أحقُّ أنهم دفنوا عليَّا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أحقُّ أنهم دفنوا عليَّا | وحطُّوا في الثرى المرءَ الزكيّا؟ |
فما تركوا من الأَخلاق سَمْحاً | على وجه التراب، ولا رضيَّا؟ |
مضوا بالضاحك الماضي وألقوا | إلى الحُفَر الخَفيفَ السَّمْهَرِيَّا |
فَمَنْ عَوْنُ اللغاتِ على مُلِمٍّ | أصاب فصيحها والأعجميَّا؟ |
لقد فقدتْ مصرفها حنيناً | وبات مكانُه منها خَلِيَّا |
ومن ينظرْ يرَ الفسطاطَ تبكي | بفائضة ٍ من العَبَرَاتِ رِيَّا |
أَلم يَمْشِ الثرى قِحَة ً عليها | وكان رِكابُها نحوَ الثُّرَيّا؟ |
فنَقَّبَ عن مواضعها عَلِيٌّ | فجَدَّدَ دارساً، وجَلا خَفِيّا |
ولولا جُهْدُهُ احتجَبَتْ رُسوماً | فلا دمناً تريكَ لا نؤيَّا |
تلفَّتَتِ الفنونُ وقد تَوَلَّى | فلم تجد النصيرَ ولا الوليّا |
سَلوا الآثارَ: مَنْ يَغدو يُغالي | بها، ويروحُ مُحتفِظاً حَفِيَّا؟ |
ويُنْزِلُها الرُّفوفَ كجوهريٍّ | يصففُ في خزائنها الحليَّا؟ |
وما جهلَ العتيقَ الحرَّ منها | ولا غَبِيَ المُقَلّدَ والدَّعِيَّا |
فتى ً عاف المشاربَ من دنايا | وصان عن القَذَى ماءَ المُحَيَّا |
أبيُّ النفسِ في زمنٍ إذا ما | عَجَمْتَ بنيهِ لم تجِدِ الأَبِيَّا |
تعوّدَ أن يراه الناس رأساً | وليس يرونه الذنبَ الدنيَّا |
وَجَدْتُ العلمَ لا يبني نُفُوساً | ولا يغني عن الأخلاقِ شيَّا |
ولم أَر في السلاح أَضلَّ حَدّاً | مِنَ الأَخلاق إنْ صَحِبَتْ غَوِيَّا |
همَا كالسيف، لا تنصفهُ يفسدْ | عليكَ، وخُذْهُ مُكتمِلاً سَوِيَّا |
غديرٌ أَترعَ الأَوطانَ خيراً | وإن لم تمتلىء منه دويَّا |
وقد تأتي الجداولُ في خشوعٍ | بما قد يعجزُ السَّيلَ الأتيَّا |
حياة ُ مُعَلِّمٍ طفِئَتْ، وكانتْ | سراجاً يعجبُ الساري وضيَّا |
سبقتُ القابسين إلى سَناها | ورحتُ بنورها أحبو صبيَّا |
أخذتُ على أريبٍ ألمعيٍّ | ومَنْ لكَ بالمعلِّم أَلْمَعِيَّا؟ |
ورب معلِّمٍ تلقاه فظَّا | غليظ القلبِ أَو فَدْماً غَبيّا |
إذا انتدب البنون لها سيوفاً | من الميلاد ردَّهُمُ عِصيَّا |
إذا رشد المعلمُ خلوا وفاقوا | إلى الحرية کنساقُوا هديَّا |
أناروا ظلمة َ الدنيا، وكانوا | وإن هو ضَلَّ كان السامِريَّا |
أرقتُ وما نسيتُ بناتِ يومٍ | على «المطريّة » کندَفعَتْ بُكيّا |
بكَتْ وتأَوَّهَتْ، فَوَهِمْتُ شَرّاً | وقبلي داخل الوهمُ الذَّكيا |
قلبتُ لها الحذيَّ، وكان مني | ضلالاً أَن قلبتُ لها الحذيَّا |
زعمتُ الغيبَ خلفَ لسانِ طيرٍ | جَهِلْتُ لسانَه فزعَمْتُ غيّا |
أصاب الغيبَ عند الطير قومٌ | وصار البومُ بينهم نَبيّا |
إذا غَنّاهمُ وجدوا سَطِيحاً | على فمه، وأفعى الجرهميَّا |
رمى الغربانُ شيخَ تَنُوخَ قبلي | وراش من الطويل لها دَوِيَّا |
نجا من ناجذيْهِ كلُّ لحمٍ | وغُودِرَ لحمهُنَّ به شَقِيَّا |
نَعَسْتُ فما وجدتُ الغَمْضَ حتى | نَفَضْتُ على المَنَاحَة ِ مُقْلَتَيّا |
فقلتُ: نذيرة ٌ وبلاغُ صدق | وحقٌّ لم يفاجىء مسمعيَّا |
ولكنَّ الذي بكتِ البواكي | خليلٌ عزَّ مصرعه عليَّا |
ومَن يُفجَعْ بِحُرٍّ عبقريٍّ | يجدْ ظلمَ المنيّة ِ عبقريَّا |
ومن تَتراخَ مُدَّتُه فيُكثِرْ | من الأَحبابِ لا يُحْصِي النَّعِيَّا |
أخي، أقبلْ عليَّ من المنايا | وهاتِ حديثك العذبَ الشهيَّا |
فلم أَعدِم إذا ما الدُّورُ نامت | سميراً بالمقابر أَو نَجِيّا |
يُذكِّرني الدُّجَى لِدَة ً حَمِيماً | هنالكَ باتَ، أو خلاًّ وفيَّا |
نَشَدْتُكَ بالمنيّة وهْيَ حقٌّ | أَلم يَكُ زُخْرُفُ الدنيا فَرِيَّا |
عَرفْتَ الموتَ معنى ً بعد لفظٍ | تكَّلمْ، وأكشفِ المعنى الخبيَّا |
أتاك من الحياة الموتُ فانظرْ | أَكنتَ تموت لو لم تُلْفَ حَيَّا؟ |
وللأشياءِ أضدادٌ إليها | تصير إذا صَبَرْتَ لها مَليَّا |
ومنقلبُ النجومِ إلى سكونِ | من الدَّوَرانِ يَطويهنّ طيَّا |
فخبِّرني عن الماضين؛ إني | شددتُ الرحلَ أنتظرُ المضيَّا |
وصفْ لي منزلاً حملوا إليه | وما لمحوا الطريقَ ولا المُطِيّا |
وكيف أَتى الغنيُّ له فقيراً | وكيف ثوى الفقير به غنيَّا؟ |
لقد لَبِسوا له الأَزياءَ شتَّى | فلم يقبل سوى التَّجريدِ زِيَّا |
سواءٌ فيه مَنْ وافى نهاراً | ومنْ قذف اليهودُ به عشيَّا |
ومنْ قطع الحياة صداً وجوعاً | ومنْ مرتْ به شبعاً وريَّا |
ومَيْتٌ ضَجَّتِ الدنيا عليه | وآخرُ ما تحسنُّ له نعيَّا |