الربان الجسور
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أرأيتَ صاحي طائراً غَرِداً غدا | يَهفو يغني ضاحكاً عِندَ الغَدِيرْ |
أرأَيتَهُ يَرتادُ في أَلحَانِهِ | كَوناً تَبَدَّى بينَ هاتيكَ الزُهورْ |
أرأَيتَهُ يَمضى ويسبَحُ هانِئاً | يَلهو بأمواجٍ توالت في فُتُورْ |
ويُعانقُ الازهارَ في أغصانِها | فيعانِقُ النسماتِ ضَواعُ العبيرْ |
أَرأيتَه مُرتادَ آفاقٍ يَرى | كل الدُنا قد طأطأَت فَهْوَ الأَميرْ |
أرأيتَ بسمتَه العريضةَ قد سَرَتْ | فتقصَّدَتْ أَشجانَ هاتيكَ الدهورْ |
تغرِيدُهُ دعواتُ مُبتهلٍ دَنَا | للهِ مُتَّشِحاً مع الإقبالِ نُورْ |
أَرَأَيتَ يا صاحِ اندِحارَ هُمومِهِ | لماتهاوتْ عند شِطئانِ السرورْ |
أحسبتَ يا صاحِ الهمومَ تكرَّمَتْ | أَو راعها ذاك الخميسُ المستطير |
لكنما الأحزانُ يفنيها المنى | بَل إنما تَفْنَى بتغريدِ الطيورْ |
هوَ يا رفيقي من بُناةِ الكون لما | طارَ يَشدو فَهو رُبَّانٌ جَسُورْ |
يشدو فيسمُو كونُنا المحزونُ عن | آثامِهِ يرنُو الي تلك العُصورْ |
ولقد رآه شاحباً فَسَرى بِهِ | هَوناً إلى بحر القَداسَةِ والطهورْ |
وبعبقَرِ الإخلاصِ دَثَّرَه تُقىً | وَهَدَاهُ بالأَسحارِ إخلاصَ الضميرْ |
هو قائدٌ في كونِنِا السكرانِ منْ | خَمرٍ مُشعشَعَةٍ بأنفاسِ الشرورْ |
هل غرَّدَ العصفورُ وارتادَ الفضا | إلا ليسمو يا بنى الدنيا الشعورْ |
هل صَفَّقَتْ في الجوِّ أَجنحةٌ ضحىً | إلا لكى نرثَ السعادةَ والحبورْ؟ |
*** | |
وقدِ اقتحمتُ على الأطِبَّا سائلاً | بُرء اً لقلبٍ قد تَعثَّر في فُتورْ |
فَاجابَ بَعضُهمُ بأنى مارِدٌ | تبَّاً له مِنْ ناشزٍ طاغٍ شريرْ |
وأَشارَ بعضٌ في دِماغِه قد حَوَى | داءً لمسِّ الجنِّ يا هَولَ المصيرْ |
عُدوا له قَيداً يُغَيِّبُ مِعصَمَاً | ومِنَ العقاقيرِ وأمصالاً تَفُورْ |
وتنازعوا أمراً يري الأمصالَ لى | هيَ راحةٌ من دائىَ الداءِ الخطيرْ |
لكنَّ ذا العصفورَ قد أزرَى بهم | وأَشَارَ أن الخطبَ يا نزراً يسيرْ |
زعموا بأَنَّ المرءَ في هذى الدنا | قد سَارَ رباناً وأَمعَنَ في المسيرْ |
آمنتُ أنَّ الكونَ يخطو سَائراً | ما بين أسرابِ الأوابِدِ والطيورْ |
وهناكَ من خلَفِ الطبيعةِ قد رَنَا | بين الهواجرِ والاصائلِ والبكورْ |
وعلى الجداولِ بالمياهِ تأوَّدَتْ | يُصغى لموسِيقَى الحياةِ من الخريرْ |
وعلى الجنادِلِ بالضبابِ تسربَلَتْ | أو بالنَدى المنسابِ من فوقِ الصخورْ |
وعلى البطِاحِ الهاجعاتِ تَحصَّنتْ | بالشوكِ والحَصباءِ من لفح الهجيرْ |
أو في شُعاعِ الشمسِ مُنساباً دَنا | فَتوَضَّأتْ منهُ المفاوِزُ والأَثِيرْ |
أَو في نفوسِ الطاهرينَ قدِ ابتَنى | بيتاً به الاطفالُ تَلهُو في حبورْ |
هيا اخلعوا الأحزانَ هيا فاسكُبُوا | ثَرَّ الخيالِ على البيادِرِ والبدُورْ |
فالرَّبْعُ من وادي الحياةِ قد احْتَوى | مَعْنى الحياةِ سَرَى بألسنةِ الطيورْ |