دع ذا وقل لبني الآمال قد وضحت
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
دع ذا وقل لبني الآمال قد وضحت | لكم سبيل الأماني وانجلى الأسف |
وأينعت دوحة للجود دانية الـ | ـقطوف يجني الغنى منها ويقتطف |
أُمُّوا بآمالِكم مِصراً، فإنَّ بها | سحَابة ً من نَداها السُّحبُ تَغْترفُ |
أجرى بها الله نيلاً زائداً أبداً | فليس يَنقُص في وقتٍ، ولا يَقفُ |
مِياهُه من نُضارٍ جامدٍ، وعلى | أرجائِهِ، للأمَانِي، روضة ٌ أنُفُ |
عَلَت بها راية ٌ للعدِل، قاصِدها | يقتَصّ من دهرِه الجاني، وينتصفُ |
سعى بها أروع في الروع ذو ورع | في السَّلِم، حتّى تجلَّى الجَورُ والجنَفُ |
وجادَ بالمالِ، حتَّى لم يدَع أملاً | ما الجود والفضل إلا البذل والسرف |
الملكُ الصالحُ الهادي الذي كشَف الـ | ـغَـمَّاء إنَّ الدُّجَى بالصبحِ مُنكشِفُ |
من فيه عن زخرف الدنيا وزينتها | مذ راودته على عليائه ظلف |
جوابُه نَعمٌ، في إثرها نِعَمٌ | ولا تُلائمُ فاهُ اللامُ والأَلِفُ |
يُغنى العُفاة َ، ويلقاهُم بمعذِرَة ٍ | كأنما عاتبوه وهو مقترف |
ما يبلغ الشكر ما يوليه من منن | إنعامُه فوقَ ما نُثْنِي وما نَصِفُ |
لكن مواهبه في الخلق شاهدة | بِشكرِ إنعامه، والشكرُ يختلفُ |
كالرَّوضِ إن لم يُطِق شكَر السحابِ إذا | همى فنضرته بالفضل تعترف |
يا كافِيَ الخلقِ بالنُّعمَى ، وكافِلَهم | حتَّى لقد أمِنُوا في عدلِه وكُفُوا |
رأيت مجدك يعلي قدر واصفه | فكيف لا يتعالى قدر من تصف |
قلدتني أنجم الجوزاء قد نظمت | عِقداً، فحَقَّ لمِثلِي الفخرُ والشَّرفُ |
أعلت محلي فقد أصبحت من شرف | بها على المشترِي أسمُو، وأشْتَرِفُ |
حلا بسمعي وحلاه فمنه به الـ | ـبُشرى ، بإدراكِ ما يرجُوه والشَّنَفُ |
جعلت نظمي له ضنا بفاخره | وقاية ً ووقاء الجوهر الصدف |
لأَصْرِفَ العينَ عنه، إنها أبداً | عن الكمال برؤيا النقص تنصرف |
يا كاشفَ الغُمَّة ِ، اسمع دعوة ً كملت | شكراً، تظلُّ له الأسماعُ ترتَشِفُ |
من نازح الدار بالإخلاص مقترب | حُرٍّ، برِقِّك دونَ الخلقِ يَعترفُ |
إذا رأى بعده عن باب مالكه | يكاد يقضي عليه الهم والأسف |
لو حَاولَ الخلقُ جمعاً حملَ مالَكَ مِن | من عليه وأدنى شكره ضعفوا |
كم فَاجأتني مِن نُعماك عارفة ٌ | سبيلُها عن سبيلِ الوعدِ مُنحرفُ |
بها عَنِ الوعْدِ كبرٌ، كلُّه كرمٌ | وعن تَقاضيه تِيه، كلُّه أنَفُ |
وجمع شملي بمن لي في ذراك وإن | أضحى لهم من نداك البر واللطف |
مجدد لي ما أوليت من نعم | ما زال لي تالد منها ومطرف |
فابرد بهم حر قلب ليس يبرده | سواهُم، وحشاً من ذكرهم يجِفُ |
وارحم ضعافاً وأطفالاً إذا ذكروا | بُعدى عَصَتهم، ففاضتْ أدمعُ ذُرُفُ |
لهَم نَشِيجٌ وإعوالٌ إذا نَظروا | من حَالهم غيرَ ما اعتادوا وما الفُوا |
فنظرة منك تحييهم وتجعلهم | محمولة ً عنهم الأثقال والكلف |
وليس لي شافع إلا مكارمك الـ | ـلاَّتي إذا استُعطِفَت للفضلِ تَنعطِفُ |
واسلَم، لتحيا بك الدنيا وساكِنُها | ما اغبِرَّت البيدُ، أو مااخضّرت النُّطَفُ |
والق الأعادي بجد لا يخونك إن | خانت غداة َ اللقاءِ البيض والزَّغفُ |
علومك البحر غمراً ليس تنتزف | أسماعُنا لمعانِي دُرّها صَدَفُ |
فان يُجِد فَلْتَة ً في الدهرِ ذُو أدَبٍ | تجِده من بَحرِكَ الزَّخَّارِ يَغترفُ |
تجيل فكرك في روض العقول فلا | تزال تختار ما تجني وتقتطف |
بعثْتَ منها هَدِيّاً في الورَى ، جُلِيتْ | فالحُسنُ وقفٌ عليها ليس ينصرفُ |
عَذراءَ، تُثبتُ فضلَ الواصِفينَ لها | فَقد أفادَتْ جَمالاً كلَّ مَن يَصِفُ |
بَعثْتَها دِيَماً تُروى بها عَطَش الصَّـ | ـادِي، ومسكَنُها في سيرها الصُّحفْ |
تَرَوى القلوبُ بها بعد العُيونِ، فَلا | قلبٌ، ولا عينَ إلاَّ وهو يَرتشفُ |
ألْهَتْ عن الحسنِ والإحسانِ أجمعه | إذ استَبان بها عن غيرِها أَنَفُ |
حسناء تبرز في عرنينها شمم | من الجمال وفي أجفانها وطف |
كأن أسماعنا لما أصخن لها | عجبا أتيح لها من حليها شنف |
بدت لنا كمصابيح الظلام وفي | رأيِ العيونِ أتتنا الروضة ُ الأُنُفُ |
قد برهَنَت بالمعانِي عن فؤاد شَجٍ | قد هاضه الأثقلان: الهم والأسف |
إن يبتسم غلطة ً في الدهر عاتبه | قلبٌ مدامِعُه في صدرِه تَكِفُ |
ورب صعب بدا من بعد شدته | لأضعفِ النّاسِ حَولا، وهو مُنْعطِفُ |
وكم مصابِ جنته فرقة ٌ، فغدَا | سحابه بنسمِ القُربِ ينكشِفُ |
وكربة نزعت عنها ملابسها | والقَلبُ منها بثوبِ الهِمِّ مُلتحِفُ |
وحين تشرف أنوار الشموس فما | يَضرُّ ماضِي لَيالٍ عمَّها السَّدَفُ |
أحوال ضرك مجد الدين واضحة | قد كانَ للدّهرِ في توكيدهَا سَرفُ |
برْقُ اليقينِ بدا منَّا إليكَ فما | يغر خلبه بل سحبه تكف |
لا نُخلِفُ الوعدَ منَّا بالنَّجاحِ لِمنَ | لنا بآمالِه في القَصْدِ يَختلِفُ |
يقولُ حاسِدُنا، والحقُّ أنطَقَه | إذ شمسُه، لا كمثل الشمس تنكسفُ: |
أولاد رزيك لا فخر كفخرهم | حازُوا المفاخر في الدُّنيا وهم نُطفُ |
وكم أراد الورى إحصاء فضلهم | في المكرمات فما اسطاعوا ولا عرفوا |
لكنَّهم أخذُوا ما تَستقلُّ به | أفهامهم وإلى حيث انتهوا وقفوا |
نُدنِي الغِنَى من يدَى ْ ربِّ المُنى ، فلَنا | به المطي إلى أوطانهم تجف |
في غيرنا تخجل الآمال إن قصدت | وما يَخيبُ رجاءٌ عندَنا يَقِفُ |
وقد قضَى اللّهُ بي تأليفَ شملِكمُ | وكانَ ظنُّكُم أنْ ليس يأتَلِفُ |
وقد أساء لكم دهر مضى فإذا | شئتُم من الدَّهرِ فاقتَضُّوا، أو انتصفُوا |
واقضوا ديون الهوى عن مدة سلفت | تَشاكياً، وعلى المستأنَف اسْتَلِفُوا |
وقد بدأْنَا، وتمَّمنا، فهل أَملٌ | يدعو وهل مدمع قد عاد ينذرف |
نحن الزلال دفعنا غصة ً عرضت | لكُم، فلما عَرضْنَا لم تكن تَقِفُ |
وعندنا أهلُكُم، كانوا لعيشِهمُ | كأنهم عنك ما غابوا ولا انصرفوا |
كم جهد ذي الهم أن يبقى تجلده | عليه والهم في استمراره التلف |
لاتأسفن على فقدان غيرهم | فَفي الملاَوم قد جُرَّت له عُطَفُ |
قوم إذا ارتفعوا قدراً هووا همماً | فالمكرُماتُ لَعَمْري بينهم طُرَفُ |
ولا تَقُل إن تذكرتَ البِلادَ أسًى | بأنَّ قلبكَ بالأشواقِ يُختَطَفُ |
وإن دولتنا كنت الوحيد بها | فضلاً، فكيف يُرَى منكم بها خَلَفُ |
عليكم بدع الآداب قد وقفت | فما لها عنكم في الدهر منحرف |
مَن ناشِدٌ عهدَ ذاكَ الإجتماعِ لَنا | فقد أضَاعته منكُم نِيّة ٌ قُذُفُ |
هنيت أهلك مجد الدين فانتجع الـ | فراحَ، وانظر، فإنْ الخير مؤتَنَفُ |