داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي | مِنْ صَبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِي |
يَا لَلضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِي وَمَا | فِي الظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ |
قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى | وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنِ الأَدْوَاءِ |
وَالرُّوْحُ بيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ | فِي حَالَيَ التَّصْوِيبِ وَ الصُّعَدَاءِ |
وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ | كَدَرِي وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائِي |
هَذَا الَّذِي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي | مِنْ أَضْلُعِي وَحَشَاشَتِي وَذَكَائِي |
عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ لَوْ أَنْصَفْتِنِي | لَمْ يَجْدُرَا بِتَأَسُّفِي وَبُكَائِي |
عُمْرَ الْفَتَى الْفَانِي وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ | بِبيَانِهِ لَوْلاَكِ في الأَحْيَاءِ |
فغَدَوْتَ لَمْ أَنْعَمْ كَذِي جَهْلٍ وَلَمْ | أغْنَمْ كَذِي عَقْلٍ ضَمَانَ بَقَاءِ |
يَا كَوْكَباً مَنْ يَهْتَدِي بِضِيائِهِ | يَهْدِيهِ طَالِعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ |
يا مَوْرِداً يَسْقِي الوُرُودَ سَرَابُهُ | ظَمَأً إِلى أَنْ يَهْلِكُوا بِظَمَاءِ |
يَا زَهْرَةً تُحْيِي رَوَاعِيَ حُسْنِهَا | وَتُمِيتُ نَاشِقَهَا بِلاَ إِرْعَاءِ |
هَذا عِتَابُكِ غَيْرَ أَنِّيَ مُخْطِيءٌ | أَيُرَامُ سَعْدٌ فِي هَوَى حَسْنَاءِ |
حَاشَاكِ بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الْورَى | وَالْحُبُّ لَمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ |
نِعْمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي | أَنْوَارُ تِلْكَ الطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ |
نِعْمَ الشَّفَاءُ إِذَا رَوِيْتُ بِرشْفَةٍ | مَكْذُوبَةٍ مِنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاء |
نِعْمَ الْحَيَاةُ إذا قضَيْتُ بِنَشْقَةٍ | مِنْ طِيبِ تِلكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ |
إِنِّي أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنَى | فِي غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي |
إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا | أَيُلَطَّف النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ |
أَوْ يُمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامَهَا | هَلْ مَسْكَةٌ فِي البُعْدِ للْحَوْبَاءِ |
عَبَثٌ طَوَافِي فِي الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ | فِي عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاِسْتشْفَاءِ |
مُتَفَرِّدٌ بِصَبَابَتِي مُتَفَرِّد | بِكَآبَتِي مُتَفَرِّدٌ بَعَنَائِي |
شاكٍ إِلى البَحْرِ اضْطَرابَ خَوَاطِرِي | فَيُجِيبُنِي بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ |
ثاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي | قَلْباً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ |
يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي | وَيَفُتُّهَا كَالسُّقْمِ فِي أَعْضَائِي |
وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الْجَوَانِبِ ضَائِقٌ | كَمَداً كصَدْرِي سَاعَةَ الإِمْسَاءِ |
تَغْشَى الْبَريَّةَ كُدْرَةٌ وَكَأَنَّهَا | صَعِدَتْ إِلى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي |
وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ | يُغْضِي عَلَى الْغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ |
يا لَلْغُرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْرَةٍ | للِمْسْتَهَامِ وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي |
أَوَلَيْسَ نَزْعاً لِلنَّهَارِ وَصَرْعَةً | لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ |
أَوَلَيْسَ طَمْساً لِلْيَقِينِ وَمَبْعَثاً | للِشَّكِّ بَيْنَ غَلاَئِلِ الظَّلْمَاءِ |
أَوَلَيْسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَدىً | وَإبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ |
حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيداً لَهَا | وَيَكونَ شِبْهَ الْبَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ |
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ | وَالْقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ |
وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي | كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائِي |
وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْنِي يَسِيلُ مُشَعْشَعاً | بِسَنَى الشُّعَاعِ الْغَارِبِ المُتَرَائِي |
وَالشَّمْسُ فِي شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ | فَوْقَ الْعَقِيقِ عَلى ذُرىً سَوْدَاءِ |
مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّراً | وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ |
فَكَأَنَّ آخِرَ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ | مُزِجَتْ بِآخِرِ أَدْمُعِي لِرِثَائِي |
وَكأَنَّنِي آنَسْتُ يَوْمِيَ زَائِلاً | فَرَأَيْتُ فِي المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي |