارن بن يزداهرمز، وكان لا يرضى أن يدفع الخراج إلى نائب خراسان عبد الله بن طاهر بن الحسين، بل يبعثه إلى الخليفة ليقبضه منه، فيبعث الخليفة من يتلقى الحمل إلى بعض البلاد ليقبضه منه ثم يدفعه إلى ابن طاهر، ثم آل أمره إلى أن وثب على تلك البلاد وأظهر المخالفة للمعتصم، وقد كان المازيار هذا ممن يكاتب بابك الخرمي ويعده بالنصر، ويقال: إن الذي قوى رأس مازيار على ذلك الأفشين ليعجز عبد الله بن طاهر عن مقاومته فيوليه المعتصم بلاد خراسان مكانه، فبعث إليه المعتصم محمد بن إبراهيم بن مصعب- أخا إسحاق بن إبراهيم- في جيش كثيف، فجرت بينهم حروب طويلة، وكان آخر ذلك أسر المازيار وحمله إلى ابن طاهر، فاستقره عن الكتب التي بعثها إليه الأفشين فأقر بها، فأرسله إلى المعتصم وما معه من أمواله التي احتفظت للخليفة، وهي أشياء كثيرة جدا من الجواهر والذهب والثياب، فلما أوقف بين يدي الخليفة سأله عن كتب الأفشين إليه فأنكرها، فأمر به فضرب بالسياط حتى مات، وكان ذلك عام 225هـ، وصلب إلى جانب بابك الخرمي على جسر بغداد، وقتل عيون أصحابه وأتباعه.
لما فرغ الأفشين من بابك وعاد إلى سامرا استعمل على أذربيجان منكجور- وهو من أقاربه- فوجد في بعض قرى بابك مالا عظيما ولم يعلم به المعتصم، ولا الأفشين، فكتب صاحب البريد إلى المعتصم، وكتب منكجور يكذبه، فتناظرا، فهم منكجور ليقتله، فمنعه أهل أردبيل، فقاتلهم منكجور، وبلغ ذلك المعتصم، فأمر الأفشين بعزل منكجور، فوجه قائدا في عسكر ضخم، فلما بلغ منكجور الخبر خلع الطاعة، وجمع الصعاليك، وخرج من أردبيل، فواقعه القائد فهزمه، وسار منكجور إلى حصن من حصون أذربيجان التي كان بابك خربها، فبناه وأصلحه وتحصن فيه، فبقي به شهرا، ثم وثب به أصحابه، فأسلمه إلى قائد الأفشين، فقدم به إلى سامرا فحبسه المعتصم، واتهم الأفشين في أمره، وكان قدومه سنة خمس وعشرين ومائتين، وقيل: إن ذلك القائد الذي أنفذ إلى منكجور كان بغا الكبير، وإن منكجور خرج إليه بأمان.
سير عبد الرحمن بن الحكم عبد الله المعروف بابن البلنسي إلى بلاد العدو، فوصلوا إلى "ألبة" والقلاع، فخرج المشركون إليه في جمعهم، وكان بينهم حرب شديدة وقتال عظيم، فانهزم المشركون، وقتل منهم ما لا يحصى، وجمعت الرؤوس أكداسا، وفي هذه السنة أيضا خرج لذريق في عسكره، وأراد الغارة على مدينة سالم من الأندلس، فسار إليه عبد الرحمن بن الحكم فوتون بن موسى في عسكر جرار، فلقيه وقاتله، فانهزم لذريق وكثر القتل في عسكره، وسار فوتون إلى الحصن الذي كان بناه أهل ألبة بإزاء ثغور المسلمين، فحصره، وافتتحه وهدمه.
هو القاسم بن سلام الهروي الأزدي ولاء، ولد بمدينة هراة سنة 157هـ, أحد أئمة اللغة والفقه والحديث، والقرآن والأخبار وأيام الناس، كان أبوه عبدا روميا, فطلب أبو عبيد العلم وسمع الحديث ودرس الأدب والفقه، ثم ارتحل إلى العراق نحو سنة 176هـ، له المصنفات المشهورة المنتشرة بين الناس، حتى يقال: إن الإمام أحمد كتب كتابه الغريب بيده- وهو أشهر كتبه- قال هلال بن العلاء الرقي: "من الله على المسلمين بهؤلاء الأربعة: الشافعي، تفقه في الفقه والحديث، وأحمد بن حنبل في المحنة، ويحيى بن معين في نفي الكذب، وأبو عبيد في تفسير غريب الحديث، ولولا ذلك لاقتحم الناس المهالك"، وكان أبو عبيد قد ولد بهراة، وأقام في بغداد، ثم انتقل إلى مصر، وكانت وفاته بمكة- رحمه الله تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.
خرج الأمير محمد بنفسه إلى طليطلة.
فلما علم أهلها بذلك، أرسلوا إلى أردن بن إذفونش صاحب جليقية، يعلمونه بحركته ويستمدون به.
فبعث إليهم أخاه غثون في جمع عظيم من النصارى.
فلما علم بذلك الأمير محمد، وقد كان قارب طليطلة، أعمل الحيلة والكيد، وأخذ بالحزم، فعبأ الجيوش، وكمن الكمائن بناحية وادي سليط، ثم نصب الردود، وطلع في أوائل العسكر في قلة من العدد.
فلما رأى ذلك أهل طليطلة، أعلموا العلج بما عاينوه من قلة المسلمين، فتحرك العلج فرحا، وقد طمع في الظفر والغنيمة وانتهاز الفرصة.
فلما التقى الجمعان، خرجت الكمائن عن يمين وشمال، وتواترت الخيل أرسالا على أرسال، حتى غشى الأعداء منهم ظلل كالجبال، فانهزم المشركون وأهل طليطلة، وأخذتهم السلاح، قطعا بالسيوف، وطعنا بالرماح، فقتل الله عامتهم، وأباد جماعتهم.
وحز من رؤوسهم مما كان في المعركة وحواليها ثمانية آلاف رأس، وجمعت ورصت؛ فصار منها جبل علاه المسلمون، يكبرون ويهللون ويحمدون ربهم ويشكرون.
وبعث الأمير محمد بأكثرها إلى قرطبة، وإلى سواحل البحر، وإلى العدوة.
وانتهى عدد من فقد منهم في هذه الوقعة إلى عشرين ألفا.
وثب أهل حمص بعاملهم أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافعي، وكان قتل رجلا من رؤسائهم، فقتلوا جماعة من أصحابه، وأخرجوه، وأخرجوا عامل الخراج، فبعث المتوكل إليهم عتاب بن عتاب، ومحمد بن عبدويه الأنباري، وقال لعتاب: قل لهم: إن أمير المؤمنين، قد بدلكم بعاملكم، فإن أطاعوا فول عليهم محمد بن عبدويه، فإن أبوا فأقم وأعلمني، حتى أمدك برجال وفرسان، فساروا إليهم، فرضوا بمحمد بن عبدويه، فعمل فيهم الأعاجيب، حتى أحوجهم إلى محاربته, فأساء إليهم وعسف فيهم، فوثبوا به، وأمده المتوكل بجند من دمشق والرملة، فظفر بهم وقتل منهم جماعة، وأخرج النصارى منها، وهدم كنائسهم، وأدخل منها بيعة في الجامع كانت تجاوره.
هو أفلح بن عبدالوهاب بن عبدالرحمن بن رستم، إمام الرستمية الإباضية الثالث في تاهرت، بويع له للإمامة بعد أبيه عام 190هـ، كان حازما للأمور، وقد خرجت عليه كثير من الحروب والفتن، كان مؤيدا للأمويين في الأندلس، وهو الذي أحرق مدينة العباسية التي بناها الأغالبة عام 239هـ وكافأه على ذلك عبدالرحمن الأوسط أمير الأندلس بمائة ألف درهم، ودامت إمامته للرستمية خمسين سنة، واستخلف بعده ابنه أبو اليقظان.
هو أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد فرج بن جرير بن مالك بن عبد الله بن عباد بن سلام، ولد سنة ستين ومائة بقنسرين، ونشأ بدمشق, وكان أبوه تاجرا يفد إلى الشام، ثم وفد إلى العراق وأخذ ولده هذا معه إلى العراق، فارتحل للبصرة، واتصل ابن أبي دؤاد بأصحاب واصل بن عطاء، وعنهم أخذ مذهب الاعتزال، ثم اتصل بالمأمون فكان قاضي القضاة، وكان موصوفا بالجود والسخاء وحسن الخلق ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن، لم يكن بعد البرامكة أكرم منه، ولولا ما وضع من نفسه من محبة المحنة، لاجتمعت عليه الإنس.
حث المأمون على امتحان العلماء والناس بمسألة خلق القرآن، وبقي كذلك مع المعتصم ومع الواثق، كل ذلك هو رأس الفتنة وفتيل نارها، حتى جاء المتوكل، وكان ابن أبي دؤاد قد دعا على نفسه إن لم يكن الواثق قد قتل أحمد بن نصر كافرا، فأصابه الله بالفالج، فبقي أربع سنين محبوسا بمرضه ذلك، فعزله المتوكل وأمر بمصادرة أمواله، فصولح على ستة عشر مليون درهم، توفي في بغداد عن ثمانين سنة- عامله الله بما يستحق.
كان الفداء بين المسلمين والروم، بعد أن قتلت تدورة- ملكة الروم- من أسرى المسلمين اثني عشر ألفا، فإنها عرضت النصرانية على الأسرى، فمن تنصر جعلته أسوة من قبله من المتنصرة، ومن أبى قتلته، وأرسلت تطلب المفاداة لمن بقي منهم، فأرسل المتوكل شنيفا الخادم، فأذن له فحضره واستخلف على القضاء ابن أبي الشوارب، وهو شاب، ووقع الفداء على نهر اللامس، فكان أسرى المسلمين من الرجال سبعمائة وخمسة وثمانين رجلا، ومن النساء مائة وخمسا وعشرين امرأة.
البجاة هم طائفة من سودان بلاد المغرب، وكذا النوبة وشنون وزغرير ويكسوم، وأمم كثيرة لا يعلمهم إلا الله، وفي بلاد هؤلاء معادن الذهب والجوهر، وكان عليهم حمل في كل سنة إلى ديار مصر من هذه المعادن، فلما كانت دولة المتوكل امتنعوا من أداء ما عليهم سنين متعددة، فكتب نائب مصر إليه يعلمه بذلك، فلما شاور المتوكل في أمرهم أعلموه أنهم في أرض بعيدة، ومن أراد قتالهم عليه التزود كثيرا، وإذا فني الزاد هلكوا بأرضهم، وأنهم يمكنهم الاستنجاد بالنوبة والحبوش، ففتر المتوكل عن قتالهم فتفاقم أمرهم حتى أخافوا الصعيد، فعرض محمد بن عبدالله القمي أن يحاربهم فتجهز لهم بجيش، وأمر أن يبقى بجانب السواحل حتى يأتيه المدد منها، فسار إليهم في جيشه، فلما رأوه على تلك الهيئة بقوا يراوغونه كالثعالب حتى يفنى زادهم فيقتلونهم، ولكن لما رأوا أن المراكب تأتيهم بالمدد من الشاطئ على النيل، أيقنوا أنه لا مفر من حربهم، فكروا إليه وكانت لهم جمال قوية، لكنها سريعة النفور، فأعمل جيش القمي الأجراس والطبول فنفرت إبلهم، فقتل منهم الكثير، ولكن رئيسهم علي بابا هرب، ثم إنه طلب الأمان على أن يعطي ما كان منعه كل تلك السنين وأن يعود على ما كان عليه من الخراج، فأعطاه الأمان وسيره إلى المتوكل الذي أكرمه وأعاده إلى بلاده.
بعد أن وثب أهل حمص العام الماضي على أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافعي، ثم أبدلهم المتوكل بمحمد بن عبدويه الأنباري ورضوا به، لم يسر بهم العامل الجديد سيرة حسنة، بل فعل فيهم الأعاجيب، فوثب أهل حمص بعاملهم الجديد محمد بن عبدويه، وأعانهم عليه قوم من نصارى حمص، فكتب إلى المتوكل، فكتب إليه يأمره بمناهضتهم، وأمده بجند من دمشق والرملة، فظفر بهم، فضرب منهم رجلين من رؤسائهم حتى ماتا وصلبهما على باب حمص، وسير ثمانية رجال وأمر المتوكل بإخراج النصارى منها، وهدم كنائسهم، وبإدخال البيعة التي إلى جانب الجامع إلى الجامع، ففعل ذلك.
هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي، نزيل بغداد، أحد الأئمة الأربعة المشهورين في الفقه، ثقة حافظ، فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة، خرجت أمه من مرو وهي حامل به، فولدته في بغداد، في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، وقيل: إنه ولد بمرو وحمل إلى بغداد وهو رضيع.
نشأ وتعلم ببغداد.
كان مخضوبا، طوالا، أسمر شديد السمرة.
توفي والده وهو شاب, وتزوج بعد الأربعين.
ورحل كثيرا.
وعني بطلب الحديث، تفقه على الشافعي، وكان له اجتهاد حتى صار إماما في الحديث والعلل، إماما في الفقه، كل ذلك مع ورع وزهد وتقشف، وإليه تنسب الحنابلة، هو الذي وقف وقفته المشهورة في مسألة خلق القرآن فأبى أن يجيبهم على بدعتهم، فضرب بالسياط أيام المعتصم والواثق، وبقي قبلها تحت العذاب قرابة الأربع سنين، وكل ذلك هو ثابت بتثبيت الله له، ثم في عهد الواثق منع من الفتيا، وأمر بلزوم بيته كإقامة جبرية، ولم ينفرج أمره حتى جاء المتوكل ورفع هذه المحنة، بقي قرابة الأربع عشرة سنة في هذه المحنة بين ضرب وحبس وإقامة جبرية، فكان من الذين قال الله فيهم: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة: 24]، وكان الذين ثبتوا على الفتنة فلم يجيبوا بالكلية: خمسة: أحمد بن حنبل وهو رئيسهم، ومحمد بن نوح بن ميمون الجند النيسابوري- ومات في الطريق- ونعيم بن حماد الخزاعي- وقد مات في السجن- وأبو يعقوب البويطي- وقد مات في سجن الواثق على القول بخلق القرآن، وكان مثقلا بالحديد- وأحمد بن نصر الخزاعي، قتله الواثق، قال يحيى بن معين: "كان في أحمد بن حنبل خصال ما رأيتها في عالم قط: كان محدثا، وكان حافظا، وكان عالما، وكان ورعا، وكان زاهدا، وكان عاقلا" قال الشافعي: "خرجت من العراق فما تركت رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل" وقال المزني: أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم الجمل وصفين"، وكان- رحمه الله- إماما في الحفظ، قال أبو زرعة: "كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، فقيل: له وما يدريك، قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب", وقيل لأبي زرعة: من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ؟ فقال: أحمد بن حنبل، حزرت كتبه اليوم الذي مات فيه، فبلغت اثني عشر حملا وعدلا، ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان، ولا في بطنه حديث فلان، وكل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه", وقال إبراهيم الحربي: "رأيت أحمد بن حنبل كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف، يقول ما شاء، ويمسك ما شاء".
له كتاب المسند المشهور، وله غير ذلك في الجرح والتعديل والعلل، توفي في بغداد، وكانت جنازته مشهودة, وقيل: لما مات الإمام أحمد صلى عليه ألف ألف وستمائة ألف رجل، وأسلم وراء نعشه أربعة آلاف ذمي من هول ما رأوا.
، فرحمه الله تعالى، وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين.
هو أبو العباس محمد بن الأغلب أمير إفريقية، تولى الإمارة بعد موت أبيه عام 226هـ، ودانت له إفريقية، وشيد مدينة بقرب تاهرت، وسماها العباسية، وذلك سنة 227هـ, حاول أخوه أبو جعفر أن يأخذ الإمارة منه عام 231هـ، لكنه تغلب عليه ونفاه، ثم ثار عليه سالم بن غلبون وعمرو بن سليم.
توفي وعمره ست وثلاثون سنة، دامت إمارته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر، وولي بعده ابنه أحمد إمارة إفريقية.
كتب الأمير محمد بن عبدالرحمن إلى موسى بن موسى بحشد الثغور والدخول إلى برشلونة، فغزاها وافتتح في هذه الغزاة حصن طراجة، وهي من آخر أحواز برشلونة، ومن خمس ذلك الحصن زيدت الزوائد في المسجد الجامع بسرقسطة، وكان الذي أسسه ونصب محرابه حنش الصنعاني، وهو من التابعين.
وقعت في هذه السنة وقعة عظيمة في أهل طليطلة، وذلك أنهم خرجوا إلى طلبيرة، فخرج إليهم قائدها مسعود بن عبد الله العريف، بعد أن كمن لهم الكمائن، فقتلهم قتلا ذريعا، وبعث إلى قرطبة بسبعمائة رأس من رؤوس أكابرهم، ثم في سنة 244هـ خرج الأمير محمد بنفسه إلى طليطلة، وعددهم قد قل، بتواتر الوقائع عليهم، ونزول المصائب بهم، فلم تكن لهم حرب إلا بالقنطرة.
ثم أمر الأمير بقطع القنطرة، وجمع العرفاء من البنائين والمهندسين، وأداروا الحيلة من حيث لا يشعر أهل طليطلة.
ثم نزلوا عنها، فبينما هم مجتمعون بها، إذ اندقت بهم، وتهدمت نواحيها، وانكفأت بمن كان عليها من الحماة والكماة، فغرقوا في النهر عن آخرهم.
فكان ذلك من أعظم صنع الله فيهم.
ثم في سنة 245هـ دعا أهل طليطلة إلى الأمان، فعقده الأمير لهم، وهو الأمان الأول.
خرج المتوكل من العراق قاصدا دمشق فأدركه الأضحى في الطريق ولم يصل دمشق إلا في أول هذه السنة، فدخل الخليفة المتوكل إلى مدينة دمشق في أبهة الخلافة، وكان يوما مشهودا، وكان عازما على الإقامة بها، وأمر بنقل دواوين الملك إليها، وأمر ببناء القصور بها، فبنيت بطريق داريا، فأقام بها مدة، ثم إنه استوخمها ورأى أن هواءها بارد ندي وماءها ثقيل بالنسبة إلى هواء العراق ومائها، ورأى الهواء بها يتحرك من بعد الزوال في زمن الصيف، فلا يزال في اشتداد وغبار إلى قريب من ثلث الليل، ورأى كثرة البراغيث بها، ودخل عليه فصل الشتاء فرأى من كثرة الأمطار والثلوج أمرا عجيبا، وغلت الأسعار وهو بها؛ لكثرة الخلق الذين معه، وانقطعت الأجلاب بسبب كثرة الأمطار والثلوج، فضجر منها، ثم رجع من آخر السنة إلى سامرا بعد ما أقام بدمشق شهرين وعشرة أيام، ففرح به أهل بغداد فرحا شديدا.
فتح المسلمون مدينة قصريانة، وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلية، وكان الملك قبلها يسكن سرقوسة، فلما ملك المسلمون بعض الجزيرة نقل دار الملك إلى قصريانة لحصانتها.
وسبب فتحها أن العباس بن الفضل- أمير صقلية- سار في جيوش المسلمين إلى مدينة قصريانة، وسرقوسة، وسير جيشا في البحر، فلقيهم أربعون شلندي للروم، فاقتتلوا أشد قتال، فانهزم الروم، وأخذ منهم المسلمون عشر شلنديات برجالها، وعاد العباس بن الفضل إلى مدينته.
فلما كان الشتاء سير سرية، فبلغت قصريانة، فنهبوا وخربوا، وعادوا ومعهم رجل كان له عند الروم قدر ومنزلة، فأمر العباس بقتله، فقال: استبقني، ولك عندي نصيحة، قال: وما هي؟ قال: أملكك قصريانة، والطريق في ذلك أن القوم في هذا الشتاء وهذه الثلوج آمنون من قصدكم إليهم، فهم غير محترسين، ترسل معي طائفة من عسكركم حتى أدخلكم المدينة.
فانتخب العباس ألفي فارس أنجاد أبطال، وسار إلى أن قاربها، وكمن هناك مستترا وسير عمه رباحا في شجعانهم، فساروا مستخفين في الليل، فنصبوا السلاليم، وصعدوا الجبل، ثم وصلوا إلى سور المدينة، قريبا من الصبح، والحرس نيام، فدخلوا من نحو باب صغير فيه، فدخل المسلمون كلهم، فوضعوا السيف في الروم، وفتحوا الأبواب.
وجاء العباس في باقي العسكر، فدخلوا المدينة وصلوا الصبح يوم الخميس منتصف شوال، وبنى فيها في الحال مسجدا ونصب فيه منبرا وخطب فيه يوم الجمعة، وقتل من وجد فيها من المقاتلة، وأخذوا ما فيها من بنات البطارقة بحليهن، وأبناء الملوك، وأصابوا فيها ما يعجز الوصف عنه، وذل الشرك يومئذ بصقلية ذلا عظيما.
ولما سمع الروم أرسل ملكهم بطريقا من القسطنطينية في ثلاثمائة شلندي وعسكر كثير، فوصلوا إلى سرقوسة، فخرج إليهم العباس من المدينة، ولقي الروم وقاتلهم، فهزمهم، فركبوا في مراكبهم هاربين، وغنم المسلمون منهم مائة شلندي، وكثر القتل فيهم، ولم يصب من المسلمين ذلك اليوم غير ثلاثة نفر بالنشاب.
بعث ملك الروم بأسرى من المسلمين، ويسأل المفاداة بمن عنده وكان الذي قدم من قبل صاحب الروم رسولا إلى المتوكل شيخا يدعى أطرو بيليس، معه سبعة وسبعون رجلا من أسرى المسلمين أهداهم ميخائيل بن توفيل ملك الروم إلى المتوكل، فأنزل على شنيف الخادم، ثم وجه المتوكل نصر بن الأزهر مع رسول صاحب الروم، فشخص في هذه السنة ولم يقع الفداء إلا في سنة ست وأربعين.
خرج المجوس (النورماند) إلى ساحل البحر بالغرب، في اثني وستين مركبا، فوجدوا البحر محروسا، ومراكب المسلمين معدة، تجري من حائط إفرنجة إلى حائط جليقية في الغرب الأقصى، فتقدم مركبان من مراكب المجوس، فتلاقت بهم المراكب المعدة، فوافوا هذين المركبين في بعض كسور باجة؛ فأخذوهما بما كان فيهما من الذهب والفضة والسبي والعدة.
ومرت سائر مراكب المجوس في الريف حتى انتهت إلى مصب نهر إشبيلية في البحر، فأخرج الأمير الجيوش، ونفر الناس من كل أوب، وكان قائدهم عيسى بن الحسن الحاجب.
وتقدمت المراكب من مصب نهر إشبيلية حتى حلت بالجزيرة الخضراء، فتغلبوا عليها، وأحرقوا المسجد الجامع بها، ثم جازوا إلى العدوة فاستباحوا أريافها، ثم عادوا إلى ريف الأندلس، وتوافوا بساحل تدمير، ثم انتهوا إلى حصن أوربولة، ثم تقدموا إلى إفرنجة فشتوا بها، وأصابوا بها الذراري والأموال، وتغلبوا بها على مدينة سكنوها، فهي منسوبة إليهم إلى اليوم، حتى انصرفوا إلى ريف بحر الأندلس، وقد ذهب من مراكبهم أكثر من أربعين مركبا، ولقيهم مراكب الأمير محمد، فأصابوا منها مركبين بريف شذونة، فيها الأموال العظيمة.
ومضت بقية مراكب المجوس.
وقعت بين البربر وعسكر أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب وقعة عظيمة، وسببها أن بربر لهان امتنعوا على عامل طرابلس من أداء عشورهم وصدقاتهم، وحاربوه فهزموه، فقصد لبدة فحصنها وسار إلى طرابلس، فسير إليه أحمد بن محمد الأمير جيشا مع أخيه زيادة الله، فانهزم البربر، وقتل منهم خلق كثير، وسير زيادة الله الخيل في آثارهم، فقتل من أدرك منهم، وأسر جماعة، فضربت أعناقهم، وأحرق ما كان في عسكرهم، فأذعن البربر بعدها وأعطوا الرهن، وأدوا طاعتهم.
يعتبر مسجد القرويين بفاس من أعرق المساجد المغربية وأقدمها.
وتكاد تجمع الدراسات التاريخية على أن هذا المسجد بنته فاطمة الفهرية (أم البنين) في عهد دولة الأدارسة، أما بداية بناء مسجد القرويين فشرع في حفر أساس مسجد القرويين والأخذ في أمر بنائه هذه السنة بمطالعة الإدريسي يحيى الأول، وأم البنين فاطمة الفهرية هي التي تطوعت ببنائه وظلت صائمة محتبسة إلى أن انتهت أعمال البناء وصلت في المسجد شكرا لله، علما أنه وجد لوحة منقوشة عثر عليها- عند أعمال الترميم- في البلاط الأوسط، فوق قوس المحراب القديم الذي كان للقرويين قبل قيام المرابطين بتوسعة المسجد، لقد اكتشفت مدفونة تحت الجبس، وقد كتب عليها- في جملة ما كتب- بخط كوفي إفريقي عتيق: بني هذا المسجد في شهر ذي القعدة من سنة ثلاث وستين ومائتين، مما أمر به الإمام- أعزه الله- داود بن إدريس، أبقاه الله.
.
.
ونصره نصرا عزيزا.
غزا عمرو بن عبد الله الأقطع الصائفة، فأخرج سبعة عشر ألف رأس، وغزا قريباس، وأخرج خمسة آلاف رأس، وغزا الفضل بن قارن بحرا في عشرين مركبا، فافتتح حصن أنطاكية، وغزا بلكاجور، فغنم وسبى، وغزا علي بن يحيى الأرمني، فأخرج خمسة آلاف رأس، ومن الدواب والرمك والحمير، ونحوا من عشرة آلاف رأس، وفيها كان الفداء على يد علي بن يحيى الأرمني، ففودي بألفين وثلاثمائة وسبعة وستين نفسا.
تزعم بنو الرسي بصعدة وصنعاء، وقام الحسن بن قاسم الرسي بتأسيس دولتهم، وهم من الأئمة الزيديين، والقاسم الرسي هو القاسم بن إبراهيم المعروف بطباطبا بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان بويع بالإمامة بعد موت أخيه محمد، وبقي متخفيا مدة هاربا من بلد لآخر، حتى استقر بأرمينية في الرس، وفيها مات فعرف بالرسي.
نكث العهد كثير من قلاع صقلية وهي: وسطر، وابلا وابلاطنوا وقلعة عبد المؤمن، وقلعة البلوط، وقلعة أبي ثور، وغيرها من القلاع، فخرج العباس بن الفضل إليهم، فلقيهم عساكر الروم، فاقتتلوا فانهزم الروم، وقتل منهم كثير.
وسار إلى قلعة عبد المؤمن وقلعة ابلاطنوا فحصرها، فأتاه الخبر بأن كثيرا من عساكر الروم قد وصلت، فرحل إليهم، فالتقوا بجفلودى، وجرى بينهم قتال شديد، فانهزمت الروم، وعادوا إلى سرقوسة، وعاد العباس إلى المدينة، وعمر قصريانة، وحصنها وشحنها بالعساكر.
وفي سنة سبع وأربعين ومائتين سار العباس إلى سرقوسة، فغنم، وسار إلى غيران قرقنة، فاعتل ذلك اليوم، ومات بعد ثلاثة أيام، ثالث جمادى الآخرة، فدفن هناك فنبشه الروم، وأحرقوه، وكانت ولايته إحدى عشرة سنة، وأدام الجهاد شتاء وصيفا، وغزا أرض قلورية وانكبردة وأسكنها المسلمين.
أغزى الأمير محمد بن عبد الرحمن إلى أرض بنبلونة أحد قواده، فخرج في هذه الغزوة خروجا لم يخرج قبله مثله جمعا وكثرة، وكمال عدة، وظهور هيبة.
وكان ابن غرسية صاحب بنبلونة إذ ذاك متظافرا مع أزدون صاحب جليقية، فأقام هذا القائد يدوخ أرض بنبلوبة، مترددا فيها اثنين وثلاثين يوما، يخرب المنازل، وينسف الثمار، ويفتح القرى والحصون.
وافتتح في الجملة حصن قشتيل، وأخذ فيه فرتون بن غرسية المعروف بالأنفر، وقدم به إلى قرطبة، فأقام بها محبوسا نحوا من عشرين سنة، ثم رده الأمير إلى بلده، وعمر فرتون مائة وست وعشرون سنة.
كان مقتل الخليفة المتوكل على الله على يد ولده المنتصر، وكان سبب ذلك أن المتوكل أمر ابنه عبد الله المعتز أن يخطب بالناس في يوم جمعة، فأداها أداء عظيما بليغا، فبلغ ذلك من المنتصر كل مبلغ، وحنق على أبيه وأخيه، وزاد ذلك أن المتوكل أراد من المنتصر أن يتنازل عن ولاية العهد لأخيه المعتز فرفض، وزاد ذلك أيضا أنه أحضره أبوه وأهانه وأمر بضربه في رأسه وصفعه، وصرح بعزله عن ولاية العهد، فاشتد أيضا حنقه أكثر مما كان، فلما كان يوم عيد الفطر خطب المتوكل بالناس وعنده بعض ضعف من علة به، ثم عدل إلى خيام قد ضربت له أربعة أميال في مثلها، فنزل هناك ثم استدعى في يوم ثالث شوال بندمائه على عادته في سمره، ثم تمالأ ولده المنتصر وجماعة من الأمراء على الفتك به فدخلوا عليه ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال، وهو على السماط، فابتدروه بالسيوف فقتلوه، وكانت مدة خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام، ثم ولوا بعده ولده المنتصر، وبعث إلى أخيه المعتز فأحضره إليه فبايعه المعتز، وقد كان المعتز هو ولي العهد من بعد أبيه، ولكنه أكرهه، وخاف فسلم وبايع، ومن المعروف أن الأتراك الذين كان قد قربهم الواثق وجعلهم قواده الأساسيين قد حقدوا على المتوكل، فكان ذلك من أسباب تمالئهم على قتله، وباغتيال المتوكل يعتبر العصر العباسي الأول قد انتهى، وهو عصر القوة، وبدأ العصر الثاني- عصر الضعف والانحدار- بالمنتصر؛ وذلك لأن الخلافة أصبحت صورة ظاهرية، والحكم الحقيقي هو للقواد العسكريين.