مَا مَوْقِفِي فِي مَصْرِفٍ لِلمَالِ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
مَا مَوْقِفِي فِي مَصْرِفٍ لِلمَالِ | أَنَا شَاعِر مَا لِلحِسابِ وَما لِي |
لا شَيءَ لِي فِيهِ وكلّ كنوزِهِ | مِنْ حَيْثُ تَنْفَعُ مِصْرَ أَحْسبُهَا لِي |
إِنْ أَيْسَرَتْ مِصْر وَفِيهِ ضَمَانهَا | إِنِّي إِذَنْ فَرِحٌ بِرقَّةِ حَالِي |
تُنْعَى عَلَى الشُّعَراءِ أَوْهَامٌ لَهَا | خِدَعُ البَهارِجِ فِي طِلاَءِ مُحالِ |
وضُروبُ إِيقَاعِ مُرْجعَةٌ عَلَى | وَتَرٍ مِنَ الضَّربِ المُبرِّحِ بَالِ |
تحلُو بِأُلْفَتِنَا لَهَا لَكِنهَا | سَرْعَانَ مَا تُفْضِي إِلى الإِمْلاَلِ |
وتَظلُّ عَنْ مَجْرَى الحَياةِ بِمَعْزِلٍ | وَتُنَافِسُ العُمْرَانَ بِالأَطْلاَلِ |
إِنْ كَان بعْضُ الشَّعْرِ هَذَا شَأْنهُ | ما الشِّعْرُ كلّ الشِّعرِ محْضُ خَيالِ |
وَتَعَلُّلٌ بِمُدَامَةٍ وتَعَذلٌ | لِمَلاَمَةٍ وَتَغَزُّلٌ بِغَزَالِ |
أَلشِّعْرُ يَنْتَجِعُ الجمَالَ وَيَنْتَحِي | فِي كُلِّ شَعْبٍ مَصْدَراً لِجَمَالِ |
بِالحُسْنِ وَالمَعْنَى لَهُ إِلمَامَة | تَجْلُو الحَقَائِقَ فِي أَحبِّ صِقَالِ |
هُوَ مَوْرِدٌ يُروِي النَّهَى بِنَمِيرِهِ | وَيُعِيرُهُ فِي العَيْنِ لَمْعُ الآلِ |
هُوَ مُثْقِبُ العَزَمَاتِ فِي طَلبِ العُلَى | ومُطِيلُ مَا تُدْنِي مِنْ الآجالِ |
لاَ شَيءَ يُلْهِمُهْ وَيَقْتَدِحُ اللَّظَى | مِنْ زَنْدِهِ كَعَظَائِمِ الأْفَعَالِ |
يَا بَنْكَ مِصْرَ وَلِيد نَهْضَةِ أُمَّةٍ | لَمَّا بَنَتْكَ بَنَتْ لِلاِسْتِقْلاَلِ |
يِتَمَكُّنِ الأرْكَانِ وَالأسُسِ الَّتِي | حَملَتْكَ زُكِّيَ رَأْيُ مِصْر العالِي |
رَأْيٌ بدا لأُولِي البَصائِرِ سِرهُ | فِي ضَوْءِ مَا أَبْدَى وزيرُ المالِ |
أَلعَبْقَرِيُّ المُسْتَشَف نُبُوغَهُ | فِي كُلِّ تَدْبِيرٍ لَهُ وَمَقَالِ |
هُوَ أَوَّلُ النُّخَبِ الْتَيِ أَبْرَزُتَهَا | وَلِذَلِكَ الهادِي النَّجِيبِ تُوَالِي |
أَطْلَعْتَهُ بَدْراً وَكَمْ فِي إِثْرِهِ | يَنْمُو هِلاَلٌ لاَحِقاً بِهِلاَلِ |
وَفَّيْتَ عَهْداً بِالأُولَى أَعدَدْتَهُمْ | لِلسَّبْقِ مِنْ فُرْسَانِ كُلِّ مَجَالِ |
ومُنًى ضرُوباً لِلبِلاَدِ قَضيْتَهَا | جعلتْ مكَانَك فَوْقَ كلُّ منَالِ |
هِي أُمَّة جَادَتْ علَيْكَ بِوَفْرِهَا | وَتَعهَّدَتْك بِنَصْرِهَا المُتَوالِي |
وتَجشَّمَت مِنْ دُونِ حرِّيَاتِهَا | ما جُشِّمتْ بِتَحوُّلِ الأحوالِ |
فَمَكَثْتَ فِي أَعْقَابِ مَا اضْطَلعتْ بِهِ | مِنْ جُهْدِ أَيَّامٍ وسُهدِ ليالِ |
أَعْلَى ذَخَائِرهَا وأَنْفَسُ ما جَنتْ | مِنْ كلِّ مَبْذولٍ عزِيزٌ غَالِ |
فِي خَمْسَ عَشْرَ مِنَ السِّنِينِ أَتَيْتَ مَا | لَمْ يَأْت غَيْرُكَ مِنْ سِنِينَ طِوالِ |
وشَبَبْتَ مُكْتَمِلَ الرجُولَةِ حَيْثُمَا | دَرَجَ اللِّدَاتُ مدارِجَ الأَطْفَالِ |
مُتَغَفِّراً مُتَدَرِّعاً إِنْ صَرَّحَت | حَربٌ وقَالَ الحانِقونَ نَزَالِ |
حَرْبٌ وَمَا أَكْفَى المُسَمَّى بِاسْمِهَا | لِيصُول فِيهَا صَوْلَةَ الرِّئْبالِ |
لِلنَّصْرِ فِيهَا طَلعَةٌ مِنْ طَلْعتٍ | شَهِدَتْ عَوَاقِبُهَا بِصِدْقِ الفَالِ |
أَمِنَ الغُلوِّ وَذَاكَ فَضْلُ جِهَادِهِ | لِبِلاَدِهِ أَنْ عُدَّ فِي الأبْطَالِ |
يَا قَوْمُ حَيوا بَنْكَ مِصْرَ فَإِنَّهُ | حِصْنُ النَّجَاةِ وَمَعْقِدُ الآمَالِ |
فِي مَجْدٍ مَاضِينَا عَلَيْنَا حُجَّةٌ | إِنَّ لَمْ نُعَزِّزهُ بِمجْدِ الحالِ |
هُوَ كَائِنٌ مِن رُوحِ مِصْرَ وَأَمْرهِا | سَامِي الحَقِيقَةِ بَارِعُ التِّمْثَالَ |
لِلخِصْبِ والإِقبَالِ أَعْلَى دَوْلَةً | فِيها وَعفَّى دوْلَةً الإِمْحالِ |
يَبْغِي سَلاَمَتَهَا وَرِفْعة شَأْنِها | فِي كُلِّ مُقْتَحَمٍ وَكُلِّ مَصالِ |
أَغْزى سَماءَ الشَّرْقِ بِيضُ نُسُورِهَا | يخطُرْنَ فِي الغُدُوَاتِ والآصالِ |
وَعَلَى المُتُونِ أَهِلَّةٌ خَفَّاقَةٌ | لِتَعاوُن فِي البِرِّ لاَ لِقِتَالِ |
أَجْرَى سَفَائِنِهَا فَهُنَّ مَوَاخِرٌ | بِالرَّكْبِ وَالأرْزَاقِ غَيْرُ أَوَالِي |
أَلبرِّ يَأْنَسُ لِلُّقَاءِ وَيَحْتَفِي | بِالعَوْدِ بَحْرٌ لَمْ يَكنْ بِالسَّالِي |
مِنْ كُلِّ مَا تُرْجَى مَنَافِعُهُ حَبَا | مِصْراً بِمَأْثُورٍ طَرِيفٍ مِثَالِ |
طُفْ بِالمَحَلَّةِ تُلْفِ كَيْفَ تَبدِلَتْ | بِالبالِيَاتِ حدِيثَةُ الأَنْوَالِ |
وَتُقِرُّ عَيْنَكَ مُتْعةٌ أَهْلِيَّةٌ | أَغْنَتْ عَنِ النَّسَّاجِ وَالغَزَّالِ |
يَتَهَلَّلُ الشُّرَكَاءُ فِي أَرْبَاحِهَا | لِتَهَلُّلِ الفَرِحِينَ بِالأَجْعَالِ |
تِلْكَ المَعَاهِدُ يَسَّرَتْ مَا يَسَّرَتْ | مِنْ كُلِّ كَسْبٍ فِي الكِفَاحِ حَلاَلِ |
تُؤتِي الغِنَى وَيَعِيشُ فِي أَكْنَافِهَا | آلاَفُ آلافٍ مِنَ العُمَّالِ |
وَتخَرِّجُ المُتَادِّبِينَ لِيُحْسِنوا | فِي العَيْشِ مَا يُجْدِي مِنَ الأشْغَالِ |
اللهُ يعْلَمُ كَمْ وَقَتْ أَوْطَانَكُمْ | شَرَّ الفَرَاغِ وَفِتْنَةَ البُهَّالِ |
فَاليَوْمُ عِيدٌ لِلكِنَانَةِ فَخْرُهُ | أَنْ لَبْسَ مَرْدُوداً إِلى أَمْثَالِ |
لاَ تَلْتَقِي مِنْهَا اللَّحَاظ بِمَوْقِعٍ | إِلاَّ وَفِيهِ لِلسُّرُورِ مَجَالِي |
هُوَ عِيدُ مِصرَ وَلاَ انْفِرَادَ لَهَا بِهِ | كَلاَّ وَلاَ لِلعَصْرِ دُونَ التَّالِي |
هُوَ عِيدُ رَابِطَةِ الشُّعُوبِ جَمِيعِهَا | فِي الشَّرْقِ بَعْدَ تَفَكُّكِ الأَوْصَالِ |
هُوَ عِيدُ حَاضِرِهَا وَمُقْبِلِهَا عَلَى | مُتَعَاقَبِ الأَحْقَابِ وَالأَجْيَالِ |
أَعْظِمْ بِهذا الحَفْلِ فِيهِ وَكُلُّهُ | مِنْ صَفْوَةِ الوُزَرَاءِ وَالأقْيَالِ |
وَمِنَ السَّرَاةِ تَفَاوَتَتْ أَقْدَارُهُمْ | وَتَوَافَقُوا فِي البِشْر والإِقبالِ |
شَرفُ الرَّئِيسِ وَقَدْ تَوَسَّطَ عِقْدَهُمْ | شَرَفْ الفَرِيدَةِ وَالجُمَانِ غَوالِي |
مَا زَالَ صَدْراً فِي الصُّدُورِ وَلَمْ يَكُنْ | مِنْ مَهْدِهِ إِلاَّ حَلِيفَ مَعَالِي |
لَطْفٌ وَآدابٌ وَصِدْقُ فِرَاسَةٍ | وَوَفَاءُ مَوْلَى فِي مَهَابَةِ وَالِي |
حَقٌ لَهُ ولِصاحِبَيْهِ مَا لَهُمْ | فِي قَوْمِهِمْ مِنْ صَادِقِ الإِجلاَلِ |
هلْ رَاعَكُمْ مِنْ طَلْعَتٍ وَبَيانِهِ | نُطْقُ السكُوتِ وَحُسْنُ مَا هُوَ نَالِي |
وَتَنَاوُبٌ فِي عَبْقَريٍ وَاحِدٍ | بَيْنَ الفَتَى الفَعَّالِ وَالقَوَّالِ |
إِنِّي لأَفْزَعُ حِينَ أَبْغِي وَصْفَهُ | مِنْ بَعْدِ مَا أَبْغِيهِ وَهْوَ حِيَالِي |
جَبَلٌ تَضِلُّ العَيْنُ فِي عَلْيَائِهِ | وَالوَحْيُ مَهْبِطُهُ رُؤُوسُ جِبَالِ |
بَحْرٌ وَلَيْسَ يَضِيرُهُ مُسْتَنْكِرٌ | أَنْ ينْظِمَ الشِّرِكَاتِ نَظْمَ لآَلِي |
لِلهِ عُزْلَتُهُ وَمِنْ شُرُفَاتِهَا | يَرْمِي الجِهَاتِ بِلَحْظِهِ الجوَّالِ |
يَرْتَادُ حاجَاتِ الحِمَى لِقَضَائِهَا | وَيَسُدُّ خَلاَّت بِغَيْرِ سُؤَالِ |
مَاذَا يُدِيرُ وَمَايُدَبِّرُ وَحْدَهُ | مِمَّا بِهِ يَعْيَى عِدَادَ رِجَالِ |
تَرْنو إِلَيْهِ لَمَا تَرَى إِلاَّ نَدًى | حَيْثُ الهُمُومُ تَهُم بِالإِشْعَالِ |
كُثْرٌ مَآثِرُهُ أُرَدَّدُ ذِكْرَهَا | وَفُؤَادُ سُلْطَانٍ يَمُرُّ بِبَالِي |
جَمَعَ التَّوَافِي فَرْقَدَيْنِ هُمَا وَقَدْ | عَزَّ التَّوَافِي مَضْرِبُ الأَمْثَالِ |
يَقِظَيْنِ مُؤْتَمَنَيْنِ عَنْ ثِقَةٍ عَلَى | مَا فِي ذِمَامِهِمَا مِنَ الأمْوَالِ |
وَمُحَولَيْنِ لِنَفْع مِصْرَ وَأَهلِهَا | مَا لَمْ يَكُنْ إِلاَّ لِنَفْعِ جَوَالِي |
فَإِذَا لِلاِسْتِغْلاَلِ مَعْنًى مُخْلِفٌ | مَا كَانَ مِنْ مَعْنًى لِلاِسْتِعْلاَلِ |
رَكِبَاً إِلى أَسْمَى المَآرِبِ صَعْبَةً | تَفْتَكُّ أَحْرَاراً مِنَ الأَغْلاَلِ |
أَفَيَمْكُثَ السادَاتْ فِي أَوْطَانِهِم | وَكَأَنَّهُمْ للاجْنَبِينَ مَوَالِي |
لِفُؤَادِ سُلْطَانٍ بِطَارِفِ مَجْدِهِ | إِنْ لَمْ يَكُنْ بِالعَمِّ أَوْ بِالخَالِ |
يَا حَبَّذَا الشَّرَفُ الرَّفِيعُ يُصِيبُهُ | غَيْرُ المُدِلِّ بِهِ وَلاَ المُخْتَالِ |
هَذَا فَتَى الفِتْيَانِ غَيْرُ مُدَافَعٍ | وَالقُدْوَةُ المُثْلَى بِغَيْرِ جِدالِ |
هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الَّذِي أَحْمَالُهُ | تُوهِي وَلاَ يَشْكُو مِنَ الأَحْمَالِ |
أثْنِي عَلَيْهِ بِمَا بِهِ وَأُحِبُّهُ | لِلفَضْلِ فِيهِ وَلَيْسَ لِلإِفْضَالِ |
إِنْ العَرِينَ وَهَؤُلاَءِ أُسُودُهُ | لَمُؤَمَّنٍ بِتَرْعْرُعِ الأَشْبَالِ |
حَتَّى يُعَيِّدَ كُلُّ جِيلٍ عِيدهُ | بِتَسَلْسُلِ الأَدْهَارِ لاَ الأَحْوَالِ |