أرشيف المقالات

لماذا نصوم؟

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
اليوم الثالث
لماذا نصوم؟
 
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
 
هذه الآية وما بعدها نزَلتْ كلُّها بالمدينة المنورة، وكانت - على الراجح - يوم الاثنين لليلتين خلَتا من شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، وهي السنة الخامسة والخمسون من ميلاد الرسول الكريم، وهي توضِّح ثلاثة أمور:
1- فريضة الصيام.
2- أن الصيام عبادة قديمة.
3- الحكمة من الصيام.
 
أولًا: فرضية الصيام ثابتةٌ بالكتاب والسُّنة والإجماع، وهو معلوم من الدين بالضرورة، فيكفر جاحده ومُنكِرُه.
أما الكتاب، فيقول تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183].
وقوله سبحانه: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
 
وأما السُّنة، فحديث ابن عمر: ((بُني الإسلام على خمس))، قال النووي في شرح مسلم: واعلم أن الحديث أصلٌ عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه.
 
أما الإجماع، فلم يختلف أحدٌ من المسلمين على وجوب صوم رمضان.
 
ثانيًا: الصوم عبادة قديمة، قال المفسِّرون في هذه الآية: إنها تدل على أن جميع الديانات فُرِض فيها الصوم، وأن جميع الأمم تَعبَّدَها اللهُ تعالى بالصوم.
 
وقالوا في معنى الآية: إن الصوم عبادة قديمة، لم تُفرَض عليكم وحدَكم؛ بل شارككم فيها كلُّ الأمم، قال تعالى: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]؛ أي: الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى يومنا هذا.
 
وعن ابن عباس ومجاهد: أنهم أهل الكتاب، وعن الحسن والسَّدي والشعبي: أنهم النصارى.
 
وفي الآية الكريمة تأكيد للحكم، وترغيب فيه، وتطييب لنفوس المخاطبين؛ فإن الأمور الشاقَّة إذا عمَّت طابتْ.
 
ثالثًا: الحكمة من الصيام:
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ هكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم..
إنها التقوى.
 
صفات المتقين:
♦ التقوى وصيةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي ذرٍّ، عندما قال للرسول: أَوصِني، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أُوصِيك بتقوى الله؛ فإنها رأس الأمر كله))؛ [الحاكم وابن حبان]؛ أي: إن التقوى بالنسبة للعبادة كالرأس بالنسبة للجسد، فلا معنى للعبادة بدون تقوى.
 
ووصَف الإمام عليٌّ كرم الله وجهه المتقين في هذه الدنيا، فقال: هم أهل الفضائل، منطقُهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيُهم التواضع، غضُّوا أبصارهم عما حرَّم الله عليهم، ووقَفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، لا يرضَون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسِهم متهِمون، ومن أعمالهم مشفِقون، ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دِين، وحزمًا في لِين، وإيمانًا في يقين، وحرصًا في علم، وعلمًا في حلم، وقصدًا في غنى، وخشوعًا في عبادة، وتحمُّلًا في فاقة، وصبرًا في شدة، وطلبًا في حلال، ونشاطًا في هدى، وتحرُّجًا عن طمع، يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل، يمسي وهمُّه الشكر، ويصبح وهمُّه الذِّكر، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل.
 
الثمار العشر للتقوى:
1) العلم: قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].
 
2) الحب: قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76].
 
3) المحبة والنصر والتأييد: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].
 
4) الإكرام: قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
 
5) النجاة من النار: قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72].
 
6) النجاة من الشدائد والرزق الحلال: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
 
7) تكفير الذنوب: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].
 
8) الحفظ من الأعداء: قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 120].
 
9) استقبال الملائكة أحسن استقبال: قال تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ﴾ [الزمر: 73].
 
10) جنة عَرْضُها السموات والأرض: قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].

واجب عملي:
حاول أن تحقِّق صفات المتقين التي ذكرها الإمام عليٌّ؛ لتحصِّل التقوى آخر الشهر.
 
التجويد:
الاستعاذة:
♦ الاستعاذة لغة: معناها الالتجاء والاعتصام والتحصين.
♦ الاستعاذة اصطلاحًا: لفظ يحصُل به الالتجاء إلى الله تعالى، والاعتصام والتحصن به من الشيطان الرجيم، وهي ليست من القرآن بالإجماع، ولفظُها لفظ الخبر ومعناها الإنشاء، أي: اللهم أَعِذْني من الشيطان الرجيم.
♦ حكم الاستعاذة: اختلف العلماء هل هي واجبة أم مندوبة؟
القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى أنها مندوبة عند ابتداء القراءة، وحمَلوا الأمر في قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98] على الندب، بحيث لو ترَكَها القارئ لم يكن آثمًا.
 
القول الثاني: ذهب بعض العلماء إلى أنها واجبة عند ابتداء القراءة، وحملوا الأمر السابق في الآية على الوجوب، وعلى مذهبهم إذا ترَكَها القارئ يكون آثمًا.
صيغة الاستعاذة:
المختار عند جميع القراء في صيغتها: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)؛ لأن هذه الصيغة أقرَبُ مطابَقةً للآية السابقة الواردة في سورة النحل، ويجوز التعوُّذُ بغير هذه الصيغة مما ورد به النص: (أعوذ بالله من الشيطان)، ونحو: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم).
♦ أحوال الاستعاذة: للاستعاذة عند بدء القراءة حالتان، هما:
الحالة الأولى: الجهر.
الحالة الثانية:الإخفاء.
الحالة الأولى: الجهر: فيستحب الجهر بالاستعاذة عند بدء القراءة في موضعين:
الأولى: إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وكان هناك من يستمع لقراءته.
الثانية: إذا كان القارئ وسط جماعة يقرؤون القرآن، وكان هو المبتدئ بالقراءة.
الحالة الثانية: الإخفاء: يستحب الإخفاء بالاستعاذة في أربعة مواضع:
الأول: إذا كان القارئ يقرأ سرًّا.
الثاني: إذا كان القارئ يقرأ جهرًا وليس عنده أحد يستمع لقراءته.
الثالث: إذا كان القارئ يقرأ في الصلاة، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، ولا سيما إذا كانت الصلاة جهرية.
الرابع: إذا كان يقرأ وسط جماعة، وليس هو المبتدئ بالقراءة.
أوجه الاستعاذة:لها أربعة أوجه عند الابتداء:
1) قطع الجميع: أي فصل الاستعاذة عن البسملة عن أول السورة.
2) وصل الجميع: أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة دون الوقف.
3) قطع الأول ووصل الثاني بالثالث: أي تأتي بالاستعاذة وحدها، ثم تأتي بالبسملة مع أول السورة بدون قطع.
4) وصل الأول بالثاني وقطع الثالث: أي تأتي بالاستعاذة مع البسملة بدون قطع، ثم تأتي بأول السورة منفردًا.
 
علوم القرآن:
أنواع وحي الله تعالى إلى رسله:
وحي الله إلى رسله صلوات الله عليهم يكون بإحدى طرق ثلاث، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51].
النوع الأول: ما جاء في صدر الآية الكريمة: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا ﴾، وهذا النوع يتضمَّن صورًا، منها ما يتم الوحي فيه بإلقاء ما يريده الله تعالى في قلب من يوحي إليه منامًا، وهو الرؤيا الصادقة، ورؤيا الأنبياء حقٌّ، كما ورد الوحي بالرؤيا المناميَّة.
النوع الثاني: ما جاء في قوله سبحانه: ﴿ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾، وهو ما يكون الوحي فيه كلامًا من وراء حجاب، يسمعه سامعه ولا يرى مصدره، مثال ذلك في القرآن ذِكرُ تكليم الله تعالى موسى عليه السلام من قِبَلِ الشجرة: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [القصص: 30].
النوع الثالث: ما جاء في قوله تعالى: ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 51]، وهذا النوع ما كان الوحي فيه بواسطة ملَكٍ يرسله الله تعالى إلى من يصطفيه من عباده، وهذا هو غالب الوحي إلى الأنبياء.
كيف تحفظ القرآن؟
ابدأ من السورة التي تحبها:
وتظن بأنها سهلة الحفظ، وحاوِل أن تستمع إلى هذه السورة عشر مرات أو عشرين مرة، ثم افتح القرآن على هذه السورة، وستجد أنها مألوفة بالنسبة لك وسهلة الحفظ؛ لأنها ستنطبع في خلايا دماغك بعد الاستماع إليها أكبر عدد من المرات، ولكن أثناء الحفظ جزِّئ السورةَ لعدد من المقاطع حسب المعنى اللغوي، وابدأ بقراءة المقطع الأول، وكرِّره حتى تحفظه، ثم كرِّر المقطع الثاني حتى تحفظه، وهكذا حتى نهاية السورة، وأخيرًا اربط كلَّ مقطعين من خلال قراءتهما معًا، وكرِّر هذه العملية مع بقية مقاطع السورة؛ حتى تتمكَّن من حفظها بإذن الله.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن