إبَاءٌ أقَامَ الدّهْرَ عَنّي وَأقْعَدَا
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
إبَاءٌ أقَامَ الدّهْرَ عَنّي وَأقْعَدَا | وصبر على الأيام أنأى وأبعدا |
وقلب تقاضاه الجوانح انة | إذا رَاحَ مَلآناً مِنَ الهَمّ، أوْ غَدَا |
أخُوذٌ عَلى أيدي المَطامِعِ بالنّوَى | نِزَاعاً، وَمَا يَزْدادُ إلاّ تَبَعُّدَا |
إذا ركبت اماله ظهر نية | رَأيْتَ غُلاماً غَائِرَ الشّوْقِ مُتجِدَا |
غذي زماع لا يمل كأنما | يَرَى اللّيلَ كُوراً وَالمَجَرّة َ مِقوَدَا |
يُلَثِّمُ عِرْنِينَ الحُسَامِ بِهِمّة ٍ | تُكَلّفُهُ خَوْضَ اللّيَالي مُجَرَّدَا |
أيَا خَاطِباً ودّي عَلى النّأيِ، إنّني | صَديقُكَ إنْ كنتَ الحُسامَ المُهَنّدَا |
فَإنّي رَأيْتُ السّيْفَ أنصَرَ للفَتَى | إذا قَالَ قَوْلاً مَاضِياً أوْ تَوَعّدَا |
أرَى بَينَ نَيْلِ العِزّ وَالذّلّ سَاعَة ً | مِنَ الطّعنِ تَقتادُ الوَشيجَ المُقَصَّدَا |
فَمَنْ أخّرَتْهُ نَفْسُهُ ماتَ عاجِزاً | و من قدمته نفسه مات سيدا |
إذا كَانَ إقدامُ الفَتَى ضَائِراً لَهُ | فَما المَجدُ مَطلُوباً، وَلا العزُّ مُفتدَى |
فِدًى لابنِ عبّادِ ضَنِينٌ بِنَفْسِهِ | إذا نقض الروع الطراف الممددا |
وَدَبّرَ أطْرَافَ الرّمَاحِ، وَإنّمَا | يدبر قبل الطعن رأيا مسددا |
به طال من خطوي وكنت كانني | مشيت الى نيل المعالي مقيدا |
وَمَنْ ماتَ في حَبسِ المَذَلّة ِ قَلْبُهُ | رَأى العزَّ في دارِ المَذَلّة ِ مَوْلِدَا |
يَسُرّ الفَتَى حَملُ النّجَادِ، وَرُبّما | رأى حتفه في صفحتي ما تقلدا |
لنال المعالي من يدل بنفسه | وَلا يَذْخَرُ الآبَاءَ مَجْداً مُوَطَّدَا |
و ما يستفاد العز من شيمة الفتى | اذا كان في دين المعالي مقلدا |
أبَا قَاسِمٍ هذا الذي كُنتُ رَاجِياً | لا رغم اعداءً واكبت حسدا |
لَئِنْ كنتُ في مَدحِ العُلى فَاغراً فماً | وان ظمئت امالنا كنت موردا |
فَيا لَيتَ رُعيَانَ القَضِيمَة ِ خَيّرُوا | لَبِستُ إلَيكَ الشّرْعَبيّ المُعَضَّدَا |
و لو كان لا يجني على المرء بأسه | لَدَرّعَني العَزْمُ الدِّلاصَ المُسَرَّدَا |
وَلَيْلٍ دَفَعْنَاهُ إلَيْكَ، كَأنّما | دفعنا به لجا من اليم مزبدا |
وَشَمسٍ خَلَعناها عَلَيكَ مَرِيضَة ً | وكنا لبسناها رداء موردا |
وَمَلكٍ أنِفْنَا أنْ نُقِيمَ بِبَابِهِ | فَزَوّدَنَا زَادَ امرِىء ٍ مَا تَزَوّدَا |
وَأمْرَدَ حَيٍّ مُلْتَحِ بِلِثَامِهِ | يَطولُ جَوَاداً قادحَ السّنّ أجرَدَا |
رَأى أرْجلَ الخُوصِ الخِماصِ كأنّما | تُسَالِبُ أيْدِيهَا النَّجَاءَ العَمَرّدَا |
تركنا لا يد العيس ما خلف ظهرها | وَمَنْ ذَلّ في دارٍ رَأى البُعدَ أحمَدَا |
وَسِرْنا عَلى رُغْمِ الظّلامِ كَأنّنَا | بدور تلاقي من جنابك اسعدا |
تركت اليك الناس طراً كانني | أرَى كلّ مَحجوبٍ بَعِيراً مُعَبَّدَا |
باني رعيت العز غضاً مجددا | |
فلله نور في محياك انه | يمزق جلبابا من الليل اربدا |
وَلِلَّهِ مَا ضَمّتْ ثَنَايَاكَ، إنّهَا | ثَنَايَا جِبَالٍ تُطلِعُ البأسَ وَالنّدَى |
أغِرْ ضَوْءَها، يا قِبلَة َ المجْد، إنّني | ارى غرر الامال نحوك سجدا |
وَأنتَ الذي ما احتَلّ في الأرْضِ مقعداً | من الجد الا شتق في الجومصعدا |
إذا ظَمِئَتْ عِيسٌ إلَيكَ، فإنّمَا | حقائبها تروي لجينا وعسجدا |
تُكَتِّمُكَ الأسْرَارُ حَزْماً وَفِطنَة ً | وَتَفْضَحُكَ الآرَاءُ عِزّاً وَسُؤدُدَا |
وَما كنتَ إلاّ السّيفَ يُعرَفُ مُنتَضًى | وَيُنكَرُ في بَعضِ المَوَاطنِ مُغمَدَا |
وَحَيٍّ جُلالٍ قَدْ صَبَحتَ بِغَارَة ٍ | من الخيل يستاق النعام المشردا |
وَيَوْمٍ مِنَ الأيّامِ شَوّهْتَ وَجْهَهُ | بأغبَرَ كَدَّ الطّيرَ حَتّى تَبَلّدَا |
رَمَتْ بكَ أقصَى المَجدِ نفسٌ شرِيفة ٌ | وقلب جريء لا يخاف من الردى |
و همة مقدام على كل فتكة | يفارق فيها طبعه ما تعودا |
مقيم بصحراء الضغائن مصحرا | اذا اخمدت من نارها اوقدا |
لَكَ القَلَمُ المَاضِي الذي لَوْ قَرَنْتَهُ | بجَرْيِ العَوَالي كَانَ أجرَى وَأجوَدَا |
إذا انْسَلّ مِنْ عَقْدِ البَنَانِ حَسبتهُ | يحوك على القرطاس برداً معمدا |
يُغازِلُ مِنْهُ الخَطُّ عَيْناً كَحِيلَة ً | إذا عَادَ يَوْماً ناظِرُ الرّمحِ أرْمَدَا |
و ان مج نصل من دم الصرب احمرا | أرَاقَ دَماً من مَقتَلِ الخَطبِ أسوَدَا |
اذا استرعفته همة منك غادرت | قَوَادِمَهُ تَجرِي وَعيداً وَمَوْعِدَا |
ساثني باشعاري عليك فانني | رأيت مسود القوم يطري المسودا |
فما عرفتني الارض غيرك مطلبا | وَلا بَلّغَتْني العِيسُ إلاّكَ مَقصَدَا |
ألا إنّ تَرْكَ الحَمدِ تَبخيلُ مُحسِنٍ | وما بذل المعطاء الا ليحمدا |
فَإنّي إلى غَيرِ النّدَى باسِطٌ يَدَا | |
خطبت اليك الود لاشيء غيره | وَودُّ الفَتَى كالبِرّ يُعطَى وَيُجتَدَى |
دعاني اليك العز حتى اجبته | وَمَنْ طَلَبَتْهُ جُمَّة ُ المَاء أوْرَدَا |
وَإنّي لأرْجُو مِنْ جِوَارِكَ فَعْلَة ً | أغيظُ بِهَا الحُسّادَ مَثنًى وَمَوْحَدَا |
و مدحك هذا بكر مدحٍ مدحته | وَكنتُ أرُوضُ القَوْلَ حتّى تَسَدّدَا |
وَلَوْ عَلِقَتْ مِنّي بغَيرِكَ مَدْحَة ٌ | لَكُنتُ كمَنْ يَعتاضُ بالمَاءِ جَلمَدَا |
و لست براض هذه لك تحفة | أُضَمّنُهَا فِيكَ الثّنَاءُ المُخَلَّدَا |
فَإنْ كان شِعرِي فاتَكَ اليَوْمَ آبِياً | عَليّ، فإنّي سَوْفَ أعطيكَهُ عَدَا |
وَلَوْلاكَ ما أوْمَى إلى المَدحِ شَاعِرٌ | يعد عليا للعلى ومحمدا |
أبُوهُ أبُوهُ المُسْتَطيلُ بِنَفْسِهِ | على العز مصروفاً به ومقلدا |
فتى سنه عن خمسه عشرة حجة | تربى له فضلاً ومجدا ومحتدا |
فَتيُّ الصِّبَا كَهلُ الفَضَائِلِ ما مشَى | إلى العُمرِ إلاّ احتَلّ في الفضْلِ مقعدَا |
حديثاً ولا يدعو من الناس منجدا | |
وَلا طالِباً مِنْ دَهْرِهِ فَوْقَ قُوتِهِ | كفاني من الغدران ما نقع الصدا |
سَأحمَدُ عَيشاً صَانَ وَجهي بمائِهِ | وان كان ما اعطى قليلاً مصردا |
و قالوا لقاء الناس انس وراحة | ولو كنت ارضى الناس ماكنت مفردا |
طربت إلى الفضل الذي فيك وانتشى | لذِكرِكَ شِعْرِي رَاقِداً وَمُسَهَّدَا |
وَما كنتُ إلاّ عاشِقاً ضَاعَ شَجْوُهُ | فَأصْبَحَ يَسْتَملي الحَمَامَ المُغَرِّدَا |
و ليس عجيباً ان طغى فيك مقول | رَآكَ حَقيقاً في المَعالي، فَجَوّدَا |
بعدت عن الاتشاد من غير رغبة | وَلكِنّني استَخلَفتُ نُعماكَ مُنشِدَا |
فمرني بأمر قبل موتي فانني | ارى المرء لا يبقى وان بعد المدى |
وَمَا المَيتُ إلاّ رَاحِلٌ كَرِهَ النّوَى | وَأعْجَلَهُ المِقْدارُ أنْ يَتَزَوّدَا |