أَفَرِيدُ لاَ تَبْعَدْ عَلَى الأَدْهَارِ
مدة
قراءة القصيدة :
10 دقائق
.
أَفَرِيدُ لاَ تَبْعَدْ عَلَى الأَدْهَارِ | أَنْتَ الشَّهِيدُ الْخَالِدُ التَّذْكَارِ |
بِالأَهْلِ بِالدمِ بِالرَّفَاهَةِ بِالغِنى | فَدَّيْتَ مِصْرَ وَفَدَّيْتَ مِنْ دَارِ |
حَرَّرْتَ نَفْسَكَ دَائِبَ المَسْعَى إِلى | تَحْرِيرِهَا لِتُعِزَّ بَعْدَ صَغَارِ |
مُسْتَرْسِلاً وَالدَّهْرُ فِي إِقْبَالِهِ | مُسْتَبْسِلاً وَالدَّهْرُ فِي الإِدْبَارِ |
ثَبْتاً إِذَا مَا الرَّاسِخونَ تَقَلْقَلُوا | مُتَوَافِقَ الإِعْلاَنِ وَالإِسْرَارِ |
فَبَرَرْتَ بِالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتَهُ | وَوَفَيْتَ فِي الإِيسَارِ وَالإِعْسَارِ |
مَا كَانَ ذَاكَ الْعُمْرُ إِلاَّ قُرْبَة | مَوْصُولَةَ الآصَالِ بِالأَسْحَارِ |
وَمِنَ المُنَى مَا لَيْسَ يُوفَى حَقُّهُ | حَتَّى يَكُونَ الْجَودُ بِالأَعْمَارِ |
إِنِّي لأَذْكُرُ مُصْطَفَى وَرَفِيقهُ | فِي مُسْتَهَلِّهِمَا وَفِي الإِبْدَارِ |
مُتَوَخِّياً إِعْتَاقَ مِصْرَ كِلاَهُمَا | وَكِلاَهُمَا لأَخِيهِ خَيْرُ مُبَارِ |
وَكِلاَهُمَا يَسْعَى الْغَدَاةَ مُذَلِّلاً | سُبُلَ النَّجَاحِ لِمُقْتَفِي الآثَارِ |
وَكَأَنَّ مِصْرَ حِيَالَ كُلِّ مَخَاطِرَ | إِذْ ذَاكَ فِي شُغُلٍ عَنِ الأَخْطَارِ |
فِي قَلْبِهَا حُبُّ الْحَيَاةِ طَلِيقَةً | لَكِنَّهَا تَخْشَى أَذَى الإِظْهَارِ |
وَضَمِيرُهَا آناً فَآنا يُجْتَلَى | فَيَرَى كَمَا اقْتَدَحَ الزِّنَادَ الْوَارِي |
عَرَفَا حَقِيقَتَهَا وَبَثَّا بَثَّهَا | ثِقَةً وَمَا كَانَا مِنَ الأَيْسَارِ |
لَمْ يَلْبَثَا مُتَآزِرَيْنِ بِنِيَّةٍ | مَصْدُوقَةٍ فِي خُفْيَةٍ وَجِهَارِ |
حَتَّى إِذَا مَا أَيْقَظَا إِيمانَهَا | وَوَرَت بَوَادِرُ مِنْ سَنىً وَشَرَارِ |
أَبْدَتْ أَسَاهَا يَوْمَ فَارَقَ مُصْطَفى | هَذَا الْجِوَارَ وَرَامَ خَيْرَ جِوَارِ |
يَوْمٌ رَأَى الرَّاؤُوْنَ مِنْ آيَاتِهِ | بِدْعاً يَرِيبُ السَّمْعُ فِي الإِخْبَارِ |
أُخِذَ الأُوْلَى جَهِلُوا البِلاَدَ بِرَوْعَةٍ | لِجَلاَلِ ذَاكَ الْمَشْهَدِ الْكُبَّارِ |
لَمْ يَحْسَبُوا فِي مِصْرَ عَبْداً شَاكِياً | فَي فَتْرَةِ التفكِيرِ وَالإِضْمَارِ |
عَجَباً لَهُمْ مِنْ سَاكِنِي دَارٍ وَمَا | مِنْهُمْ بِمَا طُوِيَتْ عَلَيْه دَارِ |
جَزِعُوا وَأَجْزَعَ بِامْرِيءٍ فِي مَأْمَنٍ | وَثَبَتْ عَلَيْهِ فُجَاءَةُ التَّزْآرِ |
شَعْبٌ مَشَى وَالْحُزْنُ مِلْءُ نُفُوسِهِ | لَكِنَّ عِليِّينَ فِي اسْتِبْشَارِ |
لَيْسَ الَّذِي حَمَلُوهُ وَفي أَعْوَادِهِمْ | مَيْتاً يُوَارِيهِ التُرَابَ مُوَارِ |
كَلاَّ وَلاَ الخُشُبُ الَّتِي سَارُوا بِهَا | مَا خَيَّلَتْهُ أَعْيُنُ النُّظَّارِ |
إِنْ ذَاكَ إِلاَّ العَهْدُ فِي تَابُوتهِ | عَهْدُ القَدِيرِ لِشَعْبِهِ الْمُخْتَارِ |
رَفَعَتْهُ أَعْنَاقُ العِبَادِ وَزَفَّهُ | دَاوُدُ بَيْنَ الْجُنْدِ وَالأَحْبَارِ |
مُتَرَقِّصاً وَهْوَ النَّبِيُّ مُعَالِجاً | وَهْوَ المَلِيكُ النَّفْخَ فِي المِزْمَارِ |
أَنَّى يُقَالُ جِنَازَةٌ وَهْيَ الَّتِي | حَمَلَتْ لِقَوْمٍ آيَةَ الإِنْشَارِ |
ذَهَب الرَّئِيسُ فَنِيط عِبْءُ مَقَامِه | بِالأَنْزَهِ الأَوْفَى مِنَ الأَنْصَارِ |
أَفَرِيدُ هَذَا الشَّأْوُ قَدْ أَدْرَكْتَهُ | وَسَبَقتَ مَنْ جَارَاكَ فِي الْمِضمَارِ |
فَتقاضَ أَضْعَافَ الَّذِي قَدَّمْتَهُ | وَاسْتَسْقِ صَوْتَ العَارِضِ المِدْرَارِ |
إِنْ تَلْتَمِسْ جَاهاً أَصِبْ مَا تَشْتَهِي | مِنْ مَنْصِبٍ وَاذْخَرْ كُنُوزَ نُضارِ |
وَالشَّرْقُ يَقْبَلُ قَدْ علِمْتَ مِنَ الأُولَى | يَتَمَحَّلُونَ غَرَائِبَ الأَعْذَارِ |
أَلْشَّعْبُ شِبْهُ الْبَحْرِ لاَ تَأَمَنْ لَهُ | مَا أَمْنُ مُقْتَعِدٍ مُتُونَ بِحَارِ |
فَغَداً وَيَا حَذَراً لِمِثْلِكَ مِنْ غَدٍ | قَدْ تَسْتَفِيقُ وَلاَتَ حِينَ حِذَارِ |
يَسْلُو الأُولَى عَبَدُوكَ أَمْسِ وَرُبَماَ | كُوفِئْتَ مِنْ عُرْفٍ بِالاسْتِنْكَارِ |
فَتَبِيتُ صِفْرَ يَدٍ وَكُنْتَ مَلِيَّهَا | وَتَذُوقُ كُلَّ مَرَارَةِ الإِقْتَارِ |
لَكِنْ أَبَيْتَ العِرْضَ إِلاَّ سَالِماً | وإِنْ ابْتُلِيتَ بِشِقْوَةٍ وَضِرارِ |
لَمْ تَعْتَقِدْ إِلاَّ الْوَلاءَ وَقَدْ أَبَى | لَكَ أَنْ تُلَبِّيَ دَاعِيَ الإِخْفارِ |
وَسَمَوْتَ عَنْ أَنْ يَسْتَمِيلَكَ خَادِعٌ | بِالْمَنْصِبِ المُزْجَى أَوْ الدِّينارِ |
فَظَلِلْتَ مَبْدَؤُكَ الْقَوِيمَ كَعَهْدِهِ | عِندَ الْوَفاءِ وَفَوْقَ الاسْتِئْثَارِ |
تَزْدَادُ صِدْقَ عَزِيمَةٍ بِمِرَاسِهِ | وَرُسُوخَ إِيمَانٍ بِالاسْتِمْرَارِ |
تَصِلُ العَشَايَا بِالْغَدَايَا جَاهِداً | وَمُجَاهِداً فِيهَا بِلاَ اسْتِقرَارِ |
حَتَّى إِذَا أَيْقنْتَ أَنَّ الْقَوْلَ لاَ | يَعْلُو وَدُونَ الْحَقِّ طَوْقُ حِصَارِ |
رُمْتَ الشُّخُوصَ إِلى شُعُوبٍ طَلْقَةٍ | تَرْثِي لِشَعْبٍ فِي أَسَى وَإِسَارِ |
إِنَّ الْحُكُومَةَ قَدْ تُدَارِي مِثْلَهَا | وَالشَّعْبُ قَدْ يَأْبَى فلَيْسَ يُدَارِي |
أَزْمَعْتَ تِلكَ الْهِجْرَةَ الأُولَى إِلى | إِنْجَاحِ قَصْدٍ أَوْ إِلى إِعْذارِ |
فِي نُخبَةٍ مَهْمَا يُسَامُوا يَبْذُلُوا | لِذيَادَ مُجْتَاحٍ وَصَوْنِ ذِمَارِ |
يَبْغُونَ دُسْتُورَاً يُوَطِّيءُ حُكْمُهُ | سُبُلَ الْجَلاَءِ لأَمْكَثِ الزُّوَّارِ |
الْحُكْمُ شُورَى لاَ تَفَرُّدَ صَالِحٌ | فِي غَيْرِ حُكْمِ الْوَاحِد القَهَّارِ |
وَالظُّلْمُ رِقُّ عَشِيرَةٍ لِعَشِيرَةٍ | بِقَضَاءِ جُنْدٍ عِنْدُهُا وَجَوَارِي |
عَصْبُ الْجِوَارِ أَشَدُّ فِي أَيَّامِنَا | مَمَّا دَعَوْا قِدْماً بِسَبْيِ جَوَارِي |
وَالعَدْلُ لَوْ فِي النَّاسِ عَدْلٌ لَمْ يَكُنْ | يَوْماً حَلِيفَ سِيَاسَةٍ اسْتِعْمَارِ |
مُوسَى وَعِيسَى بَعْدَهُ وَمُحَمَّدٌ | فَرُّوا مِنَ الظُّلاَّمِ أَيَّ فِرارِ |
بِالْهِجْرَة اتَّسَقَتْ لَهُمْ أَسْبَابُ مَا | أُوتُوهُ مِنْ نَقْضٍ وَمِنْ إِمْرَارِ |
فِي كُلِّ مَا جَلَّ اجْتِماعاً شَأْنُهُ | شَفَعَتْ نَوَىً لِدُعَاتهِ الأَطْهَارِ |
وَمِنَ ابْتِدَاءِ الدَّهْرِ أَعْلَتْ غُرْبَةٌ | كَلِمَ الثِّقَاتِ عَلَى قُوَى الفُجَّارِ |
تِلْكَ العَوَامِلُ يَا فَرِيدُ هِي الَّتِي | لَبَّيْتَ دَعْوَتَهَا عَنِ اسْتِبْصَارِ |
أَخْفَقْتَ فِي الأُوْلَى فَلَمْ تَكُ قَانِطاً | وَالنُّجْحُ تَدْرِي لاِمْرِئٍ نَظَّارِ |
وَرَجَعْت تَرْقُبُ نَهْزَةً لَمْ تَتَّسِقْ | قَبْلاً وَلَمْ تَحْفِلْ بِقَوْلِ الزَّارِي |
مُتَمَادِياً عَزْماً تَمَادَى أَرْوَعٍ | لاَ وَاهِنٍ يَوْماً وَلاَ خَوَّارِ |
مَا إِنْ تُبَالِي سَاهِرَاً مُتَرَصِّدَاً | يَرْنُو إِلَيْكَ بِمُقْلَةٍ الْغَدَارِ |
يَجْنِي عَلَيْكَ لِغَيْرِ ذَنْبٍ باغِياً | وَالْبَغْيُ جَنَّاءٌ عَلَى الأَطْهَارِ |
مَنْ كَانَ جَارُ السُّوءِ يَوْمَاً جَارَهُ | عُدَّتْ فَضَائِلُهُ مِنَ الأَوْزَارِ |
قُلْ لِلرَّئِيسِ إِذَا مَرَرْتَ بِسِجْنِهِ | إِنَّ السُّجُونَ مَعاهِدُ الأَحْرارِ |
وَافَيْتَهُ طَوْعاً وَرَأُيكَ ثَابِتٌ | أَنَّ اعْتِقَالَكَ مُطْلَقُ الأَفْكَارِ |
إِنْ يَحْجِبُوكَ فَإِنَّ فِكْرَكَ رافِعٌ | نُوراً تُضَاءُ بِهِ سَبِيلُ السَّارِي |
كَمْ تَحْجُبُ الظُّلُمَاتُ طَوْداً شَامِخَاً | فَيَلُوحُ فَوْقَ ذُراهُ ضَوْءُ مَنَارِ |
إِنَّا لَنَسْمَعُ مِنْ سُكُوتِكَ حِكْمَةً | وَنَرَى هُدىً فِي وَجْهِكَ المُتَوارِي |
وَإِذَا النُّفُوسُ تَجَرَّدَتْ لِمَرَامِهَا | غَنِيتْ عَنِ الأَسْمَاعِ وَالأَبْصَارِ |
حَاشَاك أَنْ تَأْسَى وَهَلْ نَأْسَي عَلَى | عِلْمٍ بِأَنَّ التَّمَّ بَعْدَ سِرَارِ |
أَلأَنْبِياءُ انْتَابَهُمْ زَمَنٌ بِهِ | لَزِمُوا التَّفَرُّدَ عَنْ رِضىً وَخِيَارِ |
لَجَأُوا إِلى الْخَلَوَاتِ وَاحْتَبَسُوا بِهَا | شَظِفي المَعَايِشِ لاَبِسِي الأَطْمَارِ |
مُسْتَجْمِعِينَ مُرَوِّضِينَ قُلُوبَهُمْ | لِقِيَامِ دَعْوَتِهِمْ عَلَى الأَخْطَارِ |
وَمِنَ الغِيَابَاتِ الَّتي أَمْسُوا بِهَا | بَعَثُوا الْهُدَى كَالشَّمْسِ فِي الإِزْهَارِ |
سَلْ مُوحِشاً فِي طُورِسيِنَا سَامِعاً | كَلِمَ المُهَيْمِنِ فِي اصْطِعَاقِ النَّارِ |
سَلْ طَيْفَ جُلْجُلَةٍ وَقَدْ تَرَكَ الطَّوَى | مِنْهُ ضِيَاءً فِي بَيَاضِ إِزَارِ |
سَلْ خَالِياً بِحَرَى يُلَبِّي رَبَّهُ | فِي الغَارِ عَمَّا نَابَهُ فِي الغَارِ |
بِالْعُزْلَةِ اكْتَمَلُوا وَرُبُّ مُرَوِّضٍ | لِلنَّفْسِ حَرَّرَهَا بِالاسْتئْسَارِ |
لاَ شَيءَ أَبْلَغَ بِالدُّعَاة إِلى المُنَى | مِنْ أَنْ تمَحِّصُهُمْ يَدُ الْمِقْدَارِ |
لَمْ يَكْفِهِ مَا كَانَ حَتَّى جَاءَهُ | مَا فَوْقَ غَلِّ الْجِيدِ وَالإِحْصَارِ |
أَلنَّفْيُ بَعْدَ السَّجْنِ تِلْكَ عُقُوبَةٌ | أَعْلَى وَأَغْلَى صَفْقَةً للشَّارِي |
يَسْمُوا بِهَا السَّجْنُ الْقَرِيبُ جِدَارُه | شَرَفاً إِلى سِجْنٍ بِغَيْرِ جِدَارِ |
لاَ يَتْرُكُ الْجَارِي عَلَيْهِ حُكْمَهُ | إِلاَّ لِيُدْرِكَهُ الْقَضَاءُ الْجَارِي |
أَيَّ السَّفَائِنِ يَسْتقِلُّ كَأَنَّهَا | إِحْدَى الْمَدَائِنِ سُيِّرَتْ بِبُخارِ |
يَنأَى بِهَا عنْ أَهْلِهِ وَرِفَاقِهِ | دَامِي الْفُؤادِ وَشِيكُ الاسْتِعْبَارِ |
يَنْبُو ذَرَا الْبَلَدِ الأَمِيْنِ بِمِثْلِهِ | وَالزَّاحِفَاتُ أَمِيْنَةُ الأَجْحَارِ |
مُتَلَفِّتاً حِيْنَ الْوَدَاعِ وَفِي الْحَشَى | مَا فِيهِ مِنْ غُصَصٍ وَمِنْ أَكْدَارِ |
تَتَغَيَّبُ الأَوْطَانُ عَنْ جُثْمَانِهِ | وَالْقَلْبُ يَشْهَدُهَا بِالاسْتِحْضَارِ |
مُتَشَبِّعَاً مُترَوِّيَاً مِمَّا يَرَى | لِشِفاءِ مَسْغَبَةٍ بِهِ وَأُوَارِ |
يَرْنُو إِلى صُفْرِ الشَّوَاطِيءِ نُطِقَتْ | أَعْطَافُهَا بِالأَزْرَقِ الزَّخَّارِ |
وَيَذُوبُ قَبْلَ الْبَيْنِ مِنْ شَوْقٍ إِلى | وَجْهِ الْحِمَى وَجَمَالهِ السَّحَّارِ |
يَسْتَافُ مَا تَأْتِي الصَّبَا بِفُضُوله | مِنْ طِيبِ تِلْكَ الْجَنَّةِ الْمِعْطَارِ |
وَبِسَمْعِه لَحْنُ الْعَشيرَةِ جَامِعَاً | لُغَةَ الأَنِيسِ إِلى لُغَى الأَطْيَارِ |
لَهْفِي عَلَيْهِ مُشَرَّداً قَبْلَ الرَّدَى | سَيَهِيمُ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ قَرَارِ |
مِنْ أَجْلِ مِصْرَ يَؤُمُّ كُلَّ مُيَمَّمٍ | فِي قَوْمِه وَيَزُورُ كُلَّ مَزَارِ |
لاَ يَوْمَ يَسْكُنُ فِيهِ مِنْ وََْثبٍ وَمَنْ | بِسَكِينَةٍ لِلْكَوْكبِ السَّيَّارِ |
فِي غُرْبَةٍ مَوْصُولَةٍ آلامُهَا | أَنْضَتْهُ فِي الرَّحَلاَتِ وَالأَسْفَارِ |
تَنْتَابُهُ الصَّدَمَاتُ لاَ يَشْكو لَهَا | إِلاَّ شَكَاةَ المِحْرَبِ الْكَرَّارِ |
ثِقَةً بَأَنَّ الْفَوْزَ لَيْسَ لِجَازِعٍ | فِي الْعَالَمِينَ الْفَوْزُ لِلصَّبَّارِ |
وَتَعَضُّهُ الفَاقَاتُ لاَ يَلْوِي بِهَا | عِزَّاً وَيَسْتُرُهَا بِسِتْرِ وَقَارِ |
حِرْصاً عَلَى المُتَطَوِّلِينَ بِفَضْلِهِمْ | أَنْ يَجْنَحُوا وَجَلاً إِلى الإِقْصَارِ |
مَا كَانَ أَظْفَرَهُ بِأَلْيَنِ جَانِبٍ | لِلْعَيْشِ لَوْلاَ شِدَّةُ الإِصْرَارِ |
مَا كَانَ هذَا الْحَدَّ حَدَّ عَذَابِهِ | تُرْدِي الأُسُودَ ضَرُورَةُ الإِخْدَارِ |
صَالَ الشَّقَاءُ عَلَى فَرِيدٍ صَوْلةً | بَيْنَ الْجَوَانِحِ أَنْذَرَتْ بِدَمَارِ |
قَصُرَتْ لَيَاليهِ عَلَى مَجْهُوِدِه | وَالْيَوْمَ عُدْنَ عَلَيْهِ غَيْرَ قِصَارِ |
مَا بَالُ ذَاكَ الْوَجْهِ بَعْدَ توَردٍ | خَلَعَ النّضَارَة وَاكْتَسَى بِبَهَارِ |
مَا بَالُ ذَاكَ الْجِسْمِ بَاتَ مِنَ الضَّنَى | كَالرَّسْمِ فِي جُرْفٍ بِهِ مُنْهَارِ |
مَا بَالُ ذَاكَ العَزْمِ بَعْدَ مَضَائِهِ | عَثَرَتْ بِهِ العِلاَّتُ كُلَّ عِثَارِ |
مَا بَالُ ذَاكَ القَلْبِ بَعْدَ خُفُوقِهِ | تَنْتَابُهُ هَدَآتُ الاِسْتِقْرَارِ |
أَمْسَى يُعَاِلجُ سَكْرَةً فِِي نَزْعِهِ | مَنْ لَم يَذُقْ فِي الْعُمْرِ طَعْمَ عُقَارِ |
وَلَوِ اسْتَطاعَ لَمَا أَضَاعَ دَقِيقَةً | يَمْضِي الزَّمَانُ بِهَا مُضِيَّ خَسَارِ |
وَفَّى بِمَا أَعْطاهُ حَقَّ بِلاَدِهِ | وَالمَوْهَبَاتُ تُرَدُّ رَدَّ عَوَارِي |
أَمَكَانُهُ هَذا أَتِلْكَ حُلِيُّهُ | وَالبَيْتُ خالٍ وَالمُقَلَّدُ عَارِي |
أَكَذَاكَ يَخْتِمُ فِي الشَّقَاءِ حَيَاتَهُ | مَنْ كَانَ جَمَّ الْجَاهِ وَالإِيسَارِ |
مَاذَا تَفِي مِنْ حَقِّهِ بَعْدَ الَّذِي | عَانَاه كُلُّ قَلاَئِدِ الأَشْعَارِ |
إِنَّ الَّذِي يَبْلُوهُ شَارِي قَوْمِهِ | غَيْرُ الَّذِي نَتْلُوهُ فِي الأَسْطَارِ |
مَاتَ الرَّئِيس فَصَارَ كُلَّ مَسِيرَةٍ | ذَاكَ النَّعِيَّ وَطَارَ كُلّ مَطَارِ |
مَاتَ العِصَامِيُّ العِظَاميُّ الَّذِي | مَا كَانَ بِالْعَاتِي وَلا الْجَبَّارِ |
مَاتَ الذِي مَارَى سِوَاهُ فِي الْهَوَى | يَوْمَ الْحِفَاظِ وَعَاشَ غَيْرِ مُمَارِ |
أَقْرِرْ مَقَامَكَ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّه | لَنَتِيجَةٌ مِنْ ذَلِكَ الإِقْرَارِ |
فَإِذَا سَمَوْتَ بِهِ تَقَلَّدَ أَنْجُماً | وَإِذَا دَنَوْتَ بِهِ اكْتَسَى بِغُبَارِ |
وَإِذَا غَنِيتَ بِهِ تَفَكَّهَ بِالْعُلاَ | وَإِذَا افْتَقَرْتَ بِهِ اكْتَفَى بِقَفَارِ |
وَأَعَزُّ مَا تَقْضِي لِنَفْسِكَ حَاصِلٌ | لَكَ إِنْ تُؤَدِّ الحَقَّ بالمِعْيارِ |
أَلْوَاجِبَاتُ أَسًىً وَشَقُّ مَرَائِرٍ | لكِنَّ فِيهَا الشُّهْدَ لِلْمُشْتَارِ |
غَيْرُ الزَّمُوعِ يَهُبُّ مُضْطَلِعاً بِمَا | تُوحِي وَغَيْرُ الأَضْرَعِ الْثَّرْثَارِ |
للَّهِ مَجْدُ الذَّائِقِينَ عَذَابَهَا | وَوَقَارُ مَنْ نَهَكَتْهُ بِالأَوْقَارِ |
أَيُّ الفَخَارِ فَخَارُ مَنْ قَحَمَ الشَّرَى | فَحَمَى الْحَقِيقَةَ وَالْخُطُوبُ ضَوَارِ |
سَيْفُ القَضَاءِ وَقَدْ أَصَابَ مُحَمَّداً | نَالَ الْوَفَاءَ بِحَدِّهِ البَتَّارِ |
أَعَمَايَةٌ لاَ لاَ وَلِكنْ حِكْمَةٌ | ثَبُتَتْ بِمُتَّصِلٍ مِنَ التَّكْرَارِ |
يَدْعُو الشَّهِيدُ الأَلْفَ مِنْ أَمْثَالِهِ | وَبِهِمْ يَتِمُّ تَقَلُّبُ الأَطْوَارِ |
يَا أَيًّهَا الْقَتْلى سَقَى أَجْدَاثَكُمْ | فَضْلُ المُثِيبِ وَرَحْمَةُ الغَفَّارِ |
إِنَّا لَنَبْكِي كُلَّ ثَاوٍ هَامِدٍ | مِنْكُمْ بِأَكْبَادٍ عَلَيْهِ حِرَارِ |
أَلْعَرْشُ عَرْشُ الْحَقِّ يَزكُو حَالِياً | بِدَمٍ عَلَيْهِ لِلشَّهَادَةِ جَارِي |
وَالأَرْضُ إِذْ تُسْقَى نَجِيعَ بَرَاءَةٍ | تُزْهَى وَيَأْخُذُهَا اهْتِزَازُ خُمَارِ |
زَهْوَ العَرُوسِ غَلاَ نِظَامُ حُلِيِّهَا | وَتَبَرَّجَتْ طُرُقَاتُهَا بِنِثَارِ |
أَعْزِزْ بِأَنْفسِكْم فَمَا هِيَ أَنْفسٌ | مَسْفوكَةٌ فِي التّربِ سَفْكَ جُبَارِ |
فِي كُلِّ مَوْقِعِ مُهْجَةٍ مِنْكُمْ جَرَتْ | أَزْكَى وَأَخْصَبُ مَوِقْعٍ لِبَذَارِ |
إِنَّا لَنَعْرِفُ قَدْرَهَا وَهْيَ الَّتِي | جَعَلَتْ لَنَا قَدْراً مِنَ الأَقْدَارِ |
وَنُجِلُّهَا أَبَداً بِذِكْرَى أَنَها | صَانَتْ حَقِيقَتنا مِنَ الإِحْقارِ |
زَادَتْ جَمَالَ النيلِ فِي أَبْصَارِنا | وَحُلى النخِيعِ وَبَهْجَةَ النوَّارِ |
وَسَرَى إِلى الأَرْوَاحِ مِن أَرْوَاحِهَا | عَبَقٌ ذَكا كَتَارُّجِ الأَزْهَارِ |
وَكَأَنَّهَا بِلطَافَة عُلْويَّةٍ | زَانَتْ لَنَا مُتَفَيَّأَ الأَشْجَارِ |
وَفْدَ الْحِمَى مِنْ قَادَةٍ وَأُولِي نُهىً | فَوْقَ التَّصَارِيفِ الكِبَارِ كِبَارِ |
أَرْشِدْ بِكُمْ مُسْتَطْلِعِينَ لِشَأْنِكُمْ | فِي الْغَرْبِ كُلَّ مَطَالعِ الأَنْوَارِ |
هُزَّتْ مَنَابِرُهُ بِعَالِي صَوْتِكُمْ | وَأُثِيرَ فِيهِ الرَّأْيُ كُلَّ مَثَارِ |
سَالَتْ عُيُونُ بَيَانِكُمْ فِي صُحْفِهِ | فَمَلأْنَهَا وَجَرَيْنَ بِالأَنْهَارِ |
وَبَدَتْ لِمِصْرَ بِهِ بَوَادِرُ حِكْمَةٍ | سَبَتِ الْعُقُولَ بِآيِهَا الأَبْكَارِ |
إِنْ أَنْكَرَ الْعَادُونَ مَا وَصِمْوا بِهِ | هَلْ تَطْهُرُ الْوَصَمَاتُ بِالإِنْكَارِ |
أَوْ أَهْجَرُوا قَوْلاً لِكُلِّ مُهَذَّبٍ | مِنْكُمْ فَبَعْضُ المَدْحِ فِي الإِهْجَارِ |
أَفَرِيدُ أَعْظِمْ بالَّذِي هَيَّأْتَهُ | لِعَشِيرَةٍ فَدَّيْتَهَا وَدِيَارِ |
نَمْ إِن مصْراً عنْكَ رَاضِيَةٌ وَفُزْ | مِنْ شُكْرِهَا بِمَثُوبَةِ الأَخْيَار |
أَوْشَكْتُ أَجْزَعُ فانْتهَيْتُ بِأَنَّني | آنَسْتُ فِيكَ مَشِيئَةً لِلبَارِي |