ألا في سبيلِ الله ذاكَ الدمُ الغالي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ألا في سبيلِ الله ذاكَ الدمُ الغالي | وللمجدِ ما أبقى من المثل العالي |
وبعضُ المنايا هِمّة ٌ من ورائِها | حياة ٌ لأَقوامٍ، ودُنيا لأَجيال |
أعينيَّ، جودا بالدموع على دمٍ | كريمِ المُصَفَّى من شبابٍ وآمال |
تناهَتْ به الأَحداثُ من غُربة ِ النَّوَى | إلى حادثٍ من غُربة ِ الدهرِ قتّال |
جرى أُرجُوانيّاً، كُمَيْتاً، مُشَعْشَعاً | بأَبيضَ من غِسْل الملائِكِ سَلْسَال |
ولاذ بقُضبانِ الحديدِ شَهيدُه | فعادتْ رفيفاً من عيونٍ وأطلال |
سلامٌ عليه في الحياة ِ، وهامداً | وفي العُصُرِ الخالي، وفي العالَمِ التالي |
خَليلَيَّ، قُوما في رُبَى الغربِ، واسقيا | رياحينَ هامٍ في التراب، وأوصال |
من الناعماتِ الراوياتِ من الصِّبا | ذوت بينَ حِلٍّ في البلاد وتَرحال |
نعاها لنا الناعي، فمال على أَبٍ | هَلوعٍ، وأُمٍّ بالكنانة ِ مِثكال |
طَوَى الغربَ نحوَ الشرقِ يعْدُو سُلَيْكُهُ | بمضطربٍ في البرِّ والبحر، مرقال |
يُسِرُّ إلى النفس الأَسَى غيرَ هامسٍ | ويلقي على القلبِ الشَّجى غيرَ قَّوال |
سماءُ الحمى بالشاطئينِ وأرضه | منانحة ُ أقمارٍ، ومأتمُ أشبال |
تُرَى الريحُ تدرِي: ما الذي قد أعادهَا | بساطاً، ولكن من حديدٍ وأَثقال؟ |
يُقِلُّ من الفِتْيَانِ أَشبالَ غابة ٍ | غُداة ً على الأَخطار رُكَّابَ أَهوال |
ثَنَتْهُ العوادي دونَ أُودِينَ، فانثنَى | بآخَرَ من دُهْمِ المقاديرِ ذَيّال |
قد اعتنقا تحتَ الدّخانِ كما التقى | كَمِيّان في داجٍ من النقْعِ مُنجال |
فسبحانَ منْ يرمي الحديدَ وبأسه | على ناعم غضٍّ من الزهر منهال |
ومنْ يأخذُ السارين بالفجرِ طالعاً | طلوع المنايا من ثنَّيات آجال |
ومَن يَجعلُ الأَسفارَ للناس هِمّة ً | إلى سفرٍ ينوونه غير قفَّال |
فيا ناقليهم، لو تركتم رفاتهم | أقام يتيماً في حِراسة ِ لآلِ |
وبينَ غَريبالْدي وكافورَ مَضْجَعٌ | لنُزَّاعِ أَمصارٍ على الحقِّ نُزَّال |
فهل عَطَفتْكم رَنّة ُ الأَهْلِ والحِمَى | وضَجَّة ُ أَترابٍ عليهم وأَمثال؟ |
لئن فاتَ مصراً أن يموتوا بأرضها | لقد ظَفِرُوا بالبَعْث من تُرْبِهَا الغالي |
وما شغلتهم عن هواها قيامة ٌ | إذا اعتلَّ رهنُ المحسينِ بأشغال |
حملتم من الغرب الشموسَ لمشرقٍ | تَلَقَّى سناها مُظلماً كاسِفَ البال |
عواثرَ لم تبلغْ صباها، ولم تنلْ | مداها، ولم توصلْ ضحاها بآصال |
يطافُ في الأعناقِ تترى زكية ً | كتابوتِ موسى في مَناكب إسْرال |
ملفَّفة في حلَّة ٍ شفقية ٍ | هِلالية ٍ من راية النيلِ تمثال |
أَظَلّ جلالُ العلم والموتِ وَفدَها | فلم تلقَ إلا في خشوعٍ وإجلال |
تُفارِقُ داراً من غُرورٍ وباطِلٍ | إلى منزل من جيرة ِ الحقِّ محلال |
فيا حلبة ً رفَّتْ على البحر حلية ً | وهزّتْ بها حُلوانُ أعطافَ مُختال |
جرتْ بين إيماضِ العواصمِ بالضُّحى | وبينَ ابتسامِ الثَّغرِ بالموكِبِ الحالي |
كثيرة َ باغي السبقِ لم يُرَ مِثلُها | على عهدِ إسماعيلَ ذي الطَّوْلِ والنال |
لكِ الله، هذا الخطبُ في الوهم لم يقع | وتلك المنايا لم يكنَّ على بال |
بَلَى ، كلُّ ذي نَفسٍ أَخو الموتِ وابنُه | وإن جَرّ أَذيالَ الحداثة ِ والخال |
وليس عجيباً أن يموتَ أخو الصِّبا | ولكن عجيبٌ عيشهُ عيشة َ السالي |
وكلُّ شبابٍ أو مشيبٍ رهينة ٌ | بمُعترِضٍ من حادثِ الدهرِ مُغتال |
وما الشيبُ من خَيْلِ العُلا؛ فارْكَبِ الصِّبا | إلى المجدِ ترْكَبْ مَتْنَ أَقدرِ جَوّال |
يَسُنُّ الشبابُ البأْس والجودَ للفتى | إذا الشيبُ سنَّ البخلَ بالنفس والمال |
ويا نشأ النيلِ الكريمِ، عزاءَكم | ولا تذكروا الأَقدارَ إلا بإجمال |
فهذا هو الحقُّ الذي لا يرُدُّه | تأفُّفُ قالٍ، أو تلطُّفُ محتال |
عليكم لواءَ العلم، فالفوزُ تحتهُ | وليس إذا الأَعلام خانت بخذَّال |
إذا مالَ صفٌّ فاخلفوه بآخَرٍ | وَصولِ مَساعٍ، لا ملولٍ، ولا آل |
ولا يصلُحُ الفِتيانُ لا علمَ عندَهم | ولا يجمعون الأمرَ أنصاف جهَّال |
وليس لهم زادٌ إذا ما تزودوا | بياناً جُزَاف الكيل كالحَشَفِ البالي |
إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ | فمَنْ لجليلِ الأَمرِ أَو مُعْضِلِ الحال؟ |
ولولا معانٍ في الفدى لم تعانهِ | نفوسُ الحواريِّين أو مهجُ الآل |
فَغَنُّوا بهاتيك المصارعِ بينَكم | ترنُّمَ أبطالٍ بأيام أبطال |
أَلستم بَني القومِ الذين تكبَّروا | على الضربات السّبعِ في الأَبدِ الخالي؟ |
رُدِدْتُم إلى فِرْعَوْنَ جَدّاً، ورُبما | رجعتم لعمٍّ في القبائل أو خال |